صحفى إسرائيلى يوجه سؤالا مباشرا إلى يسرى نصر الله فى بداية المؤتمر الصحفى لفيلمه «بعد الموقعة»: هل توافق على عرض فيلمك فى إسرائيل؟ جاء رد يسرى مباشرة: لن أسمح بعرض فيلمى فى إسرائيل.. تصفيق فى القاعة ويشارك باسم سمرة ومنة شلبى وناهد السباعى، أبطال الفيلم وهم على المنصة فى إعلان التأييد، وتعلو السخونة فى القاعة، ويتابع يسرى: لماذا تصفقون؟ أنا لى أصدقاء مخرجون فى إسرائيل مثل «عاموس جيتاى»، ولكنى لا يمكن أن أعرض فيلمى فى إسرائيل، طالما أنها تغتصب حقوق الشعب الفلسطينى. سلاح المواجهة الثقافية الذى نُشهره ضد إسرائيل ينبغى أن نعرف كيف نوجهه ليصيب الهدف.. مثلا فى هذه الدورة من مهرجان «كان» لا يوجد فيلم إسرائيلى فى المسابقة، ولكن هل ينسحب يسرى لو كان هناك فيلم إسرائيلى منافس له؟ بالطبع لا.. قبل نحو ثلاث سنوات شاركت السينما المصرية فى المسابقة الرسمية لمهرجان «فينسيا» بفيلم «المسافر» الذى أنتجته وزارة الثقافة، وكان لإسرائيل فيلم اسمه «لبنان» يتنافس على الأسد الذهبى، لم تنسحب مصر، ولم يطلب أحد منها ذلك، صحيح أن الفيلم الإسرائيلى حصل وقتها على الجائزة الذهبية، وخرجنا بلا أى جائزة ولا حتى تنويه، ولكن هذه قصة أخرى.
مصر ترفض أن تستقبل أى فيلم إسرائيلى، سواء فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى أو عرضا محدودا.. تتابع على رئاسة مهرجان القاهرة بعد الراحل سعد الدين وهبة كل من حسين فهمى وعزت أبو عوف وصولا إلى يوسف شريف رزق الله، ولا يزال الأمر قائما، لن يسمح بعرض فيلم إسرائيلى على أرض مصر.
وكان لسعد الدين وهبة رأى شائع يردده للصحافة الأجنبية، مؤكدا أنه على استعداد من الغد لأن يعرض فيلمًا إسرائيليًا فى المهرجان، على شرط أن تعيد حقوق الشعب الفلسطينى والجولان، فهو يعلم بالطبع أن إسرائيل لن تعيش إلا باغتصاب الأرض. هل حدثت اختراقات؟ نعم هناك عدد من المحاولات لإحداث ثغرة فى القرار الذى تلتزم به كل المهرجانات العربية، بل إن إسرائيل لديها عدد من الوقائع، وهى تسعى لإحداث ثغرة فى مهرجان القاهرة، أشهرها الفيلم الإسرائيلى الذى يحمل اسم «زيارة الفرقة»، والفيلم عرض فى قسم «نظرة ما» بمهرجان «كان» قبل خمس سنوات، ويحمل تعاطفا للمصريين، يتناول قصة مختلقة عن فرقة موسيقية مصرية تابعة للشرطة تضل طريقها فى إسرائيل وتضيع فى المطار وتذهب خطأ إلى قرية إسرائيلية، يحتفى بها أهلها، مؤكدين حبهم لكل ما هو مصرى، والفيلم يتخلله الكثير من الأغانى المصرية، وينتهى بموسيقى إسرائيلية ومصرية، والعلمان المصرى والإسرائيلى يتعانقان!!
الغريب فى الأمر أن هذا الفيلم كانت هناك محاولة موازية فى نفس العام (2007) لعرضه فى مهرجان «أبو ظبى»، بحجة أنه يقدم الشخصية المصرية برؤية إيجابية، ورغم ذلك فقد كان القرار هو الرفض فى المهرجانين، إلا أن الفيلم تسلل إلى مصر فى عرض محدود شارك فيه عدد من المثقفين، ولم يعلن سوى اسم واحد فقط وهو على سالم، الذى زار إسرائيل أكثر من مرة وحرص على إعلان ذلك.
سبق أن قاطع السينمائيون المصريون قبل نحو عامين مهرجان «الصورة» الذى يقيمه المركز الثقافى الفرنسى بالقاهرة، لأن المخرج والناقد الشاب أحمد عاطف اكتشف، وهو عضو فى لجنة التحكيم، أن فيلما إسرائيليا يشارك فى المهرجان، ورغم أن المركز الثقافى الفرنسى يعبر سياسيا عن فرنسا التى لا تمنع أن تستقبل أو تشارك فى إنتاج فيلم إسرائيلى، فإن المصريين لم يتراجعوا عن الموقف، وشاركوا فى وقفة احتجاجية قادها المخرج الكبير توفيق صالح. هل تملك إسرائيل أن تعاقب فنانا؟ أقصد اللوبى الإسرائيلى لو أنه أعلن عن موقفه.. أتصور أنه رغم قوة إسرائيل وتغلغلها السياسى فإن يسرى كان حريصا على تأكيد أن هذا الموقف مرتبط به شخصيا، وردا على السياسة الإسرائيلية، ولا يحمل بغضاء ضد اليهود كديانة، ولا ضد كل الإسرائيليين.. الثقافة هى السلاح الوحيد الذى لا يزال فى أيدينا، وينبغى أن يظل مُشهرا نرفعه فى اللحظة المناسبة، وأعتقد أن يسرى كان مدركا لكل هذه التفاصيل، وهو يلقى بكلمته «لن أعرض فيلمى فى إسرائيل».. يبقى أن ننتظر الفيلم فى المعركة الحقيقية التى يخوضها الآن فى مهرجان «كان»، أقصد معركة «السعفة»!!