حالة شديدة من الاهتمام علي المستوي الدولي بأوضاع حقوق الانسان في مصر بعد تداعيات قرار البرلمان الاوروبي علي ملف حقوق الانسان في مصر ومطالبته بضرورة ادخال تحسينات عليه والاهتمام بملف الاقليات الدينية والسجون والمحاكمات العسكرية. وفي حوار شامل ل الأهرام مع الدكتور بطرس غالي, رئيس المجلس القومي لحقوق الانسان, والامين العام السابق للأمم المتحدة, شرح بوضوح, بصفته المسئول الأول في مصر عن تقديم توصيات للحكومة لتحسين اوضاع حقوق الانسان وعلاج السلبيات واوجه القصور في عمل الاجهزة الحكومية ومؤسسات الدولة. وفيما يلي نص الحوار: * هل سجل حقوق الإنسان في مصر يحتاج الي جهود كبيرة من المجلس لتحسينه في الخارج؟ سجل مصر في حقوق الإنسان جيد, ومسيرة مصر الدولية في مجال حقوق الانسان بدأت منذ عام1948 ومشاركة السفير الدكتور محمود عزمي في اعداد واصدار الاعلان العالمي لحقوق الانسان ثم مشاركة مصر في إصدار المواثيق الدولية للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوقيعها عليها وانضمامها اليها, بالاضافة للجهود المصرية في لجان الأممالمتحدة لحقوق الإنسان, وانتخابها في اللجنة الدولية لحقوق الإنسان بالمفوضية السامية بجنيف ثم المجلس الدولي لحقوق الإنسان الذي يراجع سجلات كل الدول الاعضاء في مجال حقوق الانسان, كما قدمت مصر لهذا المجلس تعهدات طوعية تلتزم بها في هذا المجال وينتظر ان تحقق فيها الكثير. * لكن هناك انتقادات لسجل مصر توجه من وقت لآخر من منظمات حكومية أو غير حكومية دولية وهو ما حدث أخيرا من البرامان الأوروبي؟ - التدخل الحالي في الشئون الداخلية للدول يتم عن طريق المنظمات الدولية لحقوق الإنسان أو غير الحقوقية استنادا إلي أن قضايا حقوق الإنسان أصبحت قضايا عالمية وليست محلية, كما أن المنظمات الدولية لها صوت قوي مسموع دوليا وتقاريرها لها صدي كبير, لذلك يجب الانفتاح علي هذه المنظمات والتحاور والتناقش معها حول كل الانتقادات لإيضاح المعلومات لها والرد علي ما تثيره وسوف يكون ذلك في مصلحة مصر في النهاية ولا نخشي من هذا الانفتاح لعدة أسباب, منها أن هناك انتقادات تقدم لأوضاع حقوق الإنسان في أوروبا وأمريكا ومعسكر جوانتانامو الذي أقامته كما لا يوجد نموذج مثالي لحقوق الإنسان علي المستوي الدولي يمكن تطبيقه في جميع دول العالم, حيث تختلف أوضاع وظروف المجتمع من دولة لأخري. * هل ملف حقوق الإنسان المصري ضعيف علي المستوي الدولي؟ - ليس ضعيفا وعلينا أن نقارن بين دولة بها مجلس حقوق إنسان قوي ودور حكومي مساند له وبين دولة بها مجلس حقوق إنسان ضعيف وحكومة لا تسانده لأن أداء مجالس حقوق الإنسان يختلف باختلاف الأوقات, فقد تكون للمجلس قوة في أثناء حكومة معينة ثم تأتي حكومة أخري وتشدد في الرقابة عليه وعلينا ألا ننسي أن إنشاء المجلس المصري تم حديثا ولم يمر عليه سوي4 سنوات فقط ويحتاج ليقوي في عمله الي ثقافة معينة لدعمه في المجتمع. * اتهامات التعذيب في السجون وعدم إحالة مرتكبيها للمحاكمات بالإضافة لإحالة المدنيين للمحاكم العسكرية تصدرت جانبا من الانتقادات ضد مصر في القرار الأوروبي؟ - مجلس حقوق الإنسان عقد عدة ورش عمل عن استراتيجية مناهضة التعذيب ومؤتمرا عن أوضاع السجون وزار عددا من أماكن الاحتجاز وقدم توصيات مهمة للحكومة حول هذه القضايا وتدخل عدة مرات من أجل المحتجزين والمسجونين والمعتقلين للإفراج عنهم وحل مشاكلهم دون إعلان عنها. بالاضافة لاستجابة وزارتي الداخلية والعدل في بعض الأحيان لمطالبنا, وأهمية محاكمة المتهم أمام قاضيه الطبيعي وضرورة دراسة إدخال تعديلات علي قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية,لزيادة حماية حقوق الانسان. كما أن المجلس اصدر اعلانا شاملا للمواطنة في مصر قدمه للحكومة لترسيخ مبادئها وحقوقها وتناول مشروعين: الأول عن البناء الموحد لدورة العبادة للمسلمين والمسيحيين واليهود والثاني عن الفرص المتكافئة والمساواة فيها بين جميع المصريين وعدم التمييز علي أساس الدين والجنس, بالاضافة المقترحات بتعليظ العقوبة القانونية لجريمة التعذيب وتوسيع مفهومها بما يتفق والمواثيق الدولية. * كيف يمكن التعامل مع المنظمات الدولية الحكومية أو غير الحكومية؟ بالحوار والنقاش وفتح الأبواب في التعامل معها وليس غلقها لأن للمنظمات الدولية دورا مهم في صناعة القرار الدولي والعلاقات الدولية, وأصبح لها قوة أكبر أحيانا من الحكومات وصوت قوي مسموع, حتي المؤتمرات التي تعقدها الأممالمتحدة يتم عقد مؤتمر للحكومات ومؤتمر للمنظمات الدولية, فلم تعد الحكومات اللاعب الوحيد في العلاقات الدولية وأصبح للمنظمات دور قوي وواضح. * ما الاسلوب الأفضل لتقوية دور مصر في قضايا حقوق الانسان علي المستوي الدولي؟ لقد اقترحت علي المسئولين والحكومة اقتراحا محددا لتشكيل وفود علمية أو مجموعات عمل غير حكومية لدبلوماسية حقوق الانسان تضم ممثلين من البرلمان والمنظمات المصرية لحقوق الانسان والمجتمع المدني والاحزاب السياسية لزيارة الدول والمناطق التي تعاني اشكاليات في حقوق الانسان وتهتم بها مصر في علاقاتها بهذه الدول ليكون هناك دور غير رسمي يعبر عن اهتمام المجتمع المصري وليس الحكومة وحدها بهذه الدول علي أن تقدم هذه الوفود تقارير للبرلمان والحكومة عقب عودتها, وهو الاتجاه الذي يطبقه العالم حاليا في وجود دورين بمجال حقوق الانسان احدهما حكومي والثاني شعبي غير رسمي. * ما نوع التأييد الذي يحصل عليه مجلس حقوق الانسان من الرئيس مبارك لدعم عمله داخليا؟ الرئيس مبارك مهتم بتحسين مناخ الحقوق والحريات في مصر وتنفيذ تعهداتها الدولية بعد عضويتها بالمجلس الدولي لحقوق الإنسان بالأممالمتحدة, وأضاف غالي إن مجلس حقوق الإنسان استشاري في عمله للحكومة والرأي العام المصري والدولي والمنظمات الوطنية والدولية, وإن اهتمامه بالشارع السياسي في مصر لا يقل عن اهتمامه بالشارع السياسي الدولي والقضايا الدولية. * ما الذي تتطلبه وسائل حماية حقوق الإنسان؟ - أهم إجراء هو نشر ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع, فكلما ظل مفهوم حقوق الإنسان غريبا عن المواطن العادي والأمية بين30 و40% فمن الصعب أن أنال مساندة المجتمع وتأييده, كما لا يستطيع المجلس أن يعمل بمفرده, فهو أولا مجرد مجلس استشاري, وثانيا في حاجة إلي تعاون الحكومة والمنظمات غير الحكومية المهتمة بحقوق الانسان والمنظمات الدولية غير الحكومية ومنظمات الاممالمتحدة, وهذا التعاون قد يساعدنا في الدفاع عن حقوق الانسان. * هل إشكاليات حقوق الإنسان في مصر تحتاج الي حوار شامل تشارك فيه قوي اجتماعية وسياسية؟ - نحن في حاجة إلي تعاون مع الأحزاب السياسية والرأي العام والصحافة والجامعات ومنظمات المجتمع المدني المماثلة لأن المجلس بمفرده لا يستطيع أن يفعل شيئا. * هل عضوية مصر بالمجلس الدولي لحقوق الإنسان أسهمت في تعزيز التزاماتها الداخلية؟ - بالطبع لأن علي مصر مسئولية كبيرة بسبب عضويتها, خاصة ان انتخابها يمثل انتصارا وأن لها مكانة في هذا الميدان وقد توقعت هذه العضوية اثناء وجودي في الخارج وساعدت في هذا الانتخاب من خلال الاتصالات التي أجريتها. * هل تبعية مجلس حقوق الإنسان الي مجلس الشوري جعلت أداءه ضعيفا وأثرت علي استقلاليته وأخلت بمباديء باريس؟ - هذا النظام مطبق في جميع أنحاء العالم, واختيار الاعضاء يتم من جانب الحكومة أو مجلس الشعب او الشوري علي اختلاف المسميات, ويضم ممثلين لوزارات الداخلية والعدل والخارجية, فالنظام المصري ليس فريدا في نوعه, وهو نفس النظام الذي اتبع في إنشاء المجلس المماثل في ألمانيا أو إيطاليا أو النرويج أو أوروجواي أو أي دولة, بالاضافة الي وجود دول ليس لديها مجالس حقوق إنسان حتي الآن في المنطقة, ولابد من وجود مجلس مستقل لها, فقد أنشئت هذه القاعدة علي المستوي الدولي خلال عملي بالأممالمتحدة ونفذت في أنشاء مجلس حقوق الانسان في مصر.