موجة من التظاهرات المتتالية تشهدها ميادين مصر هذه الأيام قبيل 30 يونيو الموافق الذكرى الاولى لتولي الرئيس بعد أول انتخابات حرة عقب ثورة 25 يناير حيث اتسع نطاق الاحتجاجات في مختلف المحافظات وانتشرت خيام المعتصمين بميدان التحرير وتعددت المسيرات الداعية لإسقاط النظام فى كثير من الميادين بينما تزايدت بشكل كبير أعداد المتظاهرين، أمام مسجد "رابعة العدوية" بمدينة نصر، فى جمعة "الشرعية خط أحمر" لدعم النظام . المرتبة الأولى ..فى الاحتجاجات وان كانت هذه المسيرات والتظاهرات تبدو سياسية وحاسمة إلا أنها ليست الأولى بعد ثورة 25 يناير وربما لاتكون الأخيرة حيث توقع تقرير احصائى صادر عن المركز التنموى الدولى فى يونيو 2013 أن يصبح هذا العام علامة تاريخية فارقة فى عدد الاحتجاجات التى نظمها المصريون والتى دفعت مصر للمرتبة الأولى عالميا فى عدد الاحتجاجات والتظاهرات بنحو 5544 احتجاجا وتظاهرا ، منها 1300 احتجاج عمالى فى مايو الماضى، بمتوسط 42 احتجاجا يوميا و325 احتجاجا أسبوعيا فى مختلف القطاعات والفئات . بل تنبأ التقرير بتصاعد أعداد التظاهرات والاحتجاجات خلال يونيو مع استمرار أزمات الطاقة والمياه والتخبط الشديد على جميع المستويات دون إيجاد حلول واضحة للمشكلات . وأكد التقرير تظاهر 39 فئة من فئات الشعب المصرى خلال مايو الماضى، من بينهم 25 فئة نفذت 390 مظاهرة من أجل مطالب تتعلق بتهيئة مناخ عمل ملائم يحفظ حقوقهم ويمكنهم من أداء واجباتهم فى ظل نظام لا يكتفى بانتهاك حقوقهم ، بل يلقى عليهم أسباب فشل دولاب العمل حسب التقريرالذى أوضح أنها مثلت أكثر من 50% من المطالب الاحتجاجية، فى إشارة تعكس التوجه الإنتاجى للشارع المصرى. كما نبه التقرير الى تظاهر الآلاف من الأهالى والمواطنين اعتراضا على التردى الهائل فى الخدمات والمرافق، حيث مثلوا ثانى أكثر الفئات المحتجة بواقع 369 احتجاجا بنسبة 28.4% من احتجاجات مايو فى حين انتفض النشطاء المدنيون والسياسيون منفذين 16.2% من احتجاجات الشهر بواقع 210 احتجاجات، بينما شكل الطيارون الفئة الجديد التى انضمت لخريطة الاحتجاجات خلال مايو 2013. وذكر التقرير أن التظاهرات والاحتجاجات عمت محافظات الجمهورية التى تصدرتها محافظة القاهرة حيث شهدت 18% من احتجاجات الشهر تلتها الإسكندرية ثم الشرقية والغربية، وتقاربت نسب معظم المحافظات سواء فى الدلتا أو الصعيد أو المحافظات الحدودية فى مشهد يعكس استمرار غضب الشارع ضد النظام الحالى، و مركزية الأداء الاحتجاجى لمحاولة تكثيف الضغط على مؤسسات الدولة ومقار الشركات الكبرى بالعاصمة لاكتساب بعض الحقوق الضائعة . وأشار التقرير الى أن المحتجين استخدموا أشكالا احتجاجية أكثر عنفا خلال هذا الشهر حيث قاموا بإغلاق الهيئات فى 56 احتجاجا، واقتحام هيئات فى 23 احتجاجا، وحصارها فى 14 احتجاجا، بينما تراجع تنظيم المحتجين للمسيرات ، حيث قاموا ب 57 مسيرة فى الوقت