ربما لم يكن من قبيل المصادفة ان يقع اختيار المؤسسة العسكرية في تركيا علي الجنرال يشار بويو كانيت لتولي رئاسة الاركان خلفا للجنرال حلمي اوزوك في اغسطس من العام الماضي. ورغم ان رئيس الوزراء ذي التوجه الاسلامي رجب طيب اردوغان كان له صوت في اختيار بويوكانيت فإن الحقيقة تقول ان اختيار الاخير المحسوب بقوة علي معسكر الصقور في المعسكر العلماني التركي كان بمثابة 'الطلقة الاولي' في المواجهة بين العلمانيين والاسلاميين في تركيا والتي بلغت ذروتها الان بالصراع علي مقعد رئاسة الجمهورية في ظل اصرار اردوغان وحزبه الاسلامي علي السيطرة علي منصب الرئاسة الذي يعتبر رمز العلمانية التركية. ومع اشتداد الصراع بين العلمانيين والاسلاميين علي مقعد الرئاسة ظهر اسم الجنرال بويوكانيت الذي ولد في اول سبتمبر 1941 باعتباره 'الرقم الصعب' في معادلة القوة علي المسرح التركي باعتباره القائد العسكري للجيش التركي. وقد وصف رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان قرار المحكمة الدستورية العليا الغاء التصويت علي ترشيح وزير الخارجية عبد الله جول لرئاسة الجمهورية بأنه رصاصة في قلب الديمقراطية ولكن هذا القرار فشل في وضع حد للمواجهة بين العلمانيين والاسلاميين فقد سارع حزب العدالة والتنمية بالدعوة لعقد جلسة جديدة للبرلمان بهدف انتخاب الرئيس في ظل مقاطعة المعارضة لهذه الجلسة وقد وصفت المعارضة العلمانية هذه الخطوة ايضا بانها 'رصاصة في قلب الديمقراطية!' ولم يكن غريبا ان يعلن بويوكانيت انحيازه الي المعسكر العلماني ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم خاصة وان المؤسسة العسكرية نصبت نفسها منذ قيام الدولة التركية الحديثة في نهاية الربع الاول من القرن العشرين الحارس الامين للقيم العلمانية وقد المح بويوكانيت الي امكانية العودة الي اللعبة القديمة والقيام بانقلاب عسكري من اجل الحفاظ علي الطابع العلماني للدولة التركية كما حدث خمس مرات من قبل خلال القرن العشرين. ويتمتع بويوكانيت بجراءة واضحة ويميل الي مواقف متشددة سواء علي صعيد المواجهات الداخلية او الخارجية وهو ما اكسبه شعبية في الشارع التركي خاصة مع تزايد شكوك المواطن التركي في امكانية الانضمام الي التكتل الاوروبي في ظل تنامي المعارضة في اوروبا لانضمام تركيا العضو المسلم الوحيد في حلف شمال الاطلسي 'ناتو'. وايد الجنرال يشار بويوكانيت الذي تخرج من الكلية الحربية التركية عام 1961 التحذيرات التي اطلقها عسكريون اخرون بارزون في الايام الاخيرة ايضا من ان النظام السياسي العلماني في تركيا يواجه تهديدا اسلاميا 'رجعيا' واوضح بويوكانيت الذي تدرج في مناصب عسكرية عديدة سواء في الجيش التركي او في حلف الاطلنطي انه يشارك الجنرالات الاخرين والرئيس التركي احمد نجدت سيزر مخاوفهم بشأن النشاطات الاسلامية المزعومة في تركيا وقال 'هناك تهديد رجعي في تركيا' في تلميح للاسلاميين الذين يرفضون الفصل بين الدولة والدين ويريدون ازالة القيود علي التعبير الديني في الحياة العامة واضاف 'كل اجراء يجب ان يتخذ ضد هذا التهديدّ' ولم يوضح الاجراءات التي يريد ان تتخذ. وقبل ان يتولي بويوكانيت رئاسة الاركان قال العديد من المراقبين ان العسكر في تركيا وبقيادة مباشرة من بويوكانيت نفسه سيطروا علي مجمل السياسة الداخلية والخارجية للدولة التركية وانه يعتبر الشخص الممسك بزمام السياسة التركية والمحرك الوحيد لاهم الملفات الحساسة في البلاد وفي مارس 2006 وقبل توليه رئاسة الاركان خاض مواجهة عنيفة ضد حزب العدالة والتنمية عندما اتهمه النائب العام التركي بالمسئولية عن مقتل مدنيين اكراد. واصر بويوكانت علي عزل النائب فرهاد ساراكايا من منصبه عقابا له علي رفع دعوي ضده واتهامه في التخطيط لحادثة شمزينان التي قتل فيها ضابطان تركيان بأمر من بويوكانيت مدنيين كرديين وجرحوا خمسة عشرة آخرين فكان له ذلك وطردت حكومة اردوغان ساراكايا من منصب النائب العام في مدينة وان الكردية. اصر بويوكانيت علي الغاء الحكومة لقوانينها القديمة واصدار قوانين جديدة 'مكافحة الارهاب' ومنح صلاحيات اكثر لرجال الامن والجيش واعفائهم من اية مساءلة قانونية في حال قمع وقتل المدنيين فلبي نواب 'العدالة والتنمية' طلب او اوامر الجنرال واستصدروا قانون 'مكافحة الارهاب' الجديد الذي اصبح الطفرة الفريدة في القمع ويلقب يشار بويوكانيت حاليا بلقب الجنرال الحديدي. وبعيدا عن المعارك الصغيرة التي خاضها الجنرال ضد حكومة العدالة والتنمية فإن المعركة الحالية ربما تكون بالفعل معركة تكسير العظام وليس علي الجميع سوي الانتظار.