عند الحديث عن نظام الحكم فى الإسلام، يعتقد الكثيرون أن الدولة فى الإسلام دينية، يحكمها ويديرها أصحاب اللحى وفقهاء الدين، الذين سينحصر دورهم فى إقامة الحدود و«تقطيع الايادى» فقط، فهل الدولة فى الإسلام دينية أم مدنية؟ العلامة الدكتور يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين يقول إن هناك مزاعم حول طبيعة الدولة فى الإسلام، فقالوا إنها دولة دينية، أى كهنوتية، تتحكم فى أهل الأرض باسم السماء، وتتحكم فى دنيا الناس باسم الله، ويدعون أن حاكمية الله توجب أن تكون هذه الدولة دينية كدولة الكنيسة الأوروبية فى العصور الوسطى. وفكرة الحاكمية أساء فهمها الكثيرون، فكثيرا مما كتبوا عن الحاكمية ردوا أصل هذه الفكرة إلى الخوارج (الذين اعترضوا على الإمام على بن أبى طالب (رضى الله عنه) فى قبوله فكرة التحكيم من أساسها، وقالوا كلمتهم الشهيرة«لا حكم إلا لله»، ورد عليهم الإمام بكلمته التاريخية البليغة الحكيمة حين قال: كلمة حق يُراد بها باطل). لكن الحاكمية بالمعنى التشريعى، تعنى أن الله سبحانه هو المشرّع لخلقه، وهو الذى يأمرهم وينهاهم، ويحل لهم ويحرم عليهم، فهذا ليس من ابتكار أحد، بل هو أمر مقرر عند المسلمين جميعا، ولهذا لم يعترض على (رضى الله عنه) على المبدأ، وإنما اعترض على الباعث والهدف المقصود من وراء الكلمة، وهذا معنى قوله: «كلمة حق يراد بها باطل». ويضيف القرضاوى أن الحاكمية، لا تعنى أن الله تعالى هو الذى يولى العلماء والأمراء، يحكمون باسمه، بل المقصود بها الحاكمية التشريعية فحسب، أما سند السلطة السياسية فمرجعه إلى الأمة، هى التى تختار حكامها، وهى التى تحاسبهم، وتراقبهم، بل تعزلهم،والتفريق بين الأمرين مهم والخلط بينهما مضلل. ويقول إن الدولة الإسلامية دولة مدنية، ككل الدول المدنية، لا يميزها عن غيرها إلا أن مرجعيتها الشريعة الإسلامية، ومعنى مدنية الدولة أنها تقوم على أساس اختيار القوى الأمين، المؤهل للقيادة، الجامع لشروطها، يختاره بكل حرية أهل الحل والعقد، كما تقوم على البيعة العامة من الأمة، وعلى وجوب الشورى بعد ذلك، ونزول الأمير أو الإمام على رأى الأمة، أو مجلس الشورى. كما تقوم الدولة على مسئولية الحاكم أمام الأمة، وحق كل فرد فى الرعية أن ينصح له، ويشير عليه، ويأمره بالمعروف، وينهاه عن المنكر، بل يعتبر الإسلام ذلك فرض كفاية على الأمة، وقد يصبح فرض عين على المسلم، إذا قدر عليه، وعجز غيره عنه، أو تقاعس عن أدائه. ومن ثم بحسب القرضاوى يستطيع المسلمون أن يشرّعوا لأنفسهم بإذن من دينهم فى مناطق واسعة من حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، غير مقيدين إلا بمقاصد الشريعة الكلية، وقواعدها العامة، وكلها تراعى جلب المصالح، ودرء المفاسد، ورعاية حاجات الناس أفرادا وجماعات.