في مصر ترى ما لا تراه في بلد آخر يوميًا، من مفارقات قد لا يشعر بها العامة أو يحسونها، لكنها تبرز بشكل قوي مع كل أزمة تمر بها البلاد، وما أكثرها أزماتنا التي نعيشها طوال عمر الثورة منذ قيامها، فالكل يفهم ويقرأ ويحلل ويفند ويحكم ويخصم،ويجادل ومقتنع وقانع أنه هو من يحمل الحلول ولا يرى في نفسه أنه من الفلول، وكأننا في سوق عكاظ، لا تعرف من يقول ومن يسمع ومن يشتري ومن يبيع،وازداد السوق ازدحامًا بعد إعلان فوز الدكتور محمد مرسي بمنصب الرئيس، وعلت الأصوات التي لم نرها أو نسمعها ونسمع عنها من قبل خاصة في عهد النظام البائد، وكأنهم فجأة ارتدوا ثوب الشجاعة وخلعوا ثوب الجبن الذي ظلوا يرتدونه من السنوات ثلاثين ولا ينطقون كما أبو الهول، وأصبحت الوجوه بالمئات، تزدحم بها الفضائيات، والأقلام تتراص في الصحف، في الأولى قد لاتجد لها مكانًا تجلس فيه بأصواتها العالية السافلة، ولا مساحة في الثانية تسطر فيه ما تقطره الأقلام من هرطقات وخزعبلات،وأصبحنا أمام تخمة من الفاهمين وأصحاب الفتاوى، والعالمين ببواطن الأمور، ولا مجال للموضوعية والرأي السديد.. ولا خوف على وطن يئن بفعل افتراء أهله عليه.. والوطن صابر ويصمد ويتلقى الضربات ويمتصها، وينساها، معطيًا الفرصة لأبنائه ليرتدعوا ويخفّوا عنه ويرحموه يومًا ما،وهم أبدًا ما يرتدعون، وكأن الصدر الحنون للوطن فتح شهية الكثيرين ليزدادوا في غيهم وعنادهم، بالعمل ليل نهار على اللعب على أوتار قلب هذا الوطن، غير مقدرين قيمته وماذا يمكن أن يؤدي هذا الحقد والكره لبعضنا البعض لمجرد الخلاف في رؤى ووجهات نظر عن ماهية الدولة القادمة ومن يقودها..؟ فالكل يبحث عن دور و بأي ثمن ولو أدى لتدمير الوطن، وبلغت السفالة مداها وقلة الأدب منتهاها، وغاب الاحترام، وجميعكم تتفقون معي أن الاحترام اندثر، وما عاد كل طرف يعرف على أي أرض يقف وماذا قدّم لهذا الوطن؟.. فعندما تتأمل من يتحدث ويفتي وتفتش عما قدمه لمجتمعه وهل أعلى قيم الحرية والديمقراطية واحترم إرادة الأغلبية. وتُقيمه بشكل جيد تجد أمامه صفرًا كبيرًا مربعًا،ويوميًا نرى المنتفخة أوداجهم العالية أصواتهم، يُنصّبون أنفسهم بأنهم يعبّرون عن إرادة الشعب وتطلعاته وطموحاته وأمانيه،والطريف عندما تسمع أحدهم يتحدث تكاد تصدق ويصدقك أنه راعي حمى مصر وشعبها والباحث لهذا الشعب عن مخرج يضعه في مصاف أكثر شعوب العالم تحضرًا وتقدمًا، وأصبحنا أمام حالة سيولة حماسية تملكت الكل بعد فوز الدكتور مرسي بالرئاسة، ،وصلت لحد سبّ الرئيس وتوبيخه، والغمز واللمز بحقه بشكل متواصل عبر الصحف والفضائيات دون ذنب اقترفه الرجل، فهو لم ولن يكون في كل الأحوال أسوأ من سلفه، فمرسي أتى به الشعب ومبارك كتم أنفاس الشعب على مدار ثلاثة عقود.والفارق شاسع بين رئيس نحن من اخترناه، ورئيس هو من اختار أن يحكمنا، وهؤلاء هم من كانوا يستعدون لفرش السجاد الأحمر لتوريث جمال مبارك،حتى إنهم أثروا في قطاع كبير من الغلابة وصدقوهم، فيما كانوا يسعون إليه ويخططون له ليبقوا على تميزهم وتفوقهم،مجرد أنهم من أهل النخبة الفاسدة، ويهمهم أن تبقى دولة الفساد قائمة،لينهلوا من مالها ويقهروا شعبها ويغتالوه يوميًا، والآن استغلوا الثورة في النيل من رئيس الدولة المنتخب، من مستنقع قلة أدبهم وسفالتهم التي كانت قبل سنة حديقة من الأدب الجم، ورأينا فقط بعد الثورة صحافة وصفاقة سوق عكاظ، وإعلام أقل ما يقال عنه إنه فاسد ومفسد ولايريد خيرًا لهذا الوطن،والطريف أنهم يرون في أنفسهم أنهم هم من يخافون على البلد والحريصون على نهضته وتقدمه واستقراره، ولا ندري هل هؤلاء لا ينظروف في المرآة بعد عناء يوم كامل من النفاق والرياء، ويقرأون في وجوهم كذبًا بيّنًا ونفاقًا ضارخًا ويتذكرون كيف كانوا بالأمس وأين هم الآن.