«قديما، فى مكان ما، كان يعيش رجل اسمه جينجور... وكان جينجور يملك طبلة عجيبة... إذا ضرب أحد جنبيها وقال «يا أنف طل، طل يا أنف» فإن الأنف يطول» كان جينجور يضرب على الطبلة فيطيل الأنوف أو يقصرها، وكان الجميع يفرحون بذلك. غير أن مصير جينجور جراء المبالغة فى استخدام تلك القدرة الفريدة وما ناله إزاء تجاوز اللعب والإقدام على تصرفات غير محسوبة هو ما ترويه قصة «الطبلة العجيبة» التى ألفها موموكو إيشى، كاتب قصص الأطفال اليابانى، وصورها رسما كون شيميزو وترجمها إلى العربية عصام حمزة أستاذ الأدب اليابانى لتنشرها دار الشروق عام 2006 فى بداية اهتمام متزايد بالترجمة والنشر عن اليابانية وهو الاهتمام الذى شهد تتويجا هذا الاسبوع باصدار الشروق بالتعاون مع مؤسسة اليابان فى القاهرة القاموس الأساسى يابانى عربى لدارسى اللغة اليابانية ومعلميها فى مصر والعالم العربى. الاحتفال بالاصدار للقاموس اليابانى العربى الذى يقول حمزة إنه «الأول» بهذا التبويب والتدقيق الحجم جاء بمشاركة دار الشروق والسفارة اليابانية فى القاهرة مساء الثلاثاء بفرع مكتبة الشروق بالزمالك. «الاحتفال صغير لكن الحدث كبير جدا فى معناه،» هكذا قال إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة مؤسسة الشروق فى كلمة افتتاحية قبل أمام حضور مصرى يابانى مشترك جمع بالاساس عددا من أساتذة وطلاب اللغة اليابانية فى كلية آداب القاهرة وألسن عين شمس. وبحسب المعلم فإن المغزى المهم لإصدار هذا القاموس هو التقدير الكبير الذى تحظى به الثقافة اليابانية فى مصر والعالم العربى حيث الادراك ليس فقط للقيمة الثقافية التاريخية للشعب اليابانى ولكن أيضا للقدرة الهائلة التى تمكنت من خلالها اليابان عبر العقود القليلة الماضية من تحقيق نهضة هائلة أساسها النمو الهائل فى مجالات التكنولوجيا والمعرفة وتحقيق نمو اقتصادى سريع. «مع ازدياد الاتصال بين دول العالم، يتعاظم الدور الذى تلعبه اللغة كوسيلة للتواصل.. إلا أن أحوال من يبدأون تعلم اللغة اليابانية فى العالم تشير إلى أن معظمهم لا يجد قواميس يسهل استخدامها.. ولقد عملت مؤسسة اليابان (بالتعاون مع دار الشروق) على وضع هذhالقاموس اعتقادا منها بضرورة استصدار قاموس يسهل على دارسى اللغة اليابانية استخدامه فى مستوياتهم الأولى»، وذلك حسبما أشارت مؤسسة اليابان فى مقدمة قصيرة للقاموس حديث الاصدار. وكما قال فيوريا ماساتو خلال الاحتفال باصدار القاموس فإن مؤسسة اليابان ودار الشروق حرصتا على تخفيض سعر القاموس إلى الحد أدنى حد ممكن بالنظر إلى أن الهدف الرئيسى من وراء هذا الاصدار هو هدف تعليمى. اليوم، كما يقول حمزة، فإن عدد دارسى اللغة اليابانية فى القاهرة وصل إلى نحو 5 آلاف دارس، وهم تقريبا نصف إجمالى عدد دارسى اللغة اليابانية فى بلدان العالم العربى «الذين سيسهم القاموس فى المرحلة الأولى لتعلمهم اللغة اليابانية والتى عادة ما تكون نحو ستة أعوام». ويرى حمزة، الذى كان من أوائل دارسى اللغة اليابانية فى مصر لدى إنشاء كلية آداب جامعة القاهرة لقسم اللغة اليابانية فى عام 1974 أن هناك ما يؤشر إلى أن عدد دارسى اللغة اليابانية مرشح للزيادة بالنظر إلى الادراك المتزايد لدور اليابان وللتأثيرات المتنامية للثقافة اليابانية فى الثقافة العالمية. وعندما قرر حمزة تعلم اللغة اليابانية فى منتصف السبعينيات حيث كان الغرب بثقافته هو السائد كان يهدف بالاساس إلى تعلم لغة وثقافة دولة استطاعت أن تحقق نهضة بعد حرب، كان يريد لمصر أن تحقق مثلها. وبعد تخرجه فى كلية الآداب ذهب حمزة إلى اليابان لإجراء دراسات عليا واستقر هناك 13 عاما حيث ملك ناصية اللغة ليعود لمصر، مع زوجته اليابانية، آملا فى تقديم اسهام حقيقى سواء ما تعلق بتعلم