الذى شهد فيه شهر إبريل 120 مسيرة احتجاجية . قبل وبعد ثورة يناير وكشف مؤشر الديمقراطية الصادر عن المركز التنموى الدولى 2013 أن عام 2010، كان تمهيدا مناسبا لثورة 2011، ويعتبرامتدادا لمرحلة نضالية واحتجاجية ظهرت بوادرها منذ 2006. جاء ذلك خلال دراسة مقارنة للمركز بين الاحتجاجات التى شهدتها مصر خلال 3 أعوام : 2010، باعتباره العام السابق لقيام ثورة يناير ، و2012 ،العام التالى للثورة، و2013 الذى شهد حقبة جديدة تغيرت فيها معطيات العملية السياسية بعد الثورة، بهدف رسم ملامح التطور فى الأداء الاحتجاجى للشارع المصرى كما وكيفا. وأوضحت عينة الدراسة ،التى رصدت الاحتجاجات خلال ال9 أشهر التالية : "يناير، وفبراير، ومارس 2010"، و"أبريل، ومايو، ويونيه2012"، و"يناير، وفبراير، ومارس2013"، أنه رغم مرور عام على ثورة يناير 2011، إلا أن 2012 شهد 2532 احتجاجا وتظاهرة تقريبا، بمتوسط 630 احتجاجا خلال 3 أشهر، و211 احتجاجا شهريا، و7 احتجاجات يوميا، بمعدل ارتفاع عن عام 2010 بنسبة 20 %، مشيرة الى أن 2012 شهد تغييرات فى موازين السلطة التنفيذية والتشريعية و القضائية والظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وأضافت الدراسة أنه رغم اختيار سلطة تنفيذية واستتباب السلطة التشريعية والرقابية لمجلس الشورى، ووضوح موازين القوى السياسية خلال 2013، إلا أنه مثل نقلة نوعية للاعتصامات حيث تضاعفت نسب التظاهرات خلال هذا العام لأكثر من ثلاثة أضعاف عن مثيلاتها 2012 بنسبة 340%، كما تضاعفت عن عام 2010 بنسبة 426% أى لأكثر من أربعة أضعاف، فقد شهد عام 2013 حتى نهاية مارس 2782 احتجاجا بمتوسط 927 احتجاجا شهريا، متوقعة أن تستمر التظاهرات والاحتجاجات على هذا النمط خلال هذا العام حال انتهاج السلطة السياسات ذاتها، بحيث يشهد عام 2013 نحو 11128 احتجاجا وتظاهرة تقريبا. و ألمحت الدراسة الى أنه لم يكن من المفاجئ ارتفاع نسبة التظاهرات فى 2010 نظرا لما سبقها من سنوات لقمع الحريات وانتهاك الحقوق، لكن على غير المتوقع جاء التضاعف الهائل للاحتجاجات خلال عام 2013، فى ظل سلطة تنفيذية شرعية ومنتخبة وديمقراطية وفق نتائج الدراسة . وكشفت الدراسة أن الفئات المحتجة تصل لأكثر من 40 فئة، وأنه رغم الاختلاف والتضاعف الواضح فى أعداد الاحتجاجات التى شهدتها مصر خلال أعوام الدراسة، إلا أن الأيدى العاملة بمختلف قطاعاتها، كانت المحرك الأول للاحتجاجات ، تلاهم الأهالى والمواطنون ثم النشطاء السياسيون والحقوقيون خلال ال3 أعوام، ما يعكس حاجة الدولة الأساسية لسد 3 احتياجات أساسية لدى المواطن المصرى، وهى توفير فرصة ومناخ ملائم للعمل، وتوفير الخدمات والمرافق وضبط السوق، وكفالة الحقوق والحريات المدنية والسياسية. ولفتت الدراسة الى أن عدد الفئات المحتجة وصلت2010 لأكثر من 30 فئة، فيما زادت الأعداد خلال 2012 و2013 لتصل لأكثر من 40 فئة، بظهور فئات محتجة جديدة: