اللغز الذى يحيرنا هو كيف استطعنا تحرير أرضنا فى نصر أكتوبر بعد ست سنوات من نكسة يونيو ولم نستطع تحرير الإنسان بعد نحو أربعين عاما من نصر أكتوبر ليعيش حرا فوق أرضه المحررة.. حتى جاءت ثورة 25 يناير فى ميدان التحرير تطالب بتحرير الإنسان.. وقبل ثورة 25 يناير كان أحمد عرابى فى ميدان عابدين يطالب بإسقاط النظام.. وهو جالس فوق حصانه وأمامه الخديو توفيق وخلفه جموع الشعب المصرى.. ويقسم بأننا لسنا عبيدا ولن نورث بعد اليوم وبعد نجاح ثورة يوليو كان أول ما فعله جمال عبد الناصر هو إسقاط النظام الملكى وإعلان الجمهورية وتوزيع أراضى الإقطاعيين على الفلاحين وبناء السد العالى ونشر التعليم المجانى ورغم ذلك بقى الإنسان المصرى محاصرا بثالوث الفقر والجهل والمرض مجردا من حقوقه فى الحياة بعد أن انتهى مشروع عبد الناصر بنكسة 67. محمد البرادعى كثيرون حاولوا بعد النكسة فك شفرة هذا اللغز الذى يحول دون حصول الإنسان المصرى على حقوقه السياسية كتب نجيب محفوظ رواية «الكرنك» منددا بدولة المخابرات وكتب توفيق الحكيم «عودة الوعى» للإنسان المصرى بعد أن تحرر من طغيان زعامة عبد الناصر إلى جانب دعوة أحمد بهاء الدين لإقامة دولة عصرية.. بعد اكتشافه أن صراعنا مع إسرائيل هو صراع حضارى.. وليس مجرد صراع عسكرى ولكن هذا ما هو قاله الدكتور طه حسين وهو يدعونا إلى ثقافة البحر المتوسط وعبدالرحمن الكواكبى فى كتاب «طبائع الاستبداد» وحتى فى أيام الفراعنة كان «سنوحى» المصرى هو أول من دعانا إلى الحلم الحضارى عندما هاجر من بلادنا واختلط بحضارة مغايرة لحضارة الفراعنة وعاد إلى مصر وهو يحمل العلم والخبرة. وحتى فى أيامانا الحاضرة هناك من يقول إن شهداء العبارة وهم يزيدون فى العدد والعدة والتجربة والخبرة عن شهداء ميدان التحرير ويبلغ عددهم أكثر من ألف مواطن مصرى كانوا عائدين إلى مصر وهم يحملون الحلم الحضارى ومازالوا حتى اليوم ينتظرون فى قاع البحر الأحمر من ينتشل هذا الحلم قبل أن تلتهمه أسماك القرش وهناك من يقول إن سمكة القرش التى ظهرت عند شاطئ شرم الشيخ كانت تطارد واحدا من ركاب العبارة استطاع النجاة من الغرق وهو يحمل هذا الحلم وأن ألسنة النيران التى اشتعلت بفعل فاعل لتحرق العائدين من الخارج فى قطار الصعيد كانت تفتش فى الحقائب وتحت المقاعد.. لتلتهم هذا الحلم. وأن موقعة الجمل التى دار رحاها وتساقط فيها الشهداء لم يكن هدف الذين دبروها سوى اغتيال هذا الحلم.. حتى لا يعيش الإنسان المصرى حرا فوق أرضه المحررة ويقضى ليله فى خوف من هجمات اللصوص ونهاره فى الطوابير ينتظر رغيف العيش وكيس الأرز وتكون الأرض التى حررها من نصيب الحيتان والقطط السمان وهناك من يقول إن موقعة المقطم التى تساقطت فيها الأحجار على الدكتور محمد البرادعى وحطمت زجاج سيارته لمجرد أنه جاء ليشارك فى الاستفتاء ويؤكد حق المصريين فى الخارج فى المشاركة فى مستقبلهم على أرض بلادهم بعد أن حرمناهم من هذا الحق.. لأنهم يحملون الحلم الحضارى الذى يوحد المصريين فى الداخل والخارج فى مواجهة من يدبرون الفتنة الطائفية من لصوص الانفتاح والنظام القديم أحيانا أصدق هذه الأقاويل لعل هذا التصديق يهدينى إلى حل «اللغز» الذى يحيرنا جميعا. لغز تحرير الإنسان المصرى من ثالوث الفقر والجهل والمرض ليسهم بطاقته فى بناء حضارة العصر، مع أحمد زويل ومجدى يعقوب ومحمد البرادعى وفاروق الباز ومحمد غنيم وأحيانا لا أصدق هذه الأقاويل وأجد نفسى أمام لغز جديد.. هو كيف استطاع الإنسان المصرى أن ينشر العمران والتعليم والفنون والعلوم فى بلاد العرب من المحيط إلى الخليج.. وهو مكبل بالقيود ونظام الكفيل والزج فى السجون ونيران الحروب التى اشتعلت حوله فى العراق والكويت إلى جانب ما يعانيه هذه الأيام من مدافع القذافى وصواريخ الحلفاء.