من الرائع أن يمد بعض الإعلاميين والصحفيين المصريين بصرهم خارج الحدود والمشاكل المصرية بحثا عن قضايا لها علاقة بما يجرى بالداخل أو تفسيرا لما هو محتمل في علاقات مصر الخارجية في محيطها الجغرافي التقليدي. لكن المؤسف أن بعض هؤلاء يلجأ إلى اجتزاء المواقف ولا يلتزم بالمهنية والموضوعية ويتصدر للأمر على طريقة "ولا تقربوا الصلاة ", دون أن يستكمل الآية أو يحكى كل تفاصيل المشهد.
بمحض المصادفة شاهدت مساء أمس( الاثنين) جزءا من برنامج العاشرة مساءا الذي يقدمه الزميل الصحفي وائل الابراشى على قناة دريم الفضائية, حيث تناول فيه قصة اعتقال لسلطات الليبية للعنود ابنة عبد الله السنوسي صهر العقيد الراحل معمر القذافى والرئيس السابق لجهاز المخابرات الليبية.
وقدم الابراشى قصة العنود البالغة من العمر عشرين عاما على أنها قضية خاصة بحقوق الإنسان , مشيرا إلى أنها اعتقلت فقط لكونها ابنة محبة لأبيها ذهبت من مصر إلى ليبيا عبر الجزائر في محاولة لتوكيل محامى عن والدها المعتقل في ليبيا.
كما استضاف عبر الهاتف من القاهرة سلمى زوجة السنوسي وأم العنود التي راحت تتباكى على اعتقال ابنتهما وتقول أنه ينبغي إطلاق سراحها فورا , كما دافعت عن زوجها السنوسي وقالت أنه لم يكن يحكم ليبيا وأنه ليس صحيحا أنه كان يفعل كل شيء وتساءلت أين الأمناء( الوزراء) وغيرهم, , هل من المعقول أن السنوسي كان يدير كل شيء بنفسه في ليبيا".
وقالت سلمى أن عائلة السنوسي تعرضت لما صفته بالكمين ن السلطات الموريتانية بعد اعتقالها في العاصمة الموريتانية نواكشوط قادمة من المغرب, مشيرة إلى أنها رافقت السنوسي حتى قبل تسلميه إلى ليبيا.
لكن الابراشى لم يقدم ضيفته للمشاهدين على أنها شقيقة زوجة القذافى مكتفيا بتساؤل ساذج هل أنت على علاقة عائلية بعائلة القذافى قبل أن تجيب باقتضاب نعم, لكن ن دون أن تعلن صراحة أنها شقيقة زوجة القذافى.
سؤال المذيع التجهيلي لم يكن ثمة ما يدعو له , فهو يعلم تماما صلة سلمى بالقذافى وزوجته, لكنه أراد ربما الادعاء بعدم معرفته السابقة بها.
يؤكد هذا أن المذيع أو الصحفي حرص على إعادة بث صور العنود ثلاث مرات على الأقل وهى برفقة أبيها المعتقل وبعض أشقائها , سائل سلمى فركاش هذه هي العنود التي تظهر في الصورة أليس كذلك.
والحاصل أن هذا السلوك مشبوه ويعتريه الشك فالابراشى يعلم جيدا من هي العنود حيث سبق له أن أذاع في نفس برنامجه العاشرة مساءا نبأ القبض على ابنة عبد الله السنوسي بتاريخ
08 10 2012 دخولها ليبيا بجواز سفر مزور.
تخلى المذيع هنا عن دوره الأساسي في تقديم المعلومات بشفافية إلى جمهور مشاهديه, وقام الصحفي بداخله باجتزاء الحقيقة متقطعا منها ما يحقق أهدافه وهو إحداث حالة من التعاطف مع زوجة السنوسي الذي قتل بدم بارد آلاف الليبيين ويعتبر الشريك الأبرز للقذافى في كل الجرائم التي وقعت ضد الشعب الليبي خلال ثورته للإطاحة بنظام القذافى في السابع عشر من شهر فبراير( شاط) عام 2011.
ظل المذيع الذي تقمص دور المحامى عن حقوق الإنسان يسعى لإقناع مشاهديه ببراءة عائلة السنوسي متبنيا فكرة إطلاق سراح ابنته العنود بدوافع إنسانية.
لكن من يظن نفسه قريبا مما يجرى في ليبيا , نسى أو بالأحرى تناسى أن ابنة السنوسي لم تتوجه إلى طرابلس لتوكيل محامى عن أبيها , فهذا ادعاء باطل, ذلك أن السنوسي المعتقل في سجن الهضبة وتحت رقابة أمنية مشددة يتولاها الحرس الوطني الليبي, لم يتم إلى الآن رسميا انتهاء التحقيقات الأولية معه وبالتالي لم يتم نقله إلى أي محاكمة لكي يحتاج إلى محامى.
وحتى عندما يأتي هذا الجزء المبكر من القصة فقد تعهدت السلطات الليبية بتوفير محاكمة عادلة للسنوسي وإتاحة الفرصة أمامه للاستعانة بمن شاء من المحامين سواء من الداخل أو الخارج.
