15 صورة.. البابا تواضروس يدشن كنيسة الشهيد مارمينا بفلمنج شرق الإسكندرية    قيادي بمستقبل وطن: تحركات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة ومشبوهة    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    استقالات جماعية للأطباء ووفيات وهجرة الكفاءات..المنظومة الصحية تنهار فى زمن العصابة    وزير الإسكان ومحافظ مطروح يتفقدان محطة تحلية مياه البحر "الرميلة 4" -تفاصيل    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    الحرس الثوري الإيراني يهدد إسرائيل برد أشد قسوة حال تكرار اعتدائها    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    تعديل جديد.. كاف يخطر بيراميدز بموعد مباراتي الجيش الرواندي    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    أول تعليق لمحافظ الإسكندرية على واقعة الغرق الجماعي بشاطئ أبو تلات    السجن المشدد 6 سنوات لحداد لاتجاره فى المخدرات وحيازة سلاح بشبرا الخيمة    إيرادات الجمعة.. "درويش" يحافظ على المركز الأول و"الشاطر" الثاني    "الصحة" تقدم 314 ألف خدمة عبر 143 قافلة في يوليو 2025    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    الغربية: حملات نظافة مستمرة ليلا ونهارا في 12 مركزا ومدينة لضمان بيئة نظيفة وحضارية    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    ماذا ينتظر كهربا حال إتمام انتقاله لصفوف القادسية الكويتي؟    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    "عربية النواب": المجاعة في غزة جريمة إبادة متعمدة تستدعي تحركًا عاجلًا    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يوما    فحص وصرف العلاج ل247 مواطنا ضمن قافلة بقرية البرث في شمال سيناء    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    محافظ أسوان يتابع معدلات الإنجاز بمشروع محطة النصراب بإدفو    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    ورش تدريبية للميسرات العاملات بمركزي استقبال أطفال العاملين ب«التضامن» و«العدل»    طلقات تحذيرية على الحدود بين الكوريتين ترفع حدة التوتر    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رضوان السيد: الدولة الإسلامية الحديثة في مؤتمر عمان
نشر في أخبار مصر يوم 30 - 08 - 2013

عقدت مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي بالأردن مؤتمرها لهذا العام حول "مشروع دولة إسلامية حديثة قابلة للاستمرار ومستدامة". وقد حضره مائة عالم من 33 دولة عربية وإسلامية، إضافة لعلماء مسلمين من ديار غير إسلامية، وألقي فيه زهاء الأربعين بحثا ودراسة، حاول فيها المنتدون تحديد معالم الدولة الإسلامية الحديثة القابلة للاستمرار. وفضلا عن العنوان الذي يليق بمؤتمر للتنمية المستدامة، وليس بالدولة (الإسلامية) المستدامة، هناك التلخيص لبحوث المؤتمر الذي وضعته سكرتارية المؤتمر ووزعته على الأعضاء المشاركين، والذي يحمل العناوين التالية: الدولة في الإسلام "مدنية" (التي يحكم فيها المؤتمنون من أهل الاختصاص) - ورفض الادعاء باحتكار الدين - ورفض الفتنة المذهبية والطائفية - ودور المؤسسات الدينية في تحقيق الوئام - ورفض التكفير – ونبذ العنف - ودور منظمات المجتمع الأهلي ومساعدة اللاجئين. والواقع أن هذه الموضوعات جميعا ذات معنى اجتماعي وثقافي جيد وودود ولائق. إنما لا علاقة لها بموضوع المؤتمر باستثناء العنوان المقرر أن الدولة في الإسلام مدنية، بيد أن الاشتراطات التي أحاطت به أضاعت معناه تماما. فهناك القول إن المؤتمنين على الحكم فيها هم أهل الاختصاص كل في مجاله بالاعتماد على الدستور واحترام القانون والمساواة بين المواطنين من كل الأطياف العرقية والدينية، بما لا ينافي المبادئ العامة للدين الإسلامي! ثم إن الأمة هي مصدر السلطات إنما "بإذن الله"، و"لا يحدها إلا المصلحة الشرعية المعتبرة ومبادئ الشريعة"! كما أن "وجود دولة إسلامية حديثة لا يكون إلا بالهدي الرباني..."..
