بعد نكسة 67 التي اجتاح فيها الجيش الإسرائيلي الأراضي العربية، فيما عرف وقتها بحرب الأيام الستة، كتب الروائي الراحل يوسف السباعي «1917 - 1978» رائعة من أجمل إبداعاته الأدبية «أرض النفاق» - حولت بعد ذلك لفيلم سينمائي لعب بطولته الفنان فؤاد المهندس وشويكار وسميحة أيوب - حاول في الرواية أن يكشف النقاب عن «النفاق» الذي اجتاح المجتمع، في ذلك الزمان، وقال فيما معناه: إن النفاق إذا تحكم في المجتمع - والمؤكد أنه وحتي اليوم متحكم - فهو سيؤدي إلي تدهور القيم وغياب الأخلاق وفساد الذمم واختفاء الموضوعية، وصعود أنصاف المواهب علي أكتاف أصحاب المواهب الحقيقة - تستطيع أن تكتشف هذا في الصحف والقنوات الفضائية بسهولة هذه الأيام - وانتشار آلية دفن العدالة بين أكوام من نفايات الظلم، ونتيجة لكل هذا، فإن الشخصية «تتمزق» وهذا ما حدث للمجتمع المصري قبل النكسة، وبالتالي حلت النكسة ليس علي مصر فقط، بل علي الأمة العربية جمعاء، تلك التي كانت في خطابات وأدبيات جمال عبدالناصر من الخليج الثائر إلي المحيط الهادر، فاكتشفنا ذات صباح، أنه لا خليج «ثار» ولا محيط «هدر»! اليوم عندما ننظر إلي آفة «النفاق» في حياتنا بعد 25 يناير، نجد أنها زادت وعادت إلي سيرتها الأولي بصورة مستقرة في الأذهان، ومستفزة للوجدان ومدمرة للإنسان المصري الذي «ثار» بعد 25 يناير. ميدان التحرير أشهر ميادين الثورات في العالم اليوم، وجد - دون أن يطلب - من ينافقه واستمر النفاق حتي خرج الميدان ومن فيه عن عقلهم وهدفهم وحلمهم، المجلس العسكري - أيضاً - دون أن يطلب - وربما طلب - وجد من يناقضه، ويجعله يخرج عن عقله، وهدفه وحلمه، وإن كان البعض وأنا لست منهم يشكك في هذا الحلم ويعتبره كابوساً، طالما كان هذا الحلم هو البقاء في السلطة، ورغبته في أن تصل البلد إلي بر الأمان. من هنا انقسم الشارع المصري علي نفسه والإعلام - فضائيات وصحافة - هما أصحاب الفضل الأول في هذا الانقسام لأن فيهم من ينافق الثوار رغم أنه كان من أتباع أو أشياع النظام السابق ومنهم أيضاً من ينافق المجلس العسكري وميدان العباسية علي أمل أن تجهض الثورة وتتحول إلي اضطرابات سياسية، ومن ثمة يستمر النظام، بعد سقوط رؤوسه، يحكم فتعود الفائدة عليهم. فيا أيها «المنافقون» باسم النضال مع الثورة أو باسم الاستقرار دقيقة سكوت لله والوطن، حتي لا نصحو علي كارثة كالتي حدثت عام 67. وتحيا مصر