شغل الخواجة «كل خميس» ذات مرة التقى شخص ما (بطريق الصدفة) أحد أصدقاء طفولته وشبابه، وكان هذا الصديق شهيرا بفقره الدائم وتعاسته المستمرة.. فقال لنفسه «لا بد أن أُقرِضَه بعض النقود». لكنه فوجئ بأن صديقه قد أصبح من الأثرياء ووجهاء المجتمع، وأنه يبحث عن هذا الشخص ليرد له كل ما كان قد اقترضه منه على مدار سنوات صداقتهما. ثم ذهبا إلى أحد المقاهى التى تعودا أن يجلسا فيها منذ زمن.. وعندما استقر على منضدة دعا الصديق كل الموجودين فى المكان لتناوُل الشراب على حسابه. عندها سأله الموجودون فى المقهى -وهم يعرفون كم كان تعيسا وفقيرا- عن السر فى أنه قد أصبح ناجحًا فى حياته، فقال لهم: - حتى أيام قليلة مضت كنت ألعب دور «الآخَر». فسألوه: وما الآخَر؟! - الآخر هو الشخص الذى علّمنى كيف يجب أن أعيش فى هذا العالم.. لكنه لم يعلمنى حقيقتى.. لم يُعطِنى الفرصة لأعرف من أنا، الآخر هو الشخص الذى يؤمن أن المهمة أو الهدف الحقيقى الواقعى فى الدنيا هو قضاء عمرنا فى التفكير حول كيفية الحصول على أكبر قدر ممكن من الأموال حتى لا نموت جوعا ونحن كبار. الأمر الذى يعنى أننا سنظل نفكر فى المال وطريقة الحصول عليه للشعور بالأمان.. ستمر الأيام والسنوات ونحن فى هذه الدوامة حتى صباح اليوم الذى نكتشف فيه أن هناك شيئا اسمه الحياة.. وقتها سيكون العمر قد مر سريعًا.. وأصبح الوقت المتبقى لمعرفة ما هى الحياة وكيف يجب أن نعيشها غير كافٍ لهذا الغرض… لقد جاء الاكتشاف فى وقت متأخر للغاية. وأنا قررت أن أكون الشخص الذى يستمع دومًا لصوت قلبه… شخصا مسحورا بغموض الحياة.. يفتح نافذة روحة للمعجزات سعيدا بها وساعيا للتعلم والاستفادة منها.. على النقيض تمامًا من «الآخَر» الذى يخشى الإحباط ويخاف من المغامرة. - صمت الجميع لثوانٍ ثم قال له أحدهم: ولكن الحياة مليئة بالمتاعب والإحباطات فعلًا. فردّ عليه قائلا: بل ومليئة بالهزائم التى لا يقدر أحد على تجنبها… لكن أن تنهزم أو تخسر أحيانا فى معارك تحقيق أحلامك أو فى سبيل تنفيذها.. أفضل كثيرا من أن تخسر وتنهزم دون أن تعرف ما هو الشىء الذى كنت تحارب من أجله! - هل هذا هو السر؟! - بالفعل إنه هو.. عندما تعلمت هذا.. أصبحت الشخص الذى أردت دوما أن أكونه.. وأصبح الآخر يقف مرتعدًا فى إحدى زوايا الغرفة يراقبنى.. لكن لن أعطيه الفرصة ثانيةً ليتسلل إلى روحى ويقيم داخلها… على الرغم من أنه دومًا يحاول أن يجعلنى أشعر بالرعب.. ويحذرنى دومًا من خطورة عدم تفكيرى فى المستقبل. لقد آمنت بالآخر الذى يوسوس لى بالطريقة التى يجب أن أعيش بها.. آمنت به أكثر من أى شىء آخر، منحته كامل تركيزى واستجبت لكل أفكاره مفضلا الأمان الذى يعدنى به مقابل حياة تقليدية، على الرغم من أن الحياة التقليدية هى الخطر بعينه. عندما تخلصت من حسابات الآخر وأفكاره ومخاوفه التى احتلتنى سنوات طويلة بدأ الإيمان بكل شىء غيره يتسلل إلى قلبى.. ثم بدأت القوة الإلهية فى تقديم معجزاتها. (من رواية «بالقرب من نهر بيدرا جلست وبكيت» للروائى باولو كويلو.. ترجمة عمر طاهر، ديسمبر 2002، صدرت عن دار «ميريت»، نفدت ثم تم منع إعادة طباعتها بعد أن بيعت حقوق ترجمة كويلو إلى العربية حصريا إلى إحدى دور النشر اللبنانية).