البقاء لله في الأخلاق.. ومانجيلكمش في حاجة وحشة.. فقانون الغابة خلاص أصبح هو السائد في المجتمع.. والفساد استشري في الشركات والمؤسسات والهيئات الحكومية.. والخداع والتزوير باتا يحكمان الانتخابات.. والشرف ما هو إلا الشماعة التي يعلق عليها الفاشلون فشلهم والحجة التي يتحجج بها الأغبياء لمداراة فقرهم.. لم يعد هناك سبيلاً لتحقيق أي شئ أو أي تقدم في الحياة سوي أن تنافق.. ثم تنافق.. ثم تظل تنافق وتنافق وتنافق.. تلك هي خُلاصة الفيلم الجميل والبسيط والكوميدي «أرض النفاق» من إنتاج 1968 والذي كلما شاهدته تعجبت واندهشت واحترت وتساءلت بيني وبين نفسي في شك.. «هو إزاي نظام عبدالناصر سمح بإنتاج وعرض فيلم زي ده في وقت كانت فيه الأفلام حتي الكوميدي منها موجهة وواقعة تحت وصاية مجلس قيادة الثورة»؟! مؤخراً.. شاهدته ولاحظت ما لم ألاحظه من قبل.. لتزول دهشتي ويختفي تعجبي ويستريح شكي.. لوحة ثابتة علي الشاشة في بداية الفيلم خالص مكتوب عليها.. «أحداث هذا الفيلم مأخوذة عن قصة أرض النفاق للأستاذ يوسف السباعي الصادرة سنة 1948» هذا بالإضافة إلي أن سنة إصدار الرواية مكتوبة علي الأفيش أيضاً في سابقة من نوعها.. أيوه كده.. الآن باتت الأمور أوضح.. فالترجمة المنطقية لتلك اللوحة هي أن كل ما نتحدث عنه من خربأة في الأوضاع وبَوَظَان في الأخلاق وفساد في المؤسسات كان فيما قبل 1948.. أما بدءاً من 1952 وإنت طالع.. الأخلاق زي الفل ومافيش فساد خالص والحريات علي ودنه وكل حاجة في البلد ميت فل وخمستاشر! وهنا.. تتضح لنا المفارقة الكوميدية العبقرية.. فنحن أمام فيلم كوميدي اسمه «أرض النفاق» يتحدث عن مساوئ النفاق ويسخر من المنافقين.. ولكن.. ولكي يتمكن صُنَّاعه من إنتاجه وعرضه .. كان ينبغي عليهم أولاً أن ينافقوا مجلس قيادة الثورة !