ما قصدت بالطبع من إيراد هذه الاقتباسات النقض أو الاستخفاف أو التقليل من شأن ما قاله الباحثون، وما لخصه الملخصون. ولو أردت ذلك لأوردت عشرات الاقتباسات التي تقرر في مطالع الفقرات أمورا عامة وصحيحة، ثم تختمها بالحديث عن حدود الشريعة ومقاصدها أو مبادئها أو بما لا يخالف الشريعة أو أحكامها. فالواضح أن المؤتمرين يحدوهم هَمّ رئيس له مبعثان: الخوف على الدين، والخوف من تيارات الإسلام السياسي التي تصاعد نفوذها في القلبة الثانية بعد الثورات العربية أو حركات التغيير العربية. وهذان الخوفان أضاعا على المؤتمر الذي حضر فيه مائة عالم فرصة "الاجتهاد" الذي طالب به البيان الختامي في عدة مواضع.
إن الخوف أو التخوف الثاني (تيارات الإسلام السياسي) له مسوغاته الكبرى والبارزة. لكنني لا أرى أن التخوف الأول له ما يبرره، فالإسلام بخير، ومجتمعاتنا تحتضنه بشدة، وهو ليس موضع خلاف. لكن تيارات الإسلام السياسي نجحت في العقود الأربعة أو الخمسة الأخيرة في خلط المفاهيم ومضغها بحيث تبدى لكثيرين من المثقفين وليس من العامة فقط أن الدين في خطر، وأن هذا الخطر لن يتضاءل أو يزول إلا بوصولها إلى السلطة، وإقبالها على "تطبيق الشريعة". وليست الشريعة إلا الدين ذاته، وهي مطبقة وسائدة في المجتمع. وافتراض أنها تحتاج إلى تطبيق الآن يعني أنها غائبة أو ناقصة، وأن الإسلاميين الحزبيين هؤلاء هم الذين سيعيدون الشرعية والمشروعية إلى المجتمع والدولة بإعادة الدين إليهما!
إن المشكلة التي تعاني منها مجتمعاتنا تتركز في إدارة الشأن العام، وليس في أن ديننا متضائل أو ناقص. إن مشكلتنا مع القذافي والأسد وفلان وعلان ليست دينية، بل هي مشكلة سياسية هائلة، وما طلبته حركات التغيير في دول الجمهوريات الوراثية الخالدة يتعلق بحقها في الحرية وإدارة شأنها العام. وهذا هو المعنى العميق والظاهر للدولة المدنية. فما دامت الأمة مصدر السلطات في المجال الإسلامي وغير الإسلامي فهذا يعني أنها تريد اليوم قبل الغد استرداد إدارتها لشأنها العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وإذا كان الأمر كذلك فكيف ستخالف أو يتوقع أن تخالف مبادئ الشريعة أو أصول الدين؟! الدين عقائد وعبادات وأخلاقيات. وهذه جميعا تؤثر وستؤثر في الأفراد والجماعات وبالتالي في إدارة الشأن العام. أما الشأن العام ذاته فهو حق الأمة وحق المجتمعات السياسية، ولإدارته قواعد وآليات معروفة. وهذا الأمر ليس من عندياتي، ولا خشية من التراث السياسي الإسلامي ولا من كتب الأحكام السلطانية (= الدولتية أو السياسية). فهذه الكتب والمواريث بالذات تقول إن الإمامة (= الشأن السياسي) ليست أمرا تعبديا، بل هي أمر مصلحي وتدبيري، وله قواعد ومواضعات نشأت بمقتضى تلك المصالح، وارتأتها الأمة وإجماعاتها، وتطورت عبر العصور والظروف والأحوال، لأنها ليست من ثوابت الدين ومبادئ الشريعة التي لا يطرأ عليها التبديل والتطوير. هكذا كان الأمر مع مؤسسة الخلافة ونظامها التي اعتبرها الماوردي "موضوعة" أي أنها مصطلح عليها، وليست "مشروعة" أي أنها ذات أصل ديني.
