عاد شمس بدران، 83 عاما، للظهور مرة أخرى على صفحات «المصرى اليوم»، من خلال الرسالة التى نشرها له الكاتب الصحفى محمد الصباغ، ووجهها إلى الشعب المصرى وإلى الإخوان على وجه الخصوص، واعتبرها كلمته الأخيرة.. ومع كل الاحترام لم أشعر بأهمية تلك الكلمة التى كتبها أحد أهم الضباط الذين صدرت بحقهم أحكام جنائية، بسبب مسؤوليته المباشرة عن هزيمة 67 بحكم أنه كان يشغل موقع وزير الحربية -الدفاع الآن- والحقيقة أن كل ذلك زمن فات والحقائق لا تزال مجهولة، وشمس بدران لديه الكثير مما يقوله يدين عبد الناصر، بينما الحقيقة لا يمكن أن نستقيها من طرف واحد بعد أن غيَّب الموت أغلب الأطراف الأخرى.
ولكنى أنتظر رسالة أو قل هدية أخيرة أتمنى أن يرسلها إلينا شمس بدران توضح جانبا آخر فى حياة هذا الرجل.. إنه عشقه للموسيقى، بل وكما قال لى الملحن خالد الأمير وهو ضابط سابق فى الجيش المصرى، إن بدران كان قد بدأ فى تعلم العزف على العود.. كان عاشقا للغناء وتحديدا لصوت عبد الوهاب، وبالفعل لديه أغنيات سجلها بصوته مباشرة له الموسيقار محمد عبد الوهاب على العود، وأصبحت بمثابة ثروة ضائعة يعرف مفتاحها فقط شمس بدران.. إنها ليست ثروة عبد الوهاب ولا هى ثروة مصر، إنها ثروة قومية عربية.
أحدثكم عن هذا التراث الضائع والنادر الذى سجله محمد عبد الوهاب فى النصف الأول من الستينيات بصوته، وهى المرحلة التى كان فيها صوته فى كامل قوته وعنفوانه.. هذا التراث الغنائى النادر كشف عنه الشاعر الكبير فاروق جويدة بعد رحيل عبد الوهاب قبل 21 عاما فى سلسلة الحوارات التى سجلها معه، وقال إنه كان يذهب إلى منزل شمس بدران الرجل القوى فى تلك السنوات، حيث كان يسجل بصوته ألحانا لقصائد من شعر أحمد شوقى وعزيز أباظة وكامل الشناوى وغيرهم.. بل إن حلم عبد الوهاب بتقديم أوبريت «مجنون ليلى» لأمير الشعراء أحمد شوقى سجله عبد الوهاب لدى شمس بدران، حيث غنى تلك القصائد بصوته وبألحانه.. شمس بدران طوال هذه السنوات لم يتعاقد على صفقات تجارية يبيع بمقتضاها هذه الألحان التى لا تقدر بثمن، وهذا التراث وتداوله هو حق مشروع لنا جميعا.
وإذا كانت لدى شمس حقوق مادية أو أدبية لتسجيله واحتفاظه كل هذه السنوات بتلك الألحان، فلا بأس من الاتفاق عليها، وإن كنت أعتقد أن من يصون هذه الألحان على مدى يقترب من نصف قرن ولا يفكر فى استثمارها تجاريا ليست لديه مطالب مادية، وإلا كان فعلها بعد رحيل عبد الوهاب مباشرة!!
ولا أدرى لماذا لم يستشعر أحد بأننا نفرط فى جزء من تاريخنا، وأن هذا التراث ليس ملكا حتى للورثة الشرعيين، ولكنه ملك لنا جميعا.. الألحان والأغنيات التى يحتفظ بها شمس بدران هى التى تستحق من الأجهزة الرسمية فى مصر التدخل لاسترجاعها.. البعض يقلل من قيمة هذه الألحان، على اعتبار أن عبد الوهاب قد أبدعها وهو واقع تحت سطوة شمس بدران الرجل القوى فى مصر. أتحدث بالطبع عن مرحلة ما قبل هزيمة 67، فهى ألحان تحت التهديد، ولهذا فإنها متواضعة فنيا، ونسى هؤلاء أن رائعة «أنت عمرى» التى لحنها عبد الوهاب لأم كلثوم قُدمت هذه الأغنية الاستثنائية بناء على أوامر مباشرة من الرئيس جمال عبد الناصر إلى عبد الوهاب وأم كلثوم.
عبد الوهاب طوال تاريخه كان حريصا على أن يقترب من السلطة، ولهذا أطلقوا عليه مطرب الملوك والأمراء، وغنى للملك، وعندما قامت الثورة غنى لجمال عبد الناصر.. ثم لحن أغنيات تشيد بإنجازات السادات ثم مبارك، ولهذا أعتقد أنه ليس فقط شمس بدران هو الذى سعى لمحمد عبد الوهاب، ولكن عبد الوهاب بمجرد أن استمع إلى طرقات شمس فتح له الباب على مصراعيه وهو سعيد بالاقتراب من السلطة من خلال واحد من أقوى رجالها.. هل يقدم شمس بدران هدية لا تنسى للمصريين ويرسل إليهم روائع عبد الوهاب النادرة.. وليعتبرها شمس بدران هديته الأخيرة لنا؟!
هل أطالب رئيس الجمهورية د.مرسى بالتدخل لاستعادتها، فهى بالتأكيد لا تقل أهمية عن استعادة عمر عبد الرحمن!