أهمها قطاع الشرطة الذى لا يزال لم تتكون لديه الثقافة الاحتجاجية المتسقة، وكذلك "البلاك بلوك والألتراس" وأهالى الشهداء، كما تضاعفت أعداد المحتجين من بعض القطاعات، مثل قطاع النقل وأهمها سائقو الميكروباص والتاكسى و القطارات، فيما حافظت بعض الفئات على وتيرة أدائها الاحتجاجى كالطلاب الذين يمثلون أحد الفئات الفعالة على الخريطة الاحتجاجية المصرية. كما أشارت الدراسة إلى استمرار الحالة الاحتجاجية لقطاعات الصحة والتعليم والإعلام وقطاع الداخلية رغم ظهورها قبل الثورة، إذ لم تستطع أنظمة ما بعد الثورة وضع حد له، ما أثر بشكل كامل على مطالب المحتجين، لافتة النظر الى أنه رغم الوعود الرئاسية الخاصة بتطوير تلك الخدمات وكفالة تلك الحقوق، إلا أن الحالة تزداد سوءً. الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أولا فيما عكست عينة الدراسة أن المواطن المصرى لديه أولوية فى الحصول على حقوقه الاقتصادية والاجتماعية أولا، بالشكل الذى استحوذت فيه تلك الحقوق على أكثر من 70% من مطالبه، بشكل يعكس أن الدولة حتى الآن لم تستطع توفير حاجات المواطن الأساسية، وأيضا غير قادرة على كفالة حقوقه وحرياته المدنية والسياسية التى مثلت ما يقارب من 30% من احتياجات المواطن وأولوياته. ومن ثمارالاحتجاجات الشعبية التى لاحظتها الدراسة على جغرافيا الأداء الاحتجاجى "الاتجاه القوى للامركزية " حيث استطاع المواطن المصرى، طبقا للدراسة، تطبيق نموذج لا مركزى فى الاحتجاجات، الذى يبرهن عليه تقلص نسبة الاحتجاجات التى شهدتها القاهرة من 40% فى عام 2010 ل14% خلال 2013، والإسكندرية من 9% فى عام 2012 ل 4% خلال 2013. فيما تقاسمت باقى المحافظات النسبة التى فقدتها القاهرةوالإسكندرية ليتقلص الفارق، فيتجه المؤشر لنظام لامركزى قوى فى الاحتجاج ظهرت بوادره خلال 2010، وتجلت ملامحه فى 2011، واستمر نهجه خلال العامين التاليين للثورة، للعديد من الأسباب ،أبرزها ارتفاع الوعى الاحتجاجى لدى المواطنين و الوعى الإعلامى بالأقاليم، وقدرة المحتجين على استخدام مظاهر احتجاجية تجبر السلطة على السماع لمطالبهم، حتى وإن كانت بعيدة عن العاصمة حيث رصدت الدراسة ارتفاع نسب الاحتجاج فى المحافظات البدوية والصعيد، خاصة خلال 2012 و2013 . كما كشفت الدراسة تطور المظاهر والأساليب والأدوات التى انتهجها المحتجون خلال أعوام الدراسة، برزت أهمها فى أن الاحتجاجات خلال 2010، وما قبله تميزت بالتصاعدية، لكن خلال العامين التاليين للثورة كان المحتجون غالبا ما يبدأون بذروة التصعيد ،مما يعكس ارتفاع الانتهاكات التى يتعرض لها المواطن، وبالتالى ارتفاع حالة الإحباط والرغبة فى الرد بعنف مضاد. ومن النتائج المهمة أن المواطن وجد من أساليب العنف وسيلة ضغط أساسية لسماع الدولة لصوته ولمطالبه، فتطورت أساليب العنف الاحتجاجية الى حد أفرز هذا المناخ المضطرب بما فيه من وسائل عنف ضد النفس والدولة، أهمها الانتحار وإغلاق أقسام الشرطة، وقطع الطرق، الذى يعد ثانى أكبر وسيلة يستخدمها المحتجون.