على مر العصور والأزمنة ، يشهد سكان الكرة الأرضية تطوراً هائلاً فى مظاهرالحياة ومزيداً من الرفاهية مع حدوث الكثير من القفزات العلمية والتكنولوجية الهائلة، وتطور وسائل الإعلام بصورة غير مسبوقة جعلت الكرة الأرضية قرية صغيرة، يتم من خلالها التعاون والتكامل فى نواحى الحياة المختلفة من التعليم والثقافة والصحة والسياسة والاقتصاد وخلافه، إلا أنه مازال العديد من شعوب دول العالم يعانون من التهميش والحرمان نتيجة التحيز والتمييز .. ومن هنا جاء الاحتفال بيوم السكان الأصليين مُشاركة من المجتمع الدولى فى رفع هذه المعاناة عن الشعوب التى مازالت تعانى من ويلات الحروب والصراعات والطرد والتهجير ... وفى هذه المناسبة أكد الأمين العام للأمم المتحدة " بان كى مون " أن وعى المجتمع الدولى قد ازداد مؤخراً بضرورة دعم الشعوب الأصلية التى تُعانى من التهميش والتمييز والفقر المُدقع والصراعات وتنتزع منها ملكية أراضيها ومصادر رزقها، وأضاف فى كلمة وجهها - بمناسبة اليوم الدولى للشعوب الأصلية فى العالم ووزعه المكتب الإعلامى للأمم المتحدة بالقاهرة - أن المجتمع الدولى بدأ فى وضع معايير دولية والحرص على احترام حقوق الإنسان ودمج الخطة الإنمائية الدولية بما فى ذلك الأهداف الإنمائية للألفية الثالثة فى السياسات والبرامج والمشروعات القطرية .
ودعا " مون " إلى ضرورة تعزيز مبدأ مُشاركة الشعوب المُهمشة الكاملة والفعالة فى تنمية المجتمعات .. مُشيراً إلى أننا نحتفل اليوم بالإسهامات التى تقدمها الشعوب الأصلية للإنسانية من خلال حضاراتها الثرية وكذلك بالشراكة القائمة منذ ثلاثة عقود بين هذه الشعوب والأممالمتحدة، والتى أثمرت عن إنجازات دولية هامة منها إعلان عقدين دوليين للشعوب الأصلية فى العالم وتعيين مقرر خاص معنى بحقوق الإنسان والحريات الأساسية للشعوب الأصلية وإقامة منتدى دائم للأمم المتحدة معنى بقضايا الشعوب الأصلية .
التعريف بالسكان الأصليين : فى الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، تشير كلمة "الأصليين" عموماً إلى الجماعات الثقافية المُميزة التى تعود صلتها بأراضيها أو مناطقها إلى ما قبل عهد الاستعمار أو قيام الدولة الحديثة والتى تحافظ على تقاليد ومؤسسات ينفرد بها ذلك المكان، وفى أطر وطنية مختلفة، يمكن استخدام تعابير أخرى، بما فيها الشعوب "الأرومية" أو "المحلية" أو "القبلية".
نشأة الاحتفال بيوم السكان الأصليين :
فى عام 1990 أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993 عاماً عالمياً للسكان الأصليين فى العالم، وبعد ذلك بأربع سنوات، قررت الدورة الرابعة والتسعين للجمعية العامة للأمم المتحدة أن يكون الاحتفال باليوم العالمى بالسكان الأصليين فى العالم يوم 9 أغسطس ( القرار( 214/49 الصادر يوم 23 ديسمبر، ويمثل هذا اليوم تاريخ أول اجتماع للمجموعة العاملة حول السكان الأصليين التابعة للجنة الفرعية حول تشجيع وحماية حقوق الانسان والذى عُقد عام 1982
وفى هذا اليوم اعتادت الأممالمتحدة أن تحتفل بهذه المناسبة، ويتضمن الاحتفال بهذا اليوم خطاباً يلقيه الأمين العام للأمم المتحدة وآخر يلقيه رئيس المنتدى الدائم لشئون السكان الأصليين، بالإضافة إلى عروض ثقافية متنوعة، وخلال العام العالمى للسكان الأصليين .. أعلنت الجمعية العامة عقداً عالمياً للسكان الأصليين فى العالم يبدأ من 10 ديسمبر 1994( القرار 163/48) وذلك لتعزيز التعاون الدولى لحل المشكلات التى يواجهها السكان الأصليون فى مجالات مثل حقوق الانسان والبيئة والتنمية والتعليم والصحة، ويتم الاحتفال كل عام بشعار مُميز . بينما امتد العقد الدولى الثانى للشعوب الأصلية فى العالم خلال الفترة( 2005 – 2014 ) حيث أعلنت الجمعية العامة فى قرارها " 174/59 " المؤرخ 20 ديسمبر 2004 بدء العقد الدولى الثانى للشعوب الأصلية فى العالم، اعتباراً من 1 يناير 2005، وقررت أن يتمثل الهدف منه فى زيادة تعزيز التعاون الدولى من أجل حل المشاكل التى تواجهها الشعوب الأصلية، خاصة فى مجالات مثل الثقافة والتعليم والصحة وحقوق الإنسان والبيئة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وطلبت من الأمين العام أن يُعين وكيل الأمين العام للشئون الاقتصادية والاجتماعية مُنسقا للعقد الثانى، داعية الحكومات إلى كفالة أن يكون التخطيط للأنشطة والأهداف المتعلقة بالعقد الثانى وتنفيذها على أساس من التعاون الكامل مع الشعوب الأصلية، وطالبت الجمعية العامة أيضا بانشاء صندوقً للتبرعات للعقد الثانى، وحثت الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية على تقديم مُساهمات لهذا الصندوق، كما ناشدت أجهزة الأممالمتحدة المختصة وبرامجها ووكالاتها المتخصصة أن تقوم فى سياق تخطيط أنشطتها للعقد الثانى بالنظر فى الكيفية التى يمكن بواسطتها تسخير البرامج والموارد الحالية لفائدة الشعوب الأصلية، بشكل أكثر فعالية.
