هذا الشعب لابد أن يكون واحداً من اثنين .. إما شعب يكره نفسه ويرفض الانعتاق رغم ما يشيعون عنه من انه مصدر السلطات- ويأبى أن يصلح حاله ويعالج مصابه ويزيل عن نفسه ذلك القيد الثقيل من الفقر .. والجهل والمرض.. وإما أنه شعب زاهد ،قد تعود ذلك البؤس الذى يرتع فيه والحرمان الذى يأخذ بخناقه، وارتضى العيش، رافعا شعار الستر والنوم الآمن، ملقياً بحريته وكرامته في أقرب مقلب زبالة، وماأكثرها في ربوع مصر، رغم نجاح الثورة وانتصارها واقتلاع نظام فاسد من جذوره، الا انها رغم روعتها وتلقائيتها، كشفت عن سلبيات عديدة، يعاني منها المجتمع ويئن أغلبه تحت وطأتها،وتكشفت جميعها بصورة أو بأخرى في زمن، يعد وجيزاً عام ونصف العام فقط بعد الثورة، وتذكرت على الفور رواية (أرض النفاق) للرائع يوسف السباعي، والتي قرأتها قبل أن أبلغ العشرين من العمر، ووقتها كنت في سن المراهقة، وأجد في متعة القراءة متعة السنين، لتلتصق تفاصيل الرواية ومفارقاتها وتفاصيلها في ذهني دائماً ما أتذكره في مواقف عادة ماترتبط بالنفاق، فالرواية قصة خيالية حول عطار يبيع الأخلاق، فيذهب الراوى له ليأخذ منه سمات الأخلاق فيصطدم بالناس بخطاياهم وأكاذيبهم، ثم يلقى كيساً كبيراً من الأخلاق فى ماء النيل بعدما خيل له أنه يجمعها كما يجمع القطن، فيصيب الناس منه الأعاجيب، وعلى الرغم من أن الراحل السباعي كتبها عام 1949 ..الا انني أجد ما تحتويه الرواية، وهو خيال بالتأكيد، هو نفس الذي يدور على أرض الواقع في مصر الثورة، وكأن السباعي كان يرى هذا الشعب قبل 63 عاماً، فكلنا نعيش لعبة النفاق، وندعي سمو الأخلاق، والدعوة لتطبيقها، وفي ذات الوقت نخلع ثيابنا في الظلام ونطفىء الأنوار ونرمي الأخلاق في نهر النيل ونمارس اللعبة القذرة،ونخرج نهاراً بأخلاق أخرى وهكذا.. تذكروا جميعاً بعد نجاح الثورة وهدوء الاوضاع واطمئنان الشعب ان الأمور ألت اليه واصبح هو من سيقرر مصيره، واندفاعاته بشكل مذهل لممارسة سلوك رائع مرتدياً ثياب الأخلاق والسمو، بتنظيف ميدان التحرير والشوارع في كل محافظات مصر وطلاء الأرصفة، وتوسيع حلمه كشعب ليشمل وطناً بقدر وعظمة مصر،وعاش الجميع اللحظة وتأكد أن للوطن قيمة وأصالة يشعر بها من تذوقها واستمتع بها، ومع مرور الأيام والشهور تصدع جدار الأخلاق وبدأ ينهار بشكل سريع،وفر الأغلبية نحو كهف النفاق، وكأنهم أستوحشوا هذا الكهف والتعبد فيه،طالما لازموه ورأوا أن البعد عنه يسبب حساسية، تودي بحياة صاحبها. وجاء الطريق إلي انتخابات الرئاسة وما آلت اليه نتائج الصناديق تجسد حالة جانب كبير من الشعب ونفاقه لنفسه بتجسيد شخصيتين قبل وبعد الثورة، واستوحاشه لماض لم يستطع أن ينفض غباره، فرجع على عقبيه يشتم رائحته، ويسعد بجانبه، فلا يعقل أبداً أن يلهث مايزيد على 5 ملايين مصري وراء الصناديق ليصوتوا لشخص أحمد شفيق كوجه مألوف لديهم كلما رأوه بذكريات أليمة، ماتفسير تلك الحالة..؟ هل هؤلاء لم يؤيد ولو واحد منهم الثورة ويسعد بها ويذرف الدموع فرحاً بنجاحها..؟ بلا جدال ليس واحداً فقط بل ربما الملايين الخمسة أنفسهم فرحوا بالثورة بروحها بعبقُها بدماء شهدائها، وارتدوا ثوب الأخلاق والسمو وشعروا بقيمة اللحظة وانعكاساتها،لكنهم الآن طلوا علينا بوجه آخر بتأييدهم لواحد يعد من صلب النظام السابق،وإذا خطب فيهم أستأنسوا وصفقوا له طويلا، وهو الذي يتحدث بلسان ثورة وبقلب من هم في طرة وهم لايشعرون، وهم أنفسهم من أشعلوا فتيل الثورة..!! أليس هم ولا شعب آخر، بالتأكيد هم ،وبهذا السلوك بدت الدنيا بعد انتخابات الرئاسة أكثر ظلاماً ونفاقاً، وياللعجب أن يقتحم شفيق الثورة ويصفقون له ليتجسد النفاق بكل معانيه، وياللهول أن يتحدث محمد مرسي باسم الثورة، ويباركه الملايين من المخدوعين في الجماعة، ومابين هذا وذاك ماتت الأخلاق، وشوفوا الشعب .. مش هو نفسه الشعب.