مع استحداث وسائل وأدوات احتجاجية جديدة، سواء سلمية كالسلاسل البشرية وحملة "اضرب كلاكس"، وقطع الكهرباء، ورفض تسديد الفواتير، والامتناع عن الكلام، وغيرها من الأدوات التى تعكس مدى الوعى والتطور فى الثقافة الاحتجاجية المصرية. رد فعل أجهزة الدولة وأشارت الدراسة إلى أن رد فعل أجهزة الدولة على مطالب الشارع التى تعلنها لافتات الاحتجاجات لم يختلف كثيرا خلال ال3 أنظمة المتعاقبة فى فترة الدراسة، والأخطر أن النظام الحالى يعمل على إلصاق الذنب والخطأ بأحد السلطات السيادية، كالقضاء أو الشرطة ، الى جانب الادعاء المستمر بالقوى الخارجية العابثة بالبلاد، حسب الدراسة. ولعل هذا ما يبرر دعوات منظمات حقوق الانسان الى التحاور والتجاوب مع مطالب المحتجين ، فعلى سبيل المثال ، أعربت نافي بيلاي، مفوضة الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان، حسب د.ب.أ ، عن انزعاجها من العنف وارتفاع عدد القتلي الذين سقطوا في مصر خلال الأيام الماضية، وطالبت الحكومة بإعادة النظر بصورة عاجلة في طريقة التعامل مع الاحتجاجات ببذل المزيد من الجهد لاستيعاب وجهات النظر المعارضة، واتخاذ إجراءات حقيقية لمواجهة المخاوف الشعبية، واجراء تحقيقات فورية في حوادث العنف الأخيرة، ومراجعة شاملة لأساليب الشرطة في التعامل مع المظاهرات . كما دعت "بيلاي" جميع الأطراف للدخول في حوار جاد لوقف حالة الاستقطاب الخطير، التي أدت إلى الاحتجاجات الحالية. وفى المقابل ، على صعيد رد فعل السلطة ، عرض الرئيس محمد مرسي على معارضيه في خطابه مساء الأربعاء 26 يونيو تعديل دستور البلاد المثير للجدل الذي صاغته جمعية تأسيسية غلب عليها الإسلاميون أواخر العام الماضي و إجراء محادثات بخصوص "المصالحة الوطنية" لإنهاء حالة الاستقطاب المهددة للديمقراطية.. داعيا الى تشكيل لجنة من مختلف الأحزاب والقوى السياسية لاقتراح التعديلات التي تلبي مطالب المعارضين.. وهنا يثار التساؤل : هل من سبيل لتنفيذ التصريحات والطموحات على أرض الواقع لاسدال الستار على مشاهد الاحتجاجات والتظاهرات ؟ . وفى محاولة للبحث عن اجابة، استوقفتنى "عبارات ذهبية" فى كتاب عن "الحركات الاحتجاجية في الوطن العربي (مصر المغرب لبنان البحرين)"،صدر حديثا عن مركز دراسات الوحدة العربية : "ظاهرة الاحتجاجات لصيقة بمختلف النظم السياسية، فهي موجودة في النظم الديمقراطية وغير الديمقراطية، ولكنها في الأولى عادة ما تؤدي إلى تطوير النظام.. أما في الثانية ، فإنها تكرّس، وربما تعمّق الأزمات؛ لأن النظام، عادة ما يعجز عن الاستجابة لمطالب المحتجين، وكثيراً ما يعمل على التحايل عليها".. فمتى تجد أصوات المحتجين آذانا صاغية وحوارات مثمرة ، تحقق الرضا للمواطنين والتطوير لاستراتيجيات وآليات المسئولين من أجل استقرار البلاد ؟.