الجدل حول إلغاء المآذن فى سويسرا مازال مستمراً، بل وترجح مؤشرات استطلاع الرأى الأخيرة وتعليقات المراقبين إلى احتمال فشل المبادرة «الشعبية» الداعية لحظر بناء المآذن رغم نجاحها من الناحية المبدئية والشكلية، إذ تتزايد التوقعات يوما بعد يوم باصطدام تلك المبادرة بصخرة البرلمان، الذى قد يصوت غالبية أعضائه ببطلانها، نظرا لمخالفتها الدستور وتعارضها مع المواثيق الدولية التى وقعت عليها سويسرا. أما على المستوى الشعبى، فبعد أكثر من 7 أشهر من طرح موقع «سويس إنفو» القضية المثيرة للجدل للنقاش بين القراء، متسائلا عما إذا كانت الدعوة، التى بدأها ممثلون عن التيار اليمينى الوطنى المحافظ فى 1 مايو 2007، تمثل مشكلة حقيقية فى المجتمع السويسرى أم أنها لا تعدو كونها «زوبعة فى فنجان». مازالت الآراء المؤيدة والمعارضة تتبارى إلكترونيا حتى اللحظة، وكان أحدثها لعلى آدم الذى علق بقوله: «مهما حاربو الإسلام فلن يفلحوا.. وستنتشر المساجد بإذن الله»، وهو أحد التعليقات الكثيرة التى اعتبرت المبادرة «عنصرية»، مثل مالك الذى قال: «ظننت أن سويسرا بلد متسامح ويقبل التعدد الثقافى.. كنت أخطط لجعل سويسرا وجهتى لإكمال دراستى الجامعية ولكن مع مثل هذه المبادرات.. أظن أن علىّ أن أبحث عن بلد أكثر ترحيبا». وبينما اعتبر سمير إبراهيم أنه لأمر «محزن أن يهرب المسلم من جحيم بلاده التى تهمشه.. إلى بلاد تحاول النيل من عقيدته»، أعرب محمد سعيد الملاح عن فخره لأن بلده حلب «مليئة بالكنائس، ويصدح فيها صوت النواقيس بكل حرية»، متمنيا أن تتبنى سويسرا ذات «النظرة المنفتحة والمتسامحة». أما غير المتوقع، فهو أن «طونى» لم يكن الوحيد الذى استنكر بالإنجليزية انزعاج المسلمين من حظر بناء المآذن، بينما تحظر السعودية بناء الكنائس على أراضيها، فقد شاركته الرأى أمل، التى قالت: «هذى بلدهم وهم أحرار فيها، ما فى كنائس تبنى فى السعودية ولا صوامع، ليش نحنا نطالبهم ببناء مآذن؟». وقال عماد النجار: «لو كانت بلدى لما قبلت أن يأتى شخص آخر.. ويحضر معه عاداته وتقاليده وديانته»، وأضاف متسائلا «من منا يقبل على بلده ذلك؟.. يجب أن نخجل من أنفسنا ونحن نحاول احتلال أوروبا فكرياً وأيديولوجياً!.. ألا يكفى أنها فتحت ذراعيها لنا فى الوقت الذى لم نشعر فيه بالراحة فى بلداننا.. الضيف يجب ألا يكون وقحاً!». ولم يكن عماد هو العربى المسلم الوحيد الذى ذهب إلى هذا الحد، فقد اعتبر نصرالدين المقيم فى سويسرا منذ 14 عاما أن العرب لاجئون منحتهم سويسرا «حق العيش من المأكل والملبس والسكن والدراسة.. وكل ذلك من أموال تخرج من جيب دافعى الضرائب السويسريين»، وأضاف «إذا كنت مسلما وتحب أن تصلى فاعمل هذا فى بيتك.. وإذا لا يعجبك العيش فى سويسرا فاذهب إلى حيث توجد مئات الجوامع والمآذن، لكن خالية من حق الكلام.. خالية حتى من ماء الصالح للشرب». وتدعو المبادرة لإجراء استفتاء وطنى لتغيير أحد بنود الدستور بما يمكن من حظر بناء المآذن، وهو حق نادر تنفرد به سويسرا، يتمثل فى إمكانية تعديل الدستور أو نقض قرارات الحكومة أو إلغاء القوانين التى يصادق عليها البرلمان، إذا ما نجح أصحاب المطلب فى إطلاق مبادرة تحصل على موافقة 100 ألف ناخب على الأقل، قبل إجازتها من الناخبين فى الكانتونات ال 26 التى تتشكل منها سويسرا فى استفتاء وطنى عام. غير أن تحصيل 100 ألف توقيع لا يعد مؤشرا حقيقيا على نجاح المبادرة، فمنذ عام 1891 حين فتح الباب أمام إجراء تعديلات جزئية على الدستور الفيدرالى عن طريق المبادرات الشعبية، لم ينجح سوى 15 نصا تم اعتمادها من أصل 163 طرحت للتصويت الشعبى، وهو ما يعنى أن نسبة الفشل تصل إلى حوالى 90٪. واللافت أن أول مبادرة شعبية لعام 1893 تم إقرارها كانت تتعلق أيضا بالدين، وكانت تطالب ب «حظر طريقة الذبح الدينية» التى يتبعها اليهود، وهو ما اعتبر آنذاك «معاداة للسامية». أما هذه المبادرة الجديدة لحظر المآذن فقد حصلت بالفعل على 114895 توقيعا، أى أكثر من 100 ألف، وأُودعت فى 8 يوليو 2008 لدى المستشارية الفيدرالية فى بيرن، واعتبر محللون أن موافقة الحكومة على إجراء الاستفتاء، وهى التى أعلنت بوضوح معارضتها للمبادرة «غير المسؤولة»، إلقاء منها بالكرة فى ملعب البرلمان، الذى يمتلك حق رفض إجرائه، خاصة أن أصوات اليمين المحافظ فيه لا تتعدى 30 %. وبالرغم من أن مروجى المبادرة يؤكدون أن حظر المآذن - التى لا ترفع الآذان فى سويسرا - لا يمس العقيدة الإسلامية ولا يحد من ممارسة شعائرها، فإنهم يقرون فى الوقت نفسه أنها تهدف إلى وقف «الأسلمة المتفشية فى بلدنا»، معتبرين أنه ليس للمآذن علاقة بمحتوى الإيمان، وأنها لا تمثل سوى «رمز لإمبريالية سياسية دينية»، على حد وصفهم.