وقد ركز المنتدى الدائم المعنى بقضايا الشعوب الأصلية، فى دورته الرابعة التى عقدت مؤخرا على أهمية تحقيق الشعوب الأصلية الأهداف الإنمائية للألفية، لا سيما أهداف القضاء على الفقر المدقع وتحقيق تعميم التعليم الابتدائى، وشدد المنتدى على الحاجة إلى اتباع نهج يستند إلى حقوق الإنسان فى الحد من الفقر ومُشاركة الشعوب الأصلية فى جميع مراحل البرامج ..مُشاركة كاملة وفعالة، وأوصى المنتدىأيضا بتوفير التعليم الثنائى اللغة والمتعدد الثقافات لأطفال الشعوب الأصلية .
ومع هذا ما زال السكان الأصليين فى مختلف أنحاء العالم ضمن أكثر قطاعات المجتمع تهميشاً وحرماناً، فهم ضحايا التحيز والتمييز المستمرين،حيث يواجه نحو 400 مليونً من النساء والرجال والأطفال من السكان الأصليين فى شتى أنحاء العالم مخاطر العنصرية والقوانين التى تنطوى على التمييز والطرد من أراضيهم التى تمثل عصب ثقافتهم ومصدر عيشهم، فعلى الرغم من التقدم الذى تحقق خلال العقد الماضى، يظل السكان الأصليون حول العالم يواجهون المشقات والمخاطر فى حياتهم بسبب تقاعس الدول عن التمسك بحقوقهم الإنسانية الأساسية، ويجرى اقتلاع السكان الأصليين من أراضيهم ومجتمعاتهم نتيجة السياسات الحكومية القائمة على التمييز وتأثير النزاعات المُسلحة والمصالح الاقتصادية الخاصة، ونتيجة لحرمانهم من الموارد الضرورية لبقائهم، يعجز العديد من السكان الأصليين عن التمتع الكامل بحقوق إنسانية مثل الحق فى الطعام والحق فى الصحة والحق فى السكن أو الحقوق الثقافية، ويواجهون التهميش والفقر والمرض والعنف وفى بعض الحالات الفناء كشعب. ومع تعطيل طرق الحياة التقليدية، قد تواجه النساء المنتميات إلى السكان الأصليين تحديات معينة، تفقدهن مكانتهن فى مجتمعهن أو يجدن أن الإحباط والنزاع فى المجتمع ينعكسان عنفاً منزلياً، وبالنسبة للأعداد المتزايدة من هؤلاء النسوة اللاتى هاجرن إلى المناطق الحضرية أو اللاتى يعشن على أراضى فيها وجود عسكرى كثيف، فإن التمييز العنصرى والجنسى فى المجتمع الأوسع قد يؤدى إلى تزايد خطر العنف وعدم المساواة فى الحصول على الحماية من النظام القضائى .
ومن جانبها تسعى الأممالمتحدة جاهدة لوضع حلولاً ملموسة فى هذا السياق، فبعد ما يزيد عن عقدين من المفاوضات والمناقشات، تتقدم الأممالمتحدة خطوة للأمام نحو وضع معايير عالمية لحقوق الإنسان من أجل حماية حقوق شعوب السكان الأصليين، فقد اعتمد " مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة - خلال اجتماعه التاريخى الأول - مشروع "إعلان الأممالمتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية"، ويرمى مشروع الإعلان إلى أن يكون موجهاً لاتخاذ إجراءات من أجل التصدى لما يواجهه السكان الأصليون فى أنحاء العالم من تمييز واسع النطاق وعنصرية راسخة الجذور.
وتحث منظمة العفو الدولية جميع الدول على العمل بالتعاون الوثيق مع الشعوب الأصلية لضمان وضع نظام فعال للحماية على المستويين المحلى والدولى، وتشمل التدابير الحاسمة التى تحتاج إلى تحرك فورى لضمان الاعتراف بحقوق السكان الأصليين فى الأراضى وحمايتهم من خلال ترسيم حدود الأراضى والتوصل إلى حل عادل للنزاعات القائمة ، واعتماد إعلان قوى من جانب الأممالمتحدة خاص بحقوق السكان الأصليين يعزز معايير حقوق الإنسان الحالية، والتصديق على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 169 الخاصة بالسكان الأصليين والقبليين (1989) وتنفيذ نصوصها .
وفى هذا اليوم الدولى للشعوب الأصلية فى العالم، فإننا ندعو إلى تدعيم ثقافات الشعوب الأصلية وما تقدمه من إسهامات خاصة إلى الأسرة البشرية، فى ظل التحديات الهائلة التى يواجهها الكثير من الشعوب الأصلية، والتى تتراوح بين المستويات التى لا يمكن قبولها من الفقر والمرض، وبين الحرمان والتمييز وإنكار حقوق الإنسان الأساسية وعلى تركيز مزيد من الاهتمام على قضايا الشعوب الأصلية، ودعوة المجتمع الدولى للعمل على اتخاذ إجراءات لحماية حقوق الشعوب الأصلية وتحسين أوضاعها فيما يتعلق بأراضيها ولغاتها واساليب معيشتها وثقافاتها . 9/8/2007