ما يحدث فى الدول العربية همٌّ مصرى. فالثورات التى خرجت فى ليبيا واليمن وسوريا هى امتداد للثورة المصرية التى أسقطت نظاما ديكتاتوريا فاسدا، وألهمت كثيرا من الشعوب بالثورة على الاستبداد. تلك الثورة التى تأثرت بالثورة التونسية، والتى خلع فيها الشعب التونسى رئيسه زين العابدين بن على بعد سنوات طويلة من حكم الفرد المستبد والفساد المنتشر وتحكم العائلة فى كل مجريات الحياة. لتخرج الثورة المصرية لتنير العالم وتبشره بالشعوب العربية العظيمة، التى وإن تحملت كثيرا من القهر والضغط والاستبداد، فإنها لن تترك ذلك إلى الأبد. فخرج الثوار ومعهم الشعب الليبى بعد أيام قليلة من نجاح الثورة المصرية وإسقاط حكم مبارك، واستطاعوا أن يهزوا عرش القذافى الذى نهب البلاد هو وأبناؤه، وما زال الرجل يعاند ويقتل المواطنين بدباباته ومدافعه وصواريخه التى اشتراها بأموال الشعب، ولا يريد التنازل عن السلطة طوعا. نفس الأمر حدث فى اليمن وخرجت الجماهير إلى الشوارع والميادين، وأصبحت هناك ساحات للمظاهرات والاعتصامات على غرار ما حدث فى مصر فى ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر، لكن الاستبداد والفساد ما زالا متمسكين بكرسى الحكم، لكن الشعب خرج ويصر على ثورته وإتمام انتصاره. فى نفس الوقت أيضا خرجت الجماهير فى سوريا تطالب بالإصلاح أولا، لكن بشار الأسد وعصابته لم يستمع إليهم، واستمر فى عليائه، ولم يفطن كغيره ممن سبقوه من المستبدين والطغاة، أمثال بن على ومبارك، إلى أن الشعوب خرجت من قمقمها تريد الحرية والكرامة والعدالة، وأن نظام بشار الأسد خال من تلك القيم وبالفعل قابل الاحتجاجات فى البداية بالقمع الذى كان يمارسه بمد سنوات حكمه الذى ورثه عن أبيه، وبدأ سقوط الشهداء ليخرج الشعب فى معظم المدن السورية ضد بشار وعصابته، وضد القمع والقهر، ولم ينفع معه الوعود التى لا تنفد دائما بالإصلاح والتغيير، ليطالب الناس «بإسقاط النظام». ومع زيادة القمع واستخدام بشار الأسد قوات الجيش فى ضرب وقتل المتظاهرين والثوار فى المدن المختلفة تزداد أيضا شعلة الثورة فى كل مكان فى سوريا، ويسقط الشهداء فيزداد عنفوان الثورة وتنتقل إلى مدن وقرى أخرى، فلم يعد هناك مفر للشعب السورى، إلا إسقاط النظام. وكل يوم يزداد تعاطف العالم مع الشعب السورى الثائر ضد النظام الذى لا يرضى بالرحيل ويوجه داناته ودباباته ومدافعه وأفراد جيشه الذين ينتمون إلى طائفته، إلى الثوار ويسقط شهداء جدد كل يوم.. ولا شك أن ما يحدث فى سوريا -وغيرها من البلاد العربية- له اهتمام كبير من الشعب المصرى ومصر الثورة، وهناك إدانات شديدة للصمت الرسمى من تلك الثورات. أى نعم هناك رد جاهز بأننا مشغولون بلملمة ما حدث فى مصر، خصوصا أن الثورة حدث كبير يحتاج إلى كثير من الجهد الذى يشغلنا عما حولنا حتى لو كانت ثورات اتخذت من ثورتنا الإلهام. وهو أمر مردود عليه بأن الشعب يريد الإعلان عن تأييد تلك الثورات، فهى امتداد لثورته العظيمة، وآن الأوان لبناء علاقات جديدة فى إطار إقليمنا العربى واستعادة الدور المصرى الرائد الذى تحترمه كل الشعوب العربية. ولعلنا نذكر الموقف الشعبى من الدكتور نبيل العربى الذى احترمه الرأى العام كثيرا ووضعه نموذجا يعبر عن الثورة المصرية فى الأيام التى قضاها على رأس وزارة الخارجية لتصريحاته عن الوضع العام العربى واستعادة الدور المصرى، لكن الأمر اختلف تماما عندما قام بزيارة إلى سوريا ولقائه بشار الأسد والحديث عن «مزاعم» بشار للإصلاح دون التطرق إلى الثورة ودماء الشهداء، فأسف الناس لهذا الموقف وشعروا بخيبة الأمل وفقد العربى كثيرا من الشعبية. وأمام المجازر التى ينفذها يوميا بشار الأسد لم يعد الصمت مجديا، فبدأ عدد من الدول العربية بما فيها السعودية الحديث عن تلك المجازر وإدانة ما يحدث، حتى الجامعة العربية تراجعت عن موقفها الصامت -وهى عموما لا حول لها ولا قوة – وخرج شيخ الأزهر عن صمته ليقول إن صبرنا على بشار نفد، والأمر تجاوز الحد. لكن الموقف الرسمى المصرى ما زال صامتا حتى إن خرج وزير الخارجية بتصريح باهت، فالشعب المصرى كله يريد تأييد الثورة ليس فى سوريا فقط، وإنما فى ليبيا واليمن وتأييد أى شعب عربى يريد التخلص من الديكتاتورية والاستبداد.