وجد الناقد والمخرج المصري "أحمد عاطف" عضو لجنة تحكيم اتحاد النقاد الدوليين أن الحل الوحيد الذي يجنبه الاشتراك في التحكيم على فيلم إسرائيلي هو إعلان انسحابه من المشاركة في تحكيم أفلام المسابقة الدولية في المهرجان على أن يكتفي فقط بالإدلاء بصوته في الأفلام المشاركة في قسم "نظرة ما" وهو ما وافق عليه أعضاء لجنة تحكيم النقاد وهى لجنة موازية للجنة تحكيم المهرجان ويأتي تشكيلها من قبل اتحاد النقاد العالميين "الفيبرسي" وليس لإدارة مهرجان "كان" أي وصاية على تشكيلها أو قراراتها.. السر وراء انسحاب عاطف هو أن مهرجان "كان" عرض فيلماً إسرائيلياً ضمن فعالياته داخل المسابقة الرسمية بين 20 فيلماً.. الفيلم عنوانه "ملاحظة" والغريب أنه حصل على جائزة السيناريو من لجنة التحكيم الرئيسية للمهرجان ولم يكن يستحقها على الإطلاق!! لا تواجد لأي دولة عربية في المسابقة الرسمية للمهرجان لدينا فقط الفيلم اللبناني "هلا وين" وهي تعني "الآن إلى أين" باللهجة اللبنانية عرض في قسم "نظرة ما" بالإضافة إلى الفيلم المغربي "على الخشبة" في قسم "أسبوعي المخرجين".. ويبقى موقف المثقف العربي الذي يشارك في مهرجان دولي يعرض فيلماً إسرائيلياً هل يشارك في التحكيم أم لا؟.. المعروف أن كل المهرجانات العربية ترفض السماح بعرض الأفلام الإسرائيلية وهناك إجماع من مهرجانات القاهرة ودمشق وقرطاج ووهران وأبو ظبي ودبي والدوحة وغيرها بمقاطعة الفيلم الإسرائيلي ولا يسمح له بالمشاركة ضمن الفعاليات بعيداً حتى عن الطرح الفكري للفيلم.. وفى نفس الوقت فإن المحاولات الإسرائيلية لم تتوقف للنفاذ إلى أي مهرجان عربي بأفلام بعضها يدعو للسلام مثل "زيارة الفرقة" الذي تم إرساله قبل 4 أعوام لمهرجاني القاهرة وأبو ظبي بحجة أنه يوجه دعوة للسلام بين العرب وإسرائيل إلا أن إدارة المهرجانين تنبهت إلى ذلك ومنعت عرض الفيلم.. في العام الماضي واجه السينمائيين في مصر اختباراً آخر عندما وضع بين الأفلام المشاركة في مهرجان "الصورة" الذي يقيمه المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة فيلماً لمخرجة إسرائيلية وكان من بين المشاركين في لجنة تحكيم المهرجان بالصدفة المخرج والناقد المصري "أحمد عاطف" والذي لم يكتف فقط بالانسحاب من لجنة التحكيم بل وجه الدعوة إلى مقاطعة مهرجان الصورة وشارك مع عدد من السينمائيين في وقفات احتجاجية ضد المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة ولم يوافق السينمائيين المصريين على حجة المركز التي تؤكد أنه يتمتع باستقلالية سياسية تجعله ملتزماً بالموقف السياسي الفرنسي الذي يقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل وتم إلغاء المسابقة الرسمية لمهرجان الصورة وأقيم في نفس التوقيت مهرجاناً موازياً في قصر السينما التابع لوزارة الثقافة المصرية!! هناك قرار غير مكتوب يلتزم به أغلب المثقفين العرب وهو أنهم لا يشاركون خارج الحدود العربية في لجان تحكيم أي مهرجان عالمي إذا كان من بين الأعضاء فناناً أو مخرجاً إسرائيلياً ولهذا اشترط قبل ثلاث سنوات الناقد المصري "ياسر محب" عندما كان عضواً في لجنة تحكيم قسم "نظرة ما" بمهرجان "كان" ألا يشارك في اللجنة عضو من إسرائيل واعتبر هذا شرطاً لقبول عضوية اللجنة كما أنه تأكد من عدم عرض فيلماً إسرائيلياً في تلك المسابقة إلا أن الأمر يختلف مثلاً لو أن إدارة المهرجان العالمي عرضت فيلماً إسرائيلياً في هذه الحالة لا ينسحب الفيلم العربي المشارك في المهرجان وحدث مثلاً في مهرجان "فينسيا" في دورته قبل الأخيرة التي أقيمت عام 2009 أن شارك الفيلم المصري "المسافر" بطولة "عمر الشريف" وهو من إنتاج وزارة الثقافة وكان الفيلم منافساً للفيلم الإسرائيلي "لبنان" وحصل الفيلم الإسرائيلي على جائزة المهرجان - الأسد الذهبي - ولم تنسحب مصر حيث أن الاتفاق أيضاً العربي بين المثقفين يقضي بألا تترك لإسرائيل الساحة لأننا لو انسحبنا من المنافسة لن نشارك دولياً في أي مهرجان عالمي كبير وإذا كانت السينما الإسرائيلية قد انتصرت على الفيلم المصري في "فينسيا" فإنه قبل نحو 9 أعوام في مهرجان "كان" تنافس الفيلمين الفلسطيني للمخرج "إيليا سليمان" وهو "يد إلهية" مع فيلم لمخرج إسرائيلي "عاموس جيتاى" عنوانه "كيدما" وفاز الفيلم العربي الفلسطيني بجائزة لجنة التحكيم بينما خرج الفيلم الإسرائيلي خاوي الوفاض وذلك عند إعلان الجوائز الرسمية للمهرجان وهو ما تكرر أيضاً في جوائز اتحاد النقاد الدوليين المعروفة باسم "فيبرسي" عام 2002 حيث حصل الفيلم الفلسطيني على الجائزة وكان من بين أعضاء لجنة النقاد وقتها الناقد المصري "أمير العمري" فلم ينسحب من التحكيم ولكنه منح صوته للفيلم الفلسطيني وبالتأكيد فإن أغلبية المشاركين في اللجنة كان لديهم نفس التوجه وإلا ما حصل الفيلم الفلسطيني على الجائزة.. المؤكد أيضاً أن لجنة التحكيم لم تحسبها سياسياً عندما استبعدت إسرائيل من الجوائز ولكنها وجدت أن الفيلم العربي الفلسطيني "يد إلهية" أقوى إبداعياً فكانت الجائزة من نصيبه!! المخرج والناقد المصري "أحمد عاطف" عضو لجنة تحكيم النقاد هذه الدورة في "كان" وجد أن الانسحاب من ترشيحات القسم الخاص بفيلم المسابقة الرسمية بالمهرجان مكتفياً بمشاركته في مسابقة قسم "نظرة ما" حيث لا تواجد للسينما الإسرائيلية بل إن لبنان لديه فيلماً يتنافس على الجوائز!! الأمر يبدو حساساً لدى العقلية الغربية في أن تتقبل ببساطة تلك المواقف ولكن مقاومة المثقف العربي لشبهة التطبيع الثقافي مع إسرائيل سواء في المهرجانات العربية أو العالمية تتطلب دائما مثل هذه القرارات!!