لم يخطئ من يتصور أن الثورة المصرية هي ثورة محلية بحتة تدور رحاها بين التيارات الإسلامية والقوي الليبرالية الفاعلة في المجتمع المصري، صحيح أن المشهد الأول يطغي عليه أثر الحراك داخل الشارع المصري، ولكن هناك من يقف بالقرب من حدودنا وينفخ في الركام المتخلف عن هذا الحراك ليحوله الي نيران جديدة تلتهم في طريقها من طموحات وأحلام الشعب المصري الثائر. المارد التركي كان أول من كشر عن أنيابه ضد ثورة المصريين في 30 يونية وعبر عن موقفه بصورة فجة ومستفزة كشفت للمصريين حجم الخديعة الكبري للنموذج التركي الذي حاول الإخوان ترويجه وتصديره لنا طيلة الشهور الماضية. ويبدو أن المشهد الثاني من الثورة المصرية سيشهد صداما سياسيا حادا بين القاهرة واسطنبول بعد أن احتضنت الأخيرة اجتماع التنظيم الدولي للإخوان بهدف إعداد العدة للتدخل الصريح في مصر بصورة تعيد للأذهان الاستعمار العثمانى للمنطقة. «الانقلابات العسكرية تدبر الآن فى الميادين ومواقع التواصل الاجتماعى مثلما حدث فى مصر، فى الماضى كانت الانقلابات العسكرية تحدث عندما يخرج الجيش إلى الشوارع ويعلن الأحكام العرفية ويحتل مبانى الإذاعة والتليفزيون، والآن يتم إرساء الأسس من خلال المظاهرات غير القانونية وفى الميادين وعبر مواقع التواصل الاجتماعى وتأتى القوات المسلحة بعد ذلك مباشرة» ..ذلك أحد التصريحات العنيفة التي استخدمها رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي لمهاجمة الثورة المصرية التي اندلعت ضد حكم حلفائه من الإخوان، وهو الأمر الذي فسرته صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية بالإشارة إلى أن الإطاحة بمرسي زلزلت شركاء الإخوان في تركيا، مؤكدة أن الحزب الحاكم في تركيا كان يستثمر بقوة في مصر منذ وصول مرسي للحكم، مشيرة إلى أن أنقرة قدمت الدعم السياسي والقروض وصفقات تجارية بقيمة 2 مليار دولار لأول حكومة مصرية منتخبة، حيث رأت فيها روح الأيديولوجية المشابهة ودليلا على شعبية الإسلام السياسي. ولم ترسل تركيا رسالة تهنئة إلى الرئيس الجديد عدلي منصور بعكس الكثير من الدول الأخري خاصة العربية، بل إن تركيا وصفت علاقتها بمصر بأنها تسير ببطء وذلك بعد التغييرات التى حدثت فى القاهرة الآونة الأخيرة وكان من نتائجها عزل الرئيس محمد مرسى، إلا أنها نفت أن تكون تفكر فى قطع العلاقات. وأضافت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» أن أردوغان انتقد بشدة عزل مرسي كما لو أنه كان يستهدف حزب العدالة والتنمية، مؤكدة أن حصول أردوغان على أغلبية أصوات الناخبين في صناديق الاقتراع، جعلته يعتبر الأمر رخصة له تتيح له تجاهل الأحزاب والجماعات الصغيرة، مما دفع عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى النزول إلى الشوارع منذ نهاية مايو. ويبدو أن حالة الذعر امتدت إلى قيادات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، خوفا من اندلاع ثورة شعبية يدعمها الجيش ضد حكومة أردوغان، وهو الأمر الذي عبر عنه أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركي بالقول «إذا وافقنا على حدوث أي تصرف خاطئ في مصر فإننا سنجد أنفسنا أمام تأثير الدومينو السلبي، الذي سيؤدي إلى انتقال تلك الأحداث إلى دول عدة في المنطقة». كما أجرى البرلمان التركي تعديلا في اللائحة الداخلية للجيش تمنعه من تنفيذ أي انقلابات عسكرية ضد الحكومة. تقدم حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي ينتمي إليه أردوغان بتعديل يعيد صياغة المادة 35 في قانون عمل الجيش الذي صدر بعد انقلاب عام 1960 وهي تنص على انه من واجب الجيش صيانة الجمهورية التركية وحمايتها. وقام الجيش التركي بتدبير انقلابين عام 1971 وعام 1980 مستندين الى هذه المادة بذريعة عدم قدرة السلطات المدنية على الدفاع عن المبادئ الدستورية. وتحد الصيغة الجديدة التي جرى التصويت عليها من مجال تدخل القوات المسلحة محددة دورها بالدفاع عن المواطنين الاتراك ضد التهديدات والمخاطر القادمة من الخارج والردع الفاعل والمشاركة في العمليات الخارجية التي يقرها البرلمان. ولا يتبقى سوى ان يصدق الرئيس التركي على التعديل ليدخل حيز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية. وتعرض المئات من العسكريين العاملين او المتقاعدين منذ عام 2007 للاعتقال وخضعوا للمحاكمة أو أدينوا بالتآمر على النظام والجيش التركي، الذي نصب نفسه حاميا للمبادئ الجمهورية.