لم أكن أتخيل وأنا أكتب مقالى المنشور فى عدد الأربعاء، عن سوريا وبشار الأسد أن تتطور الأمور بهذا الشكل، وإن كان متوقعا، وأنه لم يتعلم الدرس من المستبدين الذين سبقوه بين هارب باحثا عن ملاذ آمن مثل ديكتاتور تونس زين العابدين بن على، أو تم سجنه بعد إدانته بقتل الثوار مثل حسنى مبارك. أو تنازل عن السلطة مقابل الخروج الآمن مثل الرئيس اليمنى على عبد الله صالح. أو تم قتله بعد هروبه ومحاولة اختبائه لدى قبيلته مثل الرئيس الليبى معمر القذافى.. فى مشهد فظيع يصعب أن يتكرر، وبعد أن وصف شعبه الذى أمر بقتلهم بكل أنواع الأسلحة بأنهم جرذان! فقد شاء القدر أن تتم عملية انتحارية يوم الأربعاء، أول من أمس، نتيجة تفجير ضخم فى مكتب الأمن القومى فى وسط دمشق لتقتل عددا كبيرا من كبار المسؤولين الأمنيين، على رأسهم العماد داوود عبد الله راجحة وزير دفاع بشار الأسد، الذى عُين فى منصبه كمكافأة له على المجازر التى اقترفها فى مدينة دير الزور التى قاد اقتحامها فى نهاية العام الماضى.
كما فقد بشار صهره آصف شوكت وزير الدفاع السابق.. وكذلك وزير داخليته محمد إبراهيم الشعار وغيرهم..
فلم يتعلم بشار الأسد الدرس.
ولعله الآن يبحث عن مكان للهرب والاختفاء، ومع هذا يستمر فى قتل شعبه الذى خرج طالبا الحرية والكرامة بعد سنوات طويلة من الإذلال والفقر والسجن والتعذيب تحت حكم أسرة الأسد الذى استمر مع بشار الذى ورث الحكم عن أبيه، وكأن سوريا أصبحت ضيعة لآل الأسد، لا يريدون أن يتنازلوا عنها إلا بعد أن تصبح حطاما وتتفكك.. أنا أو الفوضى..
هذا هو شعار بشار الأسد.. وقد سبقه فى ذلك المستبدون من أمثال زين العابدين بن على ومبارك والقذافى فلم يتعلم الدرس.
ولم يتعظ مما جرى مع الآخرين من أصدقائه الحكام المستبدين، والذين كان يعتبرهم -هو نفسه- «موضة قديمة من الحكام»، وكان يحاضرهم فى السياسة فى مؤتمرات القمة العربية.. ويبدو أنه لم يتعظ أيضا مما جرى مع أنصاره وحلفائه ورجاله وأدواته فى المجازر التى يقترفها فى حق الشعب السورى فى كل أنحاء المدن والريف والقرى..
وها قد وصلت الثورة إلى عرين الأسد فى دمشق التى ظلت مستعصية ورافضة الثورة لوجود التجار ورجال الأعمال المستفيدين من النظام المستبد والمتاجرين بقوت الشعب.. نفس ما درجت عليه الأنظمة المستبدة الفاسدة التى هوت عروشها على يد الثوار.. إنه يصر على البقاء حتى الآن ويدمر البلد تدميرا، إنه يصر على نشر الفوضى، وزعزعة المنطقة كلها.. إنه الذى ساعد على التدخل الأجنبى فى بلده، فلا تسألوا الشعب السورى الذى ما زال حتى الآن يناضل من أجل نزع حريته عمّا يسمى بالتدخل الأجنبى.. فقد رفض بشار الأسد أى إصلاح.. واعتبر نفسه إصلاحيا ديمقراطيا فى نفس الوقت الذى يقتل فيه الأطفال والشيوخ.
رفض كل الوساطات من الدول الصديقة وحتى من جامعة الدول العربية التى تمثل الحكومات العربية من أجل الخروج من المأزق.. وحرصا على سوريا وشعبها ودورها وتأثيرها فى المنطقة، إلا أنه أصر على البقاء فى السلطة حتى قتل آخر فرد من الشعب السورى.. إنه يريد أن يترك سوريا محطمة منقسمة متنافرة طائفية تشتعل فيها الحرب الأهلية.
لم يتعلم بشار الأسد الدرس بعد. ولم يتعظ بعد. مات عمر سليمان. ومبارك فى السجن.. سبحان الله! وكل عام أنتم بخير.. ورمضان كريم.