اللغة اليابانية أو نشر ثقافتها. وبحسب السفير اليابانى فى القاهرة «كاورو ايشيكاوا» فإن هذا الجهد لا يتعلق فقط بتأكيد أواصر الترابط الثقافى بين مصر واليابان ولكنه أيضا يتعلق بأهمية إبقاء العالم الواحد والخاضع للتأثيرات اللانهائية للعولمة «مبقيا على التنوع الثقافى فلا تسود ثقافة بعينها وتتداعى ثقافات أخرى وتختفى». وبالرغم من أن التواصل المصرى اليابانى، بل والعربى اليابانى، فى مجمله حسبما يقرر دبلوماسيون من اليابان والدول العربية يقوم فى أساسه على التعاون التكنولوجى والعلمى إلا أن مساحة التواصل الثقافى تبقى فى نظر كثيرين جزءا أساسيا لتعميق العلاقات العربية اليابانية. «الثقافة والترجمة هى جزء مهم وربما لهذا السبب اختارت اليابان أن تسهم ببناء دار الأوبرا المصرية الحديثة كما اختارت أن تقدم دعما ماليا كبيرا لانشاء المتحف المصرى الحديث.. ولهذا السبب أيضا سيكون علينا أن نعمل لدعم الترجمة من العربية إلى اليابانية والعكس لأن المترجم من العربية إلى اليابانية هو قليل جدا وكذلك المترجم من اليابانية إلى العربية»، هكذا قال المعلم، واعدا أن يكون لدار الشروق التزام مستمر فى مجال الترجمة من اليابانية إلى العربية والعكس خاصة فيما يخص الابداعات الأدبية الكبرى وكذلك الإنتاج المكتوب لمختلف العلوم الاجتماعية. ويقول العاملون فى مكتبات القاهرة الكبرى إن القارئ المصرى لا يأتى إلا نادرا جدا باحثا عن مؤلف لكاتب يابانى، ويضيفون إنه بالرغم من «الولع المصرى» بشراء أجهزة تكنولوجية يابانية وبالرغم من «الصرعة» التى أصابت ابناء الطبقة المتوسطة العليا والطبقة العليا بتناول السوشى فإن الحرص على التعرف على الأدب اليابانى لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب وذلك بالرغم مما يربط الاهتمام الذى ابداه المشاهد المصرى لحلقات تليفزيونية مسلسلة تحمل اسم بطلتها أوشين وتروى فصول المعاناة مع الفقر والتمييز أو لاستعداد الجمهور المصرى لمتابعة رقصات الكابوكى التقليدية اليابانية. وبالمقارنة بانتشار مطاعم السوشى فى القاهرة، وحتى بازدياد عدد الدارسين للغة اليابانية فإن الانتاج الأدبى لروائيين يابانيين بقامة هاروكى موراكامى مازالت تجتذب ما يصفه أصحاب مكتبات القاهرة الكبرى والعاملون فيها ب«صفوة المثقفين» فقط، ذلك فى الوقت الذى تصدرت فيه روايات موراكامى قوائم الروايات الأكثر مبيعا فى العالم. وتقول نيفين منير المتخرجة من قسم اللغة اليابانية فى كلية الألسن إن من المشاكل الرئيسية للترجمة عن وإلى اليابانية هى أن عدد القادرين للتصدى لهذه المهمة ليس بالكثير لأن مستوى اتقان اللغة الواجب لترجمة القصص يتجاوز بكثير الأعوام الأربعة التى يمضيها الطالب فى صفوف الجامعة.وبحسب حمزة فإن الطالب يحتاج لما لا يقل عن ثمانية إلى عشر سنوات من دراسة اللغة اليابانية للتمكن من الترجمة عن الأصول اليابانية. وبالرغم من أن البعض يقترح ترجمة النصوص الأدبية اليابانية عبر لغات أخرى غربية، مثل الانجليزية والفرنسية، تكون قد نقلت الابداعات اليابانية إلا أن منير وحمزة يصران على أن الترجمة تفضل من اللغة الأصلية وأن الامر لا يتعلق فقط بالترجمة من اليابانية بل أيضا من العربية إلى اليابانية. «النقل لمترجم عن مترجم يدخل الكثير من التعديلات التى قد تنال من روح النص الأصلى وأفكار الكاتب،» قالت منير. وتسعى مؤسسة اليابان من خلال فرعها فى القاهرة، كما يقول ماساتو، لتشجيع سفر الطلاب المصريين الدارسيين لليابانية فى بعثات تعليمية إلى اليابان كما تسعى لتشجيع الطلاب اليابانيين الدارسين للغة العربية لزيارة العالم العربى لتشجيع قدرة هؤلاء على إتقان اللغتين اليابانية والعربية وزيادة عدد القادرين على الاسهام بالترجمة المتبادلة.