ليس خافيا أن العلاقات المصرية التركية تمر بمنعطف خطير يمكن أن تمتد تأثيراته إلى ما هو أبعد من القطيعة والخصام!. الخلاف المصرى التركى تفجر فجأة فى أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسى وتحديدًا بسبب تصريحات الجانب التركى التى ترفض الاعتراف بثورة 30 يونيو كثورة شعبية وتتعامل معها باعتبارها انقلابا عسكريا. الإنصاف يقتضى القول بأن هناك أطرافا دولية أخرى كالولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى وغيرهما.. تعاملوا مع ما حدث باعتباره انقلابا عسكريا وليس ثورة شعبية.. غير أن كل هذه الأطراف بدأت تغير موقفها بشكل أو بآخر إلا تركيا.. لا تزال تتمسك برفض الإرادة الشعبية المصرية! و يبدو غريبا أنه فى الوقت الذى يتحدث فيه جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى عن أن الوقت لا يزال مبكرا بالنسبة للولايات المتحدة لتحديد ما إذا كان ما حدث يوم 30 يونيو انقلابا عسكريا أم ثورة شعبية.. وهو ما يعتبر تغيرا واضحا فى الموقف الأمريكى.. يبدو غريبا أنه فى نفس الوقت يتمسك رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان بأن محمد مرسى هو الرئيس الشرعى لمصر بالنسبة له - على حد تعبيره!. والحقيقة أن رد فعل تركيا بالنسبة لأحداث 30 يونيو وعزل الرئيس محمد مرسى كان بصفة عامة غريبا وعجيبا.. فالحزب الحاكم فى تركيا.. حزب العدالة والتنمية أعطى توجيهات للادعاء العام التركى لقبول نظر دعوى قضائية ضد الجيش المصرى.. بدعوى أنه انقلب على الشرعية فى مصر.. كأن عقارب الزمن عادت للوراء فإذا بتركيا هى الإمبراطورية العثمانية وإذا بمصر إحدى الولايات العثمانية(!!!). ثم هذه الحملة الدعائية القوية التى قامت بها الحكومة التركية لتشويه ثورة 30 يونيه والتأكيد على أن الجيش المصرى انقلب على السلطة. أضف لهذا كله أن رئيس الوزراء التركى قام بإرسال مجموعة من عناصره الأمنية إلى القاهرة بزعم أنهم ينتمون إلى منظمات حقوقية جاءت للدفاع عن أعضاء تنظيم الإخوان.. وأكثر من ذلك فقد قام أعضاء هذه المجموعة بتقديم طلب للنائب العام المصرى للكشف عن المكان المتحفظ فيه على الرئيس المعزول.. بدعوى الاطمئنان على سلامته وعدم تعرضه للتعذيب!. غير أن الأخطر من كل ذلك هو واقعة تهريب أسلحة داخل إحدى الحاويات القادمة من تركيا لميناء شرق بورسعيد.. صحيح أن أجهزة الأمن المصرية استطاعت أن تحبط المحاولة وتضبط الأسلحة المهربة لكن ذلك لا يمنع من أن رد الفعل التركى إزاء أحداث 30 يونيو قد تطور بشكل ملحوظ من إطلاق التصريحات إلى ما يشبه إعلان الحرب على الإرادة الشعبية المصرية. وكأن تركيا لا يكفيها ما تفعله فى الخفاء دليلا على أنها تشن الحرب على الثورة المصرية فراحت تفعل فى العلن أيضا.. فقد استضافت أنقرة التنظيم الدولى للإخوان وغرفة عملياته المركزية التى تصدر منها الأوامر لاستهداف الجيش المصرى والشرطة المصرية أيضا.. بالإضافة لتعليمات قطع الطرق وتعطيل المصالح الحكومية. باختصار فعلت تركيا كل ما فى وسعها لتدمير الثورة الشعبية المصرية وتأييد جماعة الإخوان المسلمين التى ثار ضدها الشعب المصرى. ويطرح السؤال نفسه: لماذا تسير تركيا فى هذا الطريق الغريب والعجيب؟!.. لماذا حتى لم تراجع نفسها كما فعلت الدول الأخرى؟!.. لماذا تبدو تركيا "ملكية" أكثر من "الملك"؟!. *** نشرت إحدى الصحف التركية (صحيفة ميلليت) تقريرا تقول فيه إن تركيا خسرت واحدة من الركائز الأساسية المهمة فى منطقة الشرق الأوسط بعد ما أسمته الصحيفة بالانقلاب العسكرى فى مصر. وجاء فى تقرير الصحيفة التركية أيضا أن مصر تعتبر الشريك الاستراتيجى المهم فى المنطقة والبوابة التركية المفتوحة على منطقة الشرق الأوسط بعد انتشار الحرب الأهلية فى سوريا والعراق.. والأمر المؤكد - كما تقول الصحيفة - أن الإطاحة بمرسى يدفع تركيا للعودة مرة أخرى للوراء! وإذا كانت تركيا ترى أن ما حدث فى مصر خسارة "استراتيجية" لها فإننا لا نستطيع أن نتجاهل أن هناك أسبابا أخرى لا تقل أهمية لتفسير الموقف العدائى لتركيا من الثورة المصرية. من هذه الأسباب أن أردوغان له خلفية إسلامية سياسية مثله مثل الدكتور محمد مرسى ومن الطبيعى أن يتعاطف معه.. غير أن الأهم أن الحكومة التركية الحالية عندها عقدة تاريخية من تدخل الجيش فى السياسة.. كما أن الجيش فى تركيا وكما هو معروف لا يزال طامحا وطامعا فى السلطة. ونفهم أكثر تخوف الحكومة التركية من الجيش التركى ومن أن تصيبه عدوى مما حدث فى مصر من رد فعل الحكومة التركية التى بادرت باستصدار قانون يمنع تماما تدخل الجيش فى السياسة.. حدث ذلك فى نفس الأسبوع الذى تم فيه عزل الرئيس محمد مرسى. ثم إننا لا نستطيع أن نتجاهل احتجاجات ميدان "تقسيم" التى امتدت لعدة مدن تركية.. ومن الطبيعى أن تشعر الحكومة التركية بالخوف والقلق من أن تعود هذه الاحتجاجات بتأثير الثورة المصرية الشعبية!. ومهما كانت الأسباب التى دفعت تركيا لاتخاذ هذا الموقف العدائى من مصر وثورتها الشعبية فقد أعلنت مصر غضبها من الموقف التركى كما جاء فى تصريحات الرئاسة المصرية على لسان المستشار الإعلامى لرئيس الجمهورية "المسلمانى" الذى قال إنه يتعين على أنقرة احترام السيادة المصرية وعدم التدخل فى الشأن المصرى، بالإضافة إلى تصريحات الخارجية المصرية التى أعربت عن استياء مصر الشديد من الموقف التركى. ثم هذه الدعوات المتزايدة لمقاطعة المنتجات والبضائع التركية فى مصر! هل يستمر العداء التركى للثورة المصرية؟. وهل يتصاعد الغضب المصرى من الموقف التركى؟. سؤال يطرح نفسه بشدة!. *** ليس أسهل من الهدم.. البناء هو الصعب.. وقد استغرق بناء العلاقات المصرية التركية زمنا طويلا وجهدا كبيرا.. وتقتضى الحكمة ويقتضى العقل أن يبذل الطرفان - تركيا ومصر - كل ما فى وسعهما للحفاظ على العلاقات الجيدة التى تربط البلدين. لكن الصبر له حدود.. كما يقولون!.