هناك بكل تأكيد انبهار كامل من فرنساباليابان الحضارة والعلم والتكنولولجيا وايضا الغموض والروحانيات, والادب الجم والتواصل غير المفهوم, وفكرة ان اليابان تشكل كل ما تفتقده فرنسا. لذا فتحت فرنسا قلبها وابواب معرض كتابها السنوي لليابان لتكون ضيف الشرف في هذا العام, في محاولة لأن تفهم ولو قليلا هذه الدولة البعيدة, القريبة, التي كثيرا ما اثارت شغف الفرنسيين وتساؤلاتهم ايضا, فبعد المقارنات التي اقامها الشاعر الفرنسي القديم فولتير, جاء المفكر الفرنسي كلود ليفي شتراوس لكي ينقل التناقضات التي وجدها ما بين فرنساواليابان, او بمعني ادق, التضادات. فيقول شتراوس ان كانت اليابان تقع في اقصي نقطة من القارة الآسيوية نحو الشرق, فإن فرنسا هي اقصي نقطة من اوروبا نحو الغرب. ويمضي الكاتب فيقول ان في بلاد الشمس المشرقة يتم حياكة النسيج علي الإبر وليس الإبرة علي النسيج, ويدخل الفرس الاسطبل سائرا بظهره ولا يدخل برأسة أولا.. ومن ناحيته كتب البروفيسور فيليب بيليتييه كتابه الانبهار باليابان لكي يؤكد ايضا ان اليابانيين يفعلون كل شيء علي عكس الفرنسيين, فهم يقودون السيارة من الناحية اليسري ويكتبون رأسيا, وهو ما دفع الكاتب باتون لنشر كتابه فن عمل كل شيء بالعكس في عام.1903 وفي الوقت نفسه لا يسع الكتاب الفرنسيون الا ان يؤكدوا دوما الغموض الذي يلف اليابان ويمنعهم من فهمها فهما صحيحا, فهناك الكثير من سوء الفهم, وهناك ايضا الكثير من الآراء المبهمة. فمن الكتاب امثال ميشيل ديجي وميشيل بوتور وجان فيليب توسان وفيليب فوريست, الذين يحاولون تقديم بفهم اكبر لهذه البلاد البعيدة, ولكنهم يظلون, كما يقول النقاد, يدورون حولها كمن يدور حول نص مبهم وهم يقاومون محاولات فهمه. فكل محاولات الدخول إلي ترجمة الأدب الياباني تنتهي باستحالة المهمة, فيعتبر الأدب الياباني غير قابل للترجمة, كما أكد رومان بارتيسز في كتاب امبراطورية العلامات الذي صدر عام1970 ولكن ماهو رأي اليابانيين ؟ بالنسبة لهم الوضع بالتأكيد علي العكس تماما. في الكتب الأدبية اليابانية يوكو تاو ادا تصف مشاعرها حال وصولها الي المانيا التي لا تعرف عنها شيئا فتقول كنت أبلغ من العمر22 عاما وسافرت إلي ألمانيا في منحة تدريبية في احدي الشركات المتخصصة في ادارة المقاهي في هامبورج. وكل صباح مع وصولي الي المكتب, يسألني الجميع: هل نمت جيدا ؟ شعرت بالجزع الشديد. ففي اليابان لا أحد يسأل مثل هذا السؤال, الا ان كان الشخص يبدو في حالة مزرية. فيحاول الآخر الاطمئنان عليك. عاشت تاوادا في ألمانيا منذ عام1982, يابانية في بلاد الألمان حيث تعرفت علي اشياء عديدة مثل الجبن الأبيض والخيار المخلل في السلطة.. كانت تفكر في احلام بارتيز التي وصفها في كتابه امبراطورية العلامات, وتحاول ان تعرف لغة اجنبية( لغة غريبة) دون ان تفهمها.. فيتحول الحلم الي كابوس. لأن كل ما تقوله او تفعله يصدم محدثها الألماني, واحيانا يجرح مشاعره. وتتساءل دوما:كيف يمكنني الإجابة علي تساؤلاتهم؟ هل يجب ان اخاطبهم بكلمة حضرتك أم استخدم كلمة أنت ؟ اجابوها: ولكن هذا يعتمد ان كنت تعرفين الشخص أم لا. ولكنها تزداد حيرة: مامعني ان نعرف شخصا ما ؟ هل يمكن ان نعرف اي شخص بشكل كامل؟ وشعرت بالضياع. ولكن في النهاية انقذها اصدقاؤها الأدباء الألمان امثال كافكا ومولر وبنيامين. فكانت تقرأ لهم وتتناقش مع زملائها, وفهمت ان اللغة هي اولا نوع من الذبذبات, انها قوة حية تتحرك بين الأفراد. فليس من المهم ان تكون لغة الأم, ولكن المهم هو أنها تنقل الطاقة التي تحملها الي داخل الجسد, وانها تخرج منه. فمن تلك اللحظة تقول تاوادا انها لم تعد تقول ان تلك اللغة هي لغتها الأصلية وتلك الأخري ليست كذلك. واصبحت الكاتبة اليابانية تكتب باللغتين, وعرفت في النهاية ان المرء قد لا يفهم شيئا ولكن من المؤكد ان هناك شيئا ما, ولو صغيرا, تستطيع فهمه. وفي كتابها الأخير يوميات أيام صعبةقامت تاوادا بعقد مقارنة بين تغطية الصحف الألمانية واليابانية لمأساة فوكوشيما. وكانت الآراء والرؤي بعيدة الواحدة عن الأخري لتعكس فكرا مختلفا تماما. من جهة أخري هناك أديبة يابانية, اميلي نوتومب, عاشت في فرنسا منذ أن كانت في الخامسة من عمرها, ولكن انتزاعها من موطنها في هذه السن الصغيرة ملأها حزنا شديدا وظلت تفكر ان يوما ما سوف تعود الي اليابان. وبالفعل عادت عندما تمت عامها الحادي والعشرين, وفي أول رحلة لها الي مواطنها الأصلي أدركت انه لا يكفي ان تولد في اليابان لكي تكون جزءا منه, ولكنها شعرت ان عودتها الي موطنها أنقذتها, فقد تمكنت من تفجير طاقة ضخمة فيها. وعندما غادرتها تجددت احزانها. ولكنها لم تعد تختفي لتبكي حزنها, بل تعلمت ان تبث مشاعرها في الكتابة, مشاعر افتقاد ماتحبه. وخرجت رواياتها الي النورشكل من الحياة, قتل الأب, ذهول واضطراب, كان حبها لليابان يفوق كل شيء, فكتبت تقول انه كان يكفيها ان تتنفس هواء اليابان مرة اخري, كانت تعود دوما بحثا عما ينقذها, ولكنها لم تعرف بعد من أي شيء تريد ان تنقذها اليابان؟