فى محاولة لملاحقة " القاعدة" التى تؤرق جانب الولاياتالمتحدة , شن الجيش الأميريكي هجوما على شخص يشتبه في علاقته بتنظيم القاعدة في الصومال. واستهدفت مدمرة تابعة للبحرية الأميركية المشتبه به فى منطقة قبالة الساحل الصومالي. وتتهمه الولاياتالمتحدة بانه أحد المشتبه بهم في تفجير سفارتي الولاياتالمتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998. وأكد شهود عيان أن صواريخ قصفت تلالا فر إليها مقاتلون بعد الاشتباكات مع قوات الشرطة في اقليم بونتلاند الذي يتمتع بشبه حكم ذاتي. وتشهد مقديشو هجمات منتظمة منذ الإطاحة في نهاية ديسمبر الماضي بنظام المحاكم الإسلامية التي كانت تحكم جزءا من الصومال، إثر هزيمتها أمام الجيش الإثيوبي المتحالف مع الحكومة الصومالية الانتقالية. .وتعرض ممثلون عن الحكومة وجنود قوة السلام الأفريقية في الصومال والجيش الإثيوبي في الأسابيع الماضية، لعدد من الهجمات وعلى الأخص في العاصمة.
وكانت الولاياتالمتحدة قد أرسلت مع القوات الإثيوبية التي اجتاحت الصومال لمساعدة الحكومة الانتقالية على طرد مقاتلي المحاكم الإسلامية وحدات من القوات الخاصة لتعقب أفراد القاعدة الذين تقول واشنطن إن المحاكم تقوم بإيوائهم ،وتدخل الولاياتالمتحدةالامريكية الصومال عبر الجو من قاعدتها العسكرية بجيبوتي, كما كانت قطعها العسكرية البحرية تشارك في القصف ضد قوات المحاكم.. ومن خلال هذه المواجهات فقد ظهرت بوضوح العلاقة الامريكية مع الحكومة الصومالية التي اعتبرت ضربات الطيران في الجنوب مشروعة ومن حق واشنطن القيام بها لملاحقة متطرفين ومطلوبين يعتقد انهم سبق وان قاموا بأعمال ارهابية ضد مصالح امريكية خصوصاً تفجيرات سفارتيها في نيروبي ودار السلام. وكانت الولاياتالمتحدة تستخدم في السابق فصائل صومالية محلية في حربها واحيانا اخرى تقوم بدعم تشكيلات جديدة كما فعلت مع اتحاد السلام ومكافحة الارهاب الذي كانت نهايته على يد المحاكم منتصف العام الماضي.
وفي الحرب الاخيرة كان الحضور الامريكي يتمثل في امداد الجيش الاثيوبي بالمعلومات التي توفرها طائرات الاستطلاع عن تواجد الجماعات الاسلامية التابعة للمحاكم مثلما كانت تقوم بحراسة المنافذ التي اغلقتها منعاً لتسرب أي من مقاتلي المحاكم. وحتى الآن مازال الحضور الامريكي في الصومال يتمثل في القيام بعمليات تشريح وفحص للعديد من الجثث التابعة للمحاكم الاسلامية التي سقطت في الحرب الاخيرة لمعرفة ما اذا كان احداها له علاقة بالمطلوبين امنيا لها ولكشف ما اذا كان هناك اطراف اقليمية عربية ودولية قد مدت المحاكم بالمساعدات العسكرية. كذلك يتمثل الاهتمام الامريكي الآن في متابعة التحقيقات مع العديد من قادة المحاكم الذين لجأوا الى بلدان اخرى او الذين تم اعتقالهم لدى اثيوبيا اثناء المواجهات.. وفي جانب متصل فان واشنطن قد اعلنت مؤخراً تقديم دعم مالي يصل الى 40 مليون دولار. ومن باب مكافحة الارهاب يظل الدور الامريكي في الصومال اليوم الأحد .. حيث مازالت تجري بحثاً موسعاً بمساعدة الحكومة الحالية والقوات الاثيوبية المتواجدة في الصومال عن العديد من العناصر القيادية في اتحاد المحاكم خصوصاً التي هي ضمن قائمة مطلوبيها الذين يتقدمهم العقيد المتقاعد حسن طاهر اويس. مثلما لاتزال القطع الحربية تتواجد على طول الساحل الصومالي للمراقبة.. والواضح ان العلاقة الصومالية الامريكية ليس لديها خيار صومالي يحدد مسارها خصوصاً مع الحاجة الحكومية لهذه العلاقة في هذا الوقت الذي مازالت تعيش بداية المرحلة وليس لديها امكانية حتى لحماية نفسها. لذلك تظل العلاقة محددة من طرف واحد في حين يبدو الآخر متلقياً في غالب الاحيان.. بل ان شروطاً واملاءات عدة تفرضها واشنطن على الحكومة الفيدرالية الصومالية سواء ما يتعلق بالحوار والمصالحة او حتى تحديد من يحق لهم لعب دور سياسي في الصومال وبعضهم من المعادين للحكومة.