إن حركات الإسلام السياسي التي تريد إقامة "دولة إسلامية" تطبق الشريعة، تظلم الدين أكثر مما تظلم الدولة. لكن هذه المقولة تظل إنشائية إذا صح التعبير إذا لم نلاحظ أنها نجحت في تحويل المفاهيم ومزجها وتحويرها بالقول أولا إن "الإسلام دين ودولة ومصحف وسيف" بحسب حسن البنا ووصولا إلى القول بالحاكمية وتطبيق الشريعة. وبذلك سلبت من المجتمع مشروعيته ومن الدولة التي اختار الناس نظامها حقها في إدارة الشأن العام بحسب ما يريد أصحاب الحق. وهكذا حلت "الشريعة" المتحولة إلى ما يشبه "القانون" محل الأمة باعتبارها مصدر سائر السلطات، وما وضعت ذلك في الحقيقة في خدمة الدين، بل في خدمة "التنظيم" الذي تركزت فيه الشرعية والمشروعية أو الدين والدولة معا.
وكما سبق القول فإن ذلك حصل خلال عدة عقود وقعت فيها الأمة من جهة في قبضة الاستعمار ثم في ارتهانات الحرب الباردة. ومن جهة أخرى فإن "الدولة الوطنية" التي ظهرت بين الحربين، على أثر سقوط الدولة العثمانية، وبعد بدايات واعدة، ما لبثت في دول الجمهوريات أن تحولت إلى ديكتاتورية خانقة. وبذلك فإن حركات الإحياء الديني التي ظهرت في حقبة الصراع مع الاستعمارين العسكري والثقافي ما لبثت عندما اصطدمت بالدولة الوطنية أن انصرفت إلى محاولات بناء "البديل الإسلامي" أو الخيار الثالث بين الرأسمالية والماركسية. وقد جرى "الحفر" إذا صح التعبير باتجاه "فقد المشروعية" في الدولة الوطنية أولا باعتبارها مشروعا متغربا، ثم في المجتمع باعتباره غافلا أو جاهلا أو صار غريبا على مقتضيات الدين والشريعة. وظهرت فكرتا الحاكمية والنظام الكامل، باعتبارهما الحل الإسلامي المنشود. وعندما كان أهل البديل أو الحل الإسلامي يكتبون عن ضروراته، ويبنون التنظيم أو التنظيمات التي ستتحول إلى أنظمة حاكمة على أنقاض الديكتاتوريات الفاسدة أو الكافرة، انفجرت "الجهاديات" من جديد في أوساط بعض الشبان المتدينين من الإخوان والمتسلفين، فأرعبت العرب والمسلمين ثم أرعبت العالم. وما أدى العنف المندلع إلى إعادة النظر من جانب أهل التنظيمات الراسخة، في ظل انتصار الدولة الدينية في إيران، بل كل ما حصل الانصراف من جانب المفكرين الإسلاميين إلى اجتراح برنامج شاسع لأسلمة العلوم والثقافة والمجتمع. نعم، "أسلمة المجتمع" بطرائق شعائرية في الحياتين الخاصة والعامة، مع التخفيف من هول العنف المتصاعد بالعمل على "ترشيد الصحوة". وبقية القصة معروفة، فبعد الثمانينات من القرن الماضي ما عاد هناك غير طرفين: الديكتاتوريات الحاكمة، ودعاة الإسلام السياسي، أي دعاة الدولة الدينية أو الإسلامية، سواء أكانوا تنظيميين أو جهاديين!
لقد كثرت بعد الثورات العربية المؤتمرات بشأن الدولة المدنية، وقد حضرت اثنين منها حتى الآن. والذي أراه أن النهجين اللذين يسودان في النقاش كلاهما لا يشفي الغليل: نهج تبريد العلمنة وتحبيب الناس بها، ونهج الخلط والتحيل للتوفيق بين الدولة الإسلامية والدولة الديمقراطية. إن مجتمعاتنا تريد الإصلاح في إدارة الشأن العام، واستعادة موقعها الاستراتيجي في المنطقة والعالم. والحتمية الإسلامية مضرة في هذا الصدد كما أضرت الحتميات القومية والاشتراكية. فالحتمية باسم الدين تضر بديننا ومجتمعاتنا أكثر مما تضر بدولنا لأنها تضع الدين في موضع النزاع، وهذا ظاهر في إعراض الناس بإيران منذ سنوات عن نهج الملالي، وإعراض غالبية المصريين الآن عن الإخوان.
لقد قصر مثقفونا كثيرا وكثيرا جدا في اجتراح وعي جديد بضرورات حماية الدين والمجتمع من أوهام الإسلام السياسي. فلنخرج منها ليتوقف الخوف على الدين والدولة!
نقلا عن جريدة الشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.