الأموال القذرة.. مشكلة سويسرية

'سويسرا تغسل اكثر بياضا' هذه هي السمعة التي تحاول سويسرا التخلص منها منذ عقود للقضاء علي صورتها كدولة تمثل ملاذا للاموال القذرة ومعبرا مهما لجرائم غسيل الاموال.. وتساهلها مع الكثير من الهاربين باموال اوطانهم او لوردات الحروب والسلاح والرقيق الذين تفتح سويسرا لهم ابوابها وتفرش في طريقهم السجاجيد الحمراء.. فقد ارتبط اسم سويسرا دائما بسرية الحسابات المصرفية التي تدافع عنها الحكومة الفيدرالية باستماتة.. لكن كل هذا علي وشك ان ينتهي عما قريب بعد موافقة البرلمان السويسري علي انشاء كيان جديد يجمع بين انشطة ثلاث هيئات رقابية في سويسرا لمكافحة الجرائم المالية وهي هيئة البنوك الفيدرالية والمكتب الفيدرالي للتأمين الخاص ووحدة مكافحة غسيل الاموال.. علي ان يبدأ هذا الكيان الذي سوف يحمل اسم 'فينما' ويشكل سلطة فيدرالية تشرف علي الاسواق المالية في سويسرا عمله في عام 2009.
وقد نشأت الحاجة الي كيان مثل 'فينما' بسبب التزايد المستمر في الجرائم الاقتصادية مع اثارها السلبية علي الاقتصاد وعلي المجتمعات وتنوع اساليب ارتكاب هذه الجرائم وامتدادها الدولي وشمولها لمعظم الخدمات التي تقدمها المؤسسات المالية مما يتطلب تطوير ادوات كشف اساليبها ومحاربتها وتدعيم التعاون بين جهات تنفيذ القانون والمؤسسات المالية وقبل ذلك كله سن القوانين والانظمة التي تكون هي الغطاء القانوني لمكافحتها وهذه اهم الخطوات.. ورغم ذلك فقد جاء تشكيل 'فينما' بعد معركة سياسية حامية تبادلت فيها الاطراف المختلفة الادلاء برأيها من اجل ان يخرج في افضل صورة.. كما لم يخل الامر من بعض الانتقادات للمجلس الذي لم يبدأ عمله بعد وسط مخاوف من ان هذا الكيان لا يتمتع بالاستقلال التام عن الحكومة وهو الامر الضروري لممارسة مهامه علي اكمل وجه.. ويتركز عمل هذا الكيان الجديد علي التحقيق في جرائم غسيل الاموال والفساد بهدف مساعدة سويسرا علي التخلص من صورتها كدولة تتعامل بنعومة مع الجرائم المالية.
وبدأت سويسرا منذ فترة في العمل علي 'تطهير' مراكزها المالية عبر عدد من القوانين والتشريعات والجهات الرقابية.. مما استدعي اشادة العديد من الاوساط المالية الدولية بهذه الخطوات.. لهذا استدعي التحرك السويسري الجديد نحو مزيد من الرقابة علي الاسواق المالية الاشادة من صندوق النقد الدولي.. لكنه انتقد في نفس الوقت تمتع وزير المالية السويسري بسلطات كاملة لفرض العقوبات المالية.. وهو ما قد يثير المخاوف حول استقلال 'فينما'.. وهي الانتقادات التي رفضها 'تراوتفايلر' المتحدث باسم وزارة المالية مؤكدا ان السلطات التي يتمتع بها 'فينما' في اصدار قرارات الحظر والمصادرة وتوجيه الاتهامات تجعله كيانا ذا انياب وقادرا علي العمل بكفاءة.
والي جانب انشاء 'فينما' اقر البرلمان السويسري ايضا اجراءات جديدة تهدف لتشديد القوانين المتعلقة بالاستحواذ علي الشركات.. خاصة بعد تزايد شراء شركات اجنبية لشركات سويسرية.. وسوف تدخل هذه الاجراءات الجديدة حيز التنفيذ في يوليو الجاري حيث سوف تجبر الراغبين في الشراء علي الاعلان بمجرد حصولهم علي 3 % من الاسهم المستهدفة وليس 5 % فقط كما كان من قبل.
يذكر ان منظمة الشفافية الدولية قد أوصت في العام الماضي بان تقوم سويسرا بتشديد اجراءاتها لمكافحة جرائم غسيل الاموال ومزيد من الشفافية في الاوساط المالية السويسرية.. ويبلغ حجم عمليات غسيل الاموال في العالم حوالي 6،1 تريليون دولار سنويا اي ما يعادل 10 % من اجمالي الناتج العالمي.. كما ان عمليات غسيل الاموال تقوم علي تحويل المال غير المشروع الي مال مشروع عبر عدة وسائل في تبييض هذه الاموال من خلال الصفقات التجارية والاستثمارات المتنوعة والتأمين.. بالاضافة الي ابرز الوسائل وهي التحويل بالاجهزة الالكترونية وشبكة الانترنت.. والهدف من هذا السلوك هو نقل هذه الاموال من الاماكن المشبوهة الي الخارج وتحويلها الي مال شرعي .