وعكس ما كانت عليه في السابق في قراءتها للوضع في الصومال وطبيعة الصراع بداخله تبدو واشنطن حالياً لديها معلومات دقيقة وقراءة مستمدة من الواقع الصومالي. وفي سجل العلاقة الامريكية الصومالية بعد انهيار النظام مطلع تسعينات القرن الماضي تبين المعلومات ان واشنطن التي كانت على اطلاع بما يجري في الصومال منذ ما قبل الانهيار ظلت تنظر الى الصومال من باب منافسة التواجد السوفيتي احياناً وللحصول على موطئ قدم جديد في الصومال احياناً اخرى. لكنها ظلت طوال تلك الفترة سواء عندما كانت الصومال شيوعية او حينما قام سياد بري بخلع هذا المعطف وطرد الخبراء الروس من القاعدة العسكرية في بربرة ليتجه نحو الرأسمالية تقدم دعماً صغيراً جداً للصومال وفي اكثر الحالات بلغ مداه 40 مليون دولار في العام.. في حين بلغ دعمها لاثيوبيا خلال عام الى اربعة مليارات دولار مسلم بعضها كاسلحة والبعض الآخر بطريقة نقدية مباشرة. وعندما انهار النظام في الصومال كانت واشنطن في تلك اللحظة تبدو مشغولة في الشرق الاوسط ونظامها العالمي الجديد وملف التسوية للصراع العربي - الاسرائيلي في فلسطين علاوة على حرب الخليج ولتدخر جزءاً من اهتمامها للاستمتاع بتغذية مشاهد السقوط النهائي والتفكك السوفيتي. حينها غادرت الولاياتالمتحدة المسرح الصومالي وجزء من بقايا اهتمام نادر انصب في تقديم مساعدات انسانية. حتى كان العام 1993م حينما بدأت بما يسمى عملية -اعادة الامل- حيث انتزعت قراراً من مجلس الامن بارسال قوات دولية الى الصومال قوامها 2400 جندي من المارينز والكمندوز، بهدف مطاردة الجنرال محمد فرح عيديد وقواته، لكنها فشلت مرتين.. مرة وهي تقوم بتدخلها دون مراعاة للخصوصية الصومالية ومرة اخرى وهي تتلقى ضربات موجعة على الارض ليقتل 18 من جنودها ويجرح العشرات ويتم اسقاط بعض طائراتها ليصل الامر الى سحل جنودها امام مرأى العالم في العاصمة مقديشو.. الامر الذي جعل تدخلها في الصومال لاحقاً فيه ذكريات مؤلمة وتجارب مريرة من الصعب عليها نسيانها.
لذلك بقيت واشنطن تنظر الى الصومال دون اهتمام واحياناً بحرقة لينصرف اهتمامها على معونات الاغاثة احياناً وفي اصدار القرارات من مجلس الامن احياناً اخرى.. منها ما يحظر توريد السلاح الى الصومال واخرى تدعو الى ايقاف العنف والتخلي عن السلاح، والحقيقة حتى وهي تتخذ هذه القرارات فقذ ظلت لا تجهد نفسها لمتابعة تطبيقها.. إذ ظل البحر والجو مكشوفين لتجار السلاح الذين اغرقوا الارض الصومالية بالبارود.. وفي نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي عادت الولاياتالمتحدةالامريكية لعقد تحالفات مع فصائل صومالية دون ان تنسى الماضي الاليم لجنودها، فقد استخدمت امراء الحرب كمحاربين لها بالوكالة.. احياناً بالقبض على مطلوبين وتسليمهم لها مقابل مبالغ مالية واخرى لخلق مسميات جديدة لامراء الحرب كاتحاد السلام ومكافحة الارهاب لمواجهة اتحاد المحاكم.. لكنها حتى وهي تقدم مابين 100 - 150 الف دولار -حسب تقارير للبنتاجون- كدعم لامراء الحرب فانها فشلت في تحقيق اهدافها لتكون النتائج هزيمة قاسية لحلفائها.
والحقيقة ان الولاياتالمتحدةالامريكية ظلت على الدوام غير جادة في تقديم العون والمساعدة للصومال سواء عندما كانت على تحالف مع بعض الفصائل بعد انهيار الدولة في يناير 1991م او عندما كانت هناك محاولات لتشكيل حكومات عدة تصل الى حدود 12 حكومة لم تقدم لها الدعم.. وها هي اليوم تقف امام الحكومة الفيدرالية الحالية رقم 13 تشاركها حربها ضد خصومها المحليين من اتحاد المحاكم الاسلامية لكنها لا تقدم لها العون على الارض. وحتى تبدو الولاياتالمتحدة جادة في الصومال اليوم يجب ان تكون النتائج واضحة وان يكون التدخل ليس بالقيام بضربات جوية تقتل فيها ابرياء رعاة المواشي في الجنوب الصومالي بل بمساندة مالية وتدخل قوي على الارض.. ان مكافحة الارهاب تحتاج لدعم ومساندة وقد تكون واشنطن تقدم الدعم المالي والعسكري لحلفائها في مناطق العالم من اجل تحقيق ذلك، لكنها في الصومال لا تفعل هذا، بل تذهب للصومال بطائرات في الجو وبخزينة فارغة .