شهدت مسيرة السلام الفلسطينية الإسرائيلية على مدار عقود من الزمن صوراً مختلفة من المفاوضات، تمثلت في مؤتمرات ومعاهدات واتفاقيات تحت العديد من المُسميات والمصطلحات، وبرعاية الكثير من الدول على رأسها الولاياتالمتحدة، من أجل الوصول إلى حلول تهدف للتعايش السلمي بين الطرفين، إلا أنه لم يتم تفعيل مُعظم هذه الاتفاقيات، لتبقي مجرد أحلام ينتظرها الشعب الفلسطيني، الذي مازال يُعاني ويلات الحروب وتبعاتها التي تتوالى بسبب انتهاج القيادات الإسرائيلية للغة المُماطلة والعناد، والمضي قدماً في تنفيذ حملاتها الاستيطانية وبناء الجدارات العازلة. ومن خلال التركيز على الاتفاقيات الرسمية والتي انطلقت بمقدماتها من مؤتمر مدريد للسلام في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1991 بإسبانيا، ثم عُقدت أول اتفاقية رسمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عُرفت ب "اتفاقية أوسلو" وما تلتها من إبرام اتفاقيات فرعية تضمنت تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، تمهيداً لتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة، والتي بلغت محطتها الأخيرة في مفاوضات واشنطن في الثاني من سبتمبر/أيلول 2010، إلا أن الأمور تزداد تعقيداً، فقد شهدت ارتفاع عدد الشهداء والضحايا الفلسطينيين على يد آلة الحرب الإسرائيلية والمستوطنين في ظل عملية السلام بما لا يُقارن بالفترة السابقة، كما تدهورت مستويات المعيشة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى ازدياد حركة الاستيطان التي تهدد البنية التحتية للدولة الفلسطينية الموعودة. فمنذ اتفاق أوسلو في الثالث عشر من شهر سبتمبر/أيلول عام 1993 والفلسطينيون يعيشون على حلم دولة طال انتظارها، فالاتفاق الذي كان من المُقرر أن ينتهي كحلٍ مرحلي نهاية 1999 ليتفق الجانب الفلسطيني والإسرائيلي بعدها على إنهاء الاحتلال من كامل الضفة الغربيةوالقدس، مع إيجاد حل لموضوع اللاجئين والحدود والمياه ضاع أدراج الرياح، بل أن من أبرز معالم مسيرة السلام من "أوسلو" إلى "واشنطن" هي تهويد القدس، ومُضاعفة الاستيطان ثلاث مرات، واستئصال المقاومة في الضفة الغربية، وحدوث انفصال ديموجرافي وسياسي بين الضفة وقطاع غزة. وعلى الرغم من تعدد الشخصيات التي توالت على الرئاسة الأمريكية، إلا أنه لم يحدث تقدماً ملموساً على صعيد الصراع العربي الإسرئيلي بوجه عام، وبالنسبة لمسيرة السلام الفلسطينية الإسرائيلية على وجه الخصوص، ففي عام 2000 حاولت الإدارة الأمريكية برئاسة "بيل كلينتون" وقتها بإقناع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بتوقيع اتفاقية "كامب ديفيد" ورفض وقتها الرئيس التوقيع على الاتفاقية لما تضمنته من بنود واضحة تلغي حق عودة اللاجئين إلى أراضيهم لتندلع بعدها انتفاضة الأقصى. وبعد سنوات من انتفاضة الأقصى الثانية التي اندلعت في 28 سبتمبر/أيلول عام 2000 وما تلاها من جمود في عملية السلام عادت الاتصالات بين الجانبين وتوجت بمؤتمر "أنابوليس للسلام" في عام 2007، واتفق الطرفان وقتها على بيان سُمي ب "التفاهم المشترك" الذي رعته الإدارة الأمريكية وقتها برئاسة "جورج بوش" الذي اشترط تنفيذ أي اتفاق متوقع بين الجانبين بتنفيذ خارطة الطريق. ومع تولي باراك أوباما سدة الحُكم في أمريكا أعلن عن نية إدارته رعاية ما أسماها ب "المفاوضات غير المباشرة" بين الجانبين، وفي الثاني من سبتمبر/أيلول عام 2010 بدأت المفاوضات المباشرة بإعلان واشنطن، وبرعاية أمريكية وحضور أردني ومصري عُقد أول اجتماع بين أبي مازن ونتنياهو، بحضور الرئيس الأمريكي أوباما الذي أعلن أن هدف هذه المفاوضات الوصول إلى اتفاق إطار حول قضايا الوضع النهائي في مُهلة أقصاها عام واحد، إلى أن ينفذ هذا الاتفاق على مدى 10 سنوات، تكون في نهايته قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ودولة يهودية للشعب اليهودي فقط، مع ضمان أمن إسرائيل. ولكن على الرغم من هذا فقد سقط أوباما من أول اختبار وتبخرت معه آمال العرب، فلم يتمكن أوباما من وقف إسرائيل لسياسة الاستيطان من اليوم الأول لرئاسته؛ فبالرغم من مُطالبته حكومة إسرائيل وقف النشاطات الاستيطانية وبشكل كامل في الضفة الغربية ومدينة القدسالمحتلة قبل البدء في مفاوضات مع الطرف الفلسطيني، لكن تبدل الموقف الأمريكي أمام إسرائيل حينما أعلن أوباما ثانية بعد شهور قليلة أنه على إسرائيل تجميد الاستيطان وليس وقفه، ثم استثنى من التجميد مدينة القدسالمحتلة والتجمعات الاستيطانية الكبرى.