والحاصل أن العنود ابنة السنوسي المشهور بين الليبيين بلقب الجزار ويعتبر بمثابة الصندوق الأسود للقذافى توجهت بالأساس إلى العاصمة الليبية طرابلس لمساعدة والدها على الهرب من محبسه وليس لتوكيل محامى.
إن محاولة التباكي على سفاح وتصوير اعتقال أحد أفراد أسرته على أنها قضية إنسانية, إنما هو تزييف للحقائق وبمثابة تزوير علني ومفضوح لها.
إنها ليست المرة الأولى التي يلفت انتباهي تعمد المذيع عندما يأتي في برنامجه على ذكر ليبيا, أن يبادر إلى إثارة قضايا شخصية على حساب الحقيقة المجردة, متجاهلا حقيقة مايحدث هناك من أمور كبرى هي ما يجب أن نتوقف عندها.
لو أنى لا أحسن الظن بالمذيع لقلت على الفور أن تقريره عن ابنة السنوسي يشبه تماما إعلانا مدفوع الثمن, وخلطا متعمدا بين الحسابات والعلاقات الشخصية وبين الواقع.
لقد اعتادت معظم الصحف الصفراء أن تخلط بين الإعلان والسياسية التحريرية فتضع إعلانا مستترا لتمجيد فلان أو للإشادة بمنجزاته على أنها مادة خبرية وتكتفي في بعض الأحوال بكلمة إعلان تسجيلي, هروبا من الغش والتدليس الفاضح ومحاولة لإبراء الذمة بعدما تكون قد أوقعت القارئ في فخ الإعلان غير المباشر.
وربما شيء من هذا القبيل فعله المذيع عندما تناول القصة ن جانب واحد, دون أن يسعى لمعرفة أسباب اعتقال ابنة السنوسي , مكتفيا برواية القصة على لسان أمها, على طريقة " ومن يشهد للعروسة إذن؟
من السخف أن نجتزئ الحقيقة ونتعدى عليها وأن ندلس على المشاهدين بإثارة قضايا صغيرة وتافهة تماما مقارنة بما تشهده ليبيا, ونبتعد عن مناقشة القضايا الهامة والمصيرية الملحة.
وإذا كان ولابد , فقد كان على صاحب البرنامج أن يلفت عناية مشاهديه إلى أن ضيفته حاولت لدى قدومها إلى مصر في شهر ابريل( نيسان) الماضي تهريب مشغولات ذهبية وأحجار كريمة.
هذه المعلومات ليست اتهاما مرسلا فقد أشارت أكثر من صحيفة إلى أنه بعد تفتيش السيارة التي كان يقودها إبراهيم محمد عبد الله زوج سلمى التي كانت ترافقه، تبين أنهما أخفيا مشغولات ذهبية وجواهر بلغ وزنها حوالي 10 كيلوغرامات ولم يثبتاها على جواز السفر.
هذه القضية في ظني لا زالت مفتوحة خاصة بعدما أصدرت نيابة مطروح قرارا بإخلاء سبيل شقيقة زوجة القذافي وزوجها من ديوان قسم شرطة السلوم والتحفظ على المضبوطات لحين الفصل في القضية, علما بأن قيمة الرسوم الجمركية والغرامة المقررة وصلت إلى أكثر من مليوني جنيه مصري.
ولست أعلم لماذا لم ينتهز المذيع فرصة تواجد زوجة السنوسي معه على الهاتف ليسألها عما هو من اتهامات خطيرة إلى زوجها الذي يخضع حاليا لحراسة أمنية مشددة في سجن الهضية بالعاصمة الليبية طرابلس ، حيث يقبع إلى جوار بعض المسئولين الكبار سابقا في نظام القذافي.
ويعتبر السنوسي من الشخصيات المرهوبة الجانب في نظام القذافي، وكان يوصف بأنه عين معمر القذافي وأذنه ويده اليمنى في إحكام السيطرة الأمنية على البلاد, وهو متهم بالمسؤولية عن عشرات الجرائم التي نفذت في البلاد، ومن بينها إعدام أكثر من 1200 سجين رميا بالرصاص في أقل من 3 ساعات في شهر يونيو عام 1996.
ويقول الثوار إنه هو من أدار طريقة تعامل السلطات الليبية مع الاحتجاجات التي انطلقت منذ 17 فبراير 2011، والتي تميزت بالقسوة المفرطة والقتل المباشر للمواطنين الليبيين.
وشغل السنوسي عدة مناصب أمنية وعسكرية رفيعة المستوى وضعته في دائرة المقربين من القذافي، أو «رجال الخيمة» وهو التعبير الذي كان يطلق عادة على أبرز الموثوق فيهم من قبل النظام السابق. وأسندت إليه عدة مهام أمنية حساسة، بينها قيادة جهاز الأمن الخارجي والاستخبارات العسكرية، وما يعرف في ليبيا ب«الكتيبة»، وهي الجهاز المكلف بحماية القذافي، وأصبح يمثل الوجه القمعي للنظام داخل البلاد، ويعتقد أنه يقف وراء تصفية عدد من الأصوات المعارضة في الداخل.