لا تأكل أكثر مما تستطيع معدتك أن تهضم».. هذه الجملة نقلت وسائل الإعلام أن رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوجان قد قالها للرئيس المعزول محمد مرسى عندما وجد أن الأسلوب الذى ينتهجه وجماعته فى الحكم يمكن أن يصيبهما بالتخمة التى تؤدى إلى الموت. ولكن أردوجان عندما وجد أن حسابات التنظيم الدولى للإخوان أعقد من أن يستمع مرسى لنصائحه اختار الأسلوب السهل فى التعامل مع الحالة المصرية، وهو الحديث عن الشرعية من الخارج دون الغوص فى داخلها، لأن الغوص كان كفيلا بأن يجعله يتوقف عن دعم مشروع ديكتاتور لم يكتمل. من هنا نقول إن الحكومة المصرية أحسنت صنعا عندما سحبت السفير المصرى وأبلغت السفير التركى بأنه شخص غير مرغوب فيه، لكن كان عليها أن تتخذ خطوات أكثر تقدما تتعلق بالعلاقات الاقتصادية مع تركيا، ذلك أن أردوجان كان حريصا عليها عندما قال إن الشعب المصرى غير مقصود بهجومه الدائم على الحكومة المصرية الانتقالية التى اعتبرها دوما حكومة انقلاب. فمن بين قيادات دول العالم برز رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوجان فى دعمه الكبير للرئيس المصرى المعزول محمد مرسى، وهذا الدعم يعزوه الجميع إلى انتماء كل منهما إلى جماعة واحدة هى جماعة «الإخوان المسلمين»، وهى جماعة لها تنظيم دولى، ولهذا التنظيم فرع تركى يمثله حزب العدالة والتنمية الذى يتزعمه أردوجان نفسه. ولكن هذا التفسير غير كاف لفهم موقف أردوجان، خاصة أنه قد يتعارض مع مصالح تركيا الاقتصادية بالنظر إلى حركة التجارة بين الشركات التركية ومصر، وتبلغ ما يزيد على 4 مليارات دولار سنويا، يمكن أن تفقدها تركيا فى حال تطورت الأمور بينها وبين مصر وساءت العلاقات، خاصة أن فى مصر حاليا دعاوى لمقاطعة المنتجات التركية، فضلا عن المسلسلات التركية التى كانت تلقى رواجا كبيرا فيها، وهى أحد عناصر التبادل التجارى بين الدولتين. ونعتقد أن التفسير الأكثر منطقية لموقف أردوجان يرجع إلى أحلام إمبراطورية كانت تراود أردوجان، وأدى عزل الرئيس المصرى إلى وأدها فى مهدها. فالسياسة الإقليمية لتركيا فى عهد أردوجان يطلق عليها «العثمانية الجديدة»، وهذه العثمانية تعنى أن تقود تركيا العالم الإسلامى السُّنى، وأن تكون قوة عظمى إقليمية. وقد وجد أردوجان مصر فى عصر مرسى أداة طيعة لتنفيذ طموحه الإمبراطورى، فضلا عن أن تدجين إخوان مصر سيعنى تدجين باقى إخوان العالم العربى الذين كان أردوجان يعتقد أنهم سوف يتولون السلطة فى باقى الدول العربية، ففى تونس هناك «النهضة» التى تقود التحالف الحاكم، وهى الجناح التونسى للإخوان، وفى المغرب يقود التحالف الحكومى حزب «العدالة والتنمية»، الذى يعتبر الجناح المغربى للإخوان. وكان أردوجان يعتقد أن التطورات السورية سوف تؤدى إلى سيطرة إخوان سوريا على الحكم هناك، بما يعنى أن الإخوان سيقودون الحكم فى الدول العربية الرئيسية، وأنه مؤهل لكى يكون زعيما لكل هذه الحكومات بسبب أقدميته فى الحكم، وبسبب دور تركيا الرئيسى حاليا فى التنظيم الدولى للإخوان، حيث تعقد معظم اجتماعات التنظيم فى اسطنبول، وبسبب علاقاته القوية بالحكومات الأوروبية، وهو كان يعتقد أنه سيصبح عضوا فى الاتحاد الأوروبى، بما يعطى له الفرصة لكى يكون جسرا للتواصل بين العالم الإسلامى الذى يسيطر عليه الإخوان والاتحاد الأوروبى. كان أردوجان يراهن على استراتيجية أمريكية تحتشد فيها الدول السُّنية بقيادة تركيا، ومعها مصر والأردن وسوريا وغيرها، لمواجهة خطر شيعى مزعوم بقيادة إيران ومعها العراق وحزب الله اللبنانى، فإذا به يفاجأ بأن عزل محمد مرسى سوف يقلب كل هذه الخطط، وبالتالى فإن فرصته فى إعادة رسم خريطة المنطقة بما يحقق مصالح تركيا أو يجعلها هى القوة الرئيسية التى يعتمد عليها الغرب تتراجع. ومما يزيد من عصبية أردوجان أنه يرى أن تطورات الأمور منذ أن تم عزل محمد مرسى تفيد بأن الدول الرئيسية فى المنطقة، مثل السعودية والإمارات، تريد أن تعطى لمصر دورا مركزيا فى إحداث التوازن إزاء الخطر الخارجى الذى كان يعتمد على شرق أوسط جديد تقوده تركيا، فإذا بهذه الدول تعيد الاعتبار إلى عروبتها بمساعدتها مصر على النهوض مرة أخرى بعد التراجع الذى تسبب فيه عام من حكم الإخوان المسلمين. أى أن طموحات أردوجان الإقليمية تهاوت مع عزل الرئيس محمد مرسى، ومن هنا فقط يمكن أن نفهم عصبيته فى الدفاع عنه ومحاولته عزل النظام المصرى الجديد لأنه يريد أن يعيد بناء النظام الشرق أوسطى الأمريكى الذى يلعب فيه الدور المركزى، فى الوقت الذى تعنى سيطرة النظام الجديد إعادة الاعتبار لفكرة العروبة والنظام الإقليمى العربى. وهذا الأمر كفيل بتفسير تخاريف أردوجان التى يطلقها ضد مصر منذ عزل محمد مرسى. نقلا عن المصري اليوم