فتح قرار إعادة تشكيل المجلس القومى لحقوق الانسان باب الجدل مرة أخرى حول مدى استقلاليته، فى الوقت الذى يتبع فيه " مجلس الشورى" حيث يقوم بتعيين أعضائه، طبقا لقانون إنشائه سنة 2003. فعلى مدار عامين ونصف العام يعاد تشكيل المجلس القومى لحقوق الانسان للمرة الثالثة ، وذلك بخلاف دورتين للمجلس قبل ثورة 25 يناير، حيث أعلن مجلس الوزراء أسماء أعضاء المجلس الجديد،فاصبح الوزير السابق محمد فايق رئيسا وعبد الغفار شكر رئيس حزب التحالف الشعبى نائبا له. وقد عانى المجلس فى تشكيلاته السابقة خلال نظام مبارك وبعده حكم جماعة الإخوان من التبعية "مجبرا" للنظام السياسى الذى يحكم البلاد، وذلك بالمخالفة لمبادئ باريس التى تشترط استقلاليته وتضع معايير لذلك، وكذا قانون إنشاء المجلس فى مصر عام 2003 الذى أقره مجلس الشعب آنذآك، والذى حدد أيضا معايير لاختيار الاعضاء حتى تكون ضمانة لتحقيق تلك الاستقلالية. خطوة على الطريق : ورداً على التسا ؤل عن مدى تحقيق التشكيل الجديد لاستقلالية المجلس ، قال د. محمد زارع، الباحث فى مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان، لموقع أخبار مصر إن التشكيل الجديد للمجلس، الذى يتكون من 25 عضوا بخلاف الرئيس ونائبه، كان يفترض أن يضم عددا أكثر من الحقوقيين، وأن يضم أيضا جميع المدارس الحقوقية، مثل المعنيين بشئون المرأة والمعاقين والطفل والبيئة. وأوضح أن التشكيل الجديد اشتمل على أساتذة قانون وصحفيين مثل الخبير الاعلامى ياسر عبد العزيز ونشطاء مثل شاهندة مقلد ، ولم يقص أحدا من المعتدلين حيث جاء فيه كمال الهلباوى، القيادى المستقيل من جماعة الاخوان المسلمين، و ناجح ابراهيم القيادى السابق بالجماعة الاسلامية. وأضاف زارع أنه كان يجب على القائمين على اختيار تشكيل المجلس أن يبتعدوا عن فكرة " المحاصصة السياسية" عند اختيار الاعضاء، بمعنى عدم وضع تمثيل كل التيارات السياسية بالمجلس كمعيار أول للاختيار. وتوقع ان يكون للتشكيل الجديد مهام كبيرة أولها إعادة هيكلة المجلس والعمل على وضع تعديل تشريعى لتوسيع اختصاصات المجلس بحيث لا يقتصر دوره فقط على تلقى الشكاوى من المواطنين ولكن يمتد لوضع حد لانتهاكات حقوق الانسان خلال هذه الظروف الصعبة . مجلس للدفاع عن سياسات الحكومة : ومن جانبه، وصف حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الانسان، مجلس 2012 ذي الاغلبية الإخوانية والاسلامية بمجلس للدفاع عن سياسات الحكومة، مدللا على ذلك بأعضاء مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، ومنهم محمود غزلان،ومحمد البلتاجى فضلا عن أخرين جاءوا لترضية حلفاء جماعة الإخوان من التيار الإسلامى الذين كانوا أعضاء فى تشكيل المجلس القومى حقوق الانسان حسب قوله .. وأضاف أبو سعدة ، فى تصريحاته لموقع أخبار مصر قبل اختياره عضوا للمرة الثالثة فى المجلس، أن مواقف المجلس جاءت متطابقة لمواقف الحكومة، وليست نقدا لسياستها تجاه حقوق الانسان، ضاربا المثل بمظاهرات "كشف الحساب" التى وقع فيها اعتداءات على منصة التحرير من قبل الاخوان ، ومواقفهم من الاتحادية وما حدث فيها من اعتداءات على المتظاهرين وحالات تعذيب،فى الوقت الذى حرصوا فيه على زيارة المسجونين السياسيين الاسلاميين المحبوسين منهم فى قضايا ارهابية. للتشكيل ..معايير دولية : ونبه هنا أبو سعدة الى أن تشكيل المجلس له معايير دولية تفرض - طبقا لمبادئ باريس - تشكيل المجلس من شخصيات مستقلة ومحامين ونشطاء، أى يكون محايدا ومستقلا، فضلا عن كونه مجلسا استشاريا وليس هجوميا، ودوره تقديم اقتراحات، وتعديلات على القوانين لتتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الانسان، معتبرا أن تشكيل المجلس فى عامه الأول كان الأكثر حيادية واستقلالية لحرص الحكومة وقتها على ذلك. واقترح رئيس المنظمة المصرية لحقوق الانسان وضع مادة فى قانون تشكيل المجلس بكيفية اختيار أعضائه، ومن الممكن ان تقتصر على 5 فئات وهى الصحفيين والمحامين والحقوقيين والقضاة وأساتذة الجامعات، لضمان استقلاليته . التبعية ..خطأ شائع : أما سعيد عبد الحافظ، رئيس ملتقى الحوار، يرى أن قانون المجلس واضح فى معايير اختيار الاعضاء و الاستقلال، لكنه اعتبر أن تشكيل المجلس وفقا للنظام الذى يحكم يعتبر خطأ شائعا قامت به الحكومات المتعاقبة، قائلا " منذ 2003 -وقت انشاء المجلس- عين أعضاء المجلس من الدوائر القريبة من نظام الحكم، فعلها نظام مبارك ثم المجلس العسكرى ثم الاخوان، الأمر الذى يتناقض مع واحد من أهم المعايير الاساسية لمبادئ باريس التى وضعت شروطا ومعايير محددة لطريقة تشكيل المجلس من قبل الحكومة". وأضاف أنه من أهم معايير التشكيل أن يكون تمثيل الاعضاء انعكاسا للتعددية الاجتماعية داخل مؤسسات المجتمع المدنى، ويمكن الاستعانة بشخصيات دينية أو روحية للدول التى بها تعددية دينية ، والاهم فى المعايير ان يكون التشكيل مستقلا دائما عن السلطة التنفيذية. واعتبر عبد الحافظ أن تشكيل المجلس أثناء نظام مبارك كان أكثر ملائمة عن المجلس فى عهد الاخوان" لاستعانة الجماعة بشخصيات تتخذ موقفا من المرأة والأقباط والطفل." تغيير فانون المجلس : وقد دعت 18 منظمة حقوقية ، منها المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان، الجمعية المصرية لنشر وتنمية الوعي القانوني ، المجموعة المصرية المدنية للتنمية ، فى بيان مشترك لها الى تغيير القانون المنظم لعمل المجلس موضحة أنه تم تعيين أشخاص داخله فى التشكيل السابق تحديدا لا يؤمنون بمرجعية المعايير الدولية لحقوق الإنسان وبأهمية دور المجلس في مراقبة الأداء الحكومي فيما يتعلق بسيادة القانون والالتزام بالاتفاقيات الدولية. وطالبت المنظمات بأن يكون للمجلس ولاية واسعة قدر الأمكان، ومنصوص عليها صراحة في أحد النصوص الدستورية أو التشريعية التي تحدد تشكيله ونطاق اختصاصه ، على ان ينص على دور أكثر فعالية لهذا المجلس في باب واضح ضمن تعديلات الدستور الجارية الآن لاعادة هيبة القانون بما يتضمنه من حماية لحقوق الانسان وتحقيق العدالة الانتقالية .