يحيى قلاش يكتب: نواب البرلمان وكمين الداخلية يحيى قلاش مازالت الثورة المصرية قادرة على الحياة وتجديد حيويتها، وقادرة على الصمود في وجه محاولات الاحتواء والتشويه والسرقة والتصفية، وكلما تصورت عناصر قوى الثورة المضادة بكل أشكالها ومواقعها ونفوذها أن لحظة إعلان وفاة الثورة قد اقتربت فاجأتهم بخيبتهم وفشل رهانهم، وكلما تعرضت لمحنة أو أزمة ودخلت في اختبار صعب حولته بدماء الشهداء إلى طريق جديد للخلاص والتصميم على تحقيق أهدافها. في هذا السياق وليس غيره لابد أن نضع ونقرأ كارثة مذبحة بورسعيد، التي أدمت القلوب على زهور يافعة من شبابنا الذين انضموا إلى قوافل الشهداء، لكنها لم تطمس العقول ولو للحظة لنغفل عن أصحاب المصلحة في هذه الجريمة الحقيرة بعد أسبوع واحد من خروج ملايين المصريين يوم 25 يناير الثاني في جميع ميادين مصر، لقد أكد هذا الخروج المبهر وغير المسبوق منذ يوم خلع مبارك تصميم الشعب على استكمال ثورته وأنه لن توقفها مؤامرات الظلام أو صفقات العار. والبرلمان المصري الذي نراهن عليه، رغم كل الظروف المحيطة به، والذي ما كاد يفتح آلية للحوار بين الميدان والبرلمان يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي حتى وقعت المذبحة في اليوم نفسه، لا أحسب أن يتم جره لتفاصيل وفروع وترك أصل الموضوع ودوافعه والتوقيت والسياق الذي جرت فيه، لقد تحولت مناقشات البرلمان من محاسبة الحكومة وسحب الثقة منها والمطالبة بإقالة وزير الداخلية إلى الدخول في "كمين" مناقشة حماية محيط وزارة الداخلية، ومن الإصرار على حق التظاهر السلمي إلى جدل حول من هم الثوار ومن هم البلطجية، ومن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق تذهب إلى بورسعيد لتقول لنا من الذي يقف وراء ارتكاب المجزرة، إلى الاستنزاف في تشكيل عشرات اللجان والاجتماعات ومبادرات وقف العنف بين المتظاهرين والقوات التي تدافع عن الوزارة وتقف على بعد أمتار من المبنى لمنع اقتحامه، ومن مناقشة تفاصيل حدود الجدار العازل بين القوات وغيرهم إلى بحث إعطاء غطاء لمطاردة هذا الغير، الذي تحول في المناقشات إلى كائن مجهول تجرى مطاردته من مجرد أمتار أمام الوزارة إلى مسافات بعيدة في حرب شوارع، امتدت إلى نوبار وميدان الفلكى والتحرير وباب اللوق وحواري عابدين!! وجدنا النواب الذين كانوا يطالبون بإقالة الوزير ومحاكمته ضيوفا عليه في مكتبه يثني على مبادراتهم وبعدها وهم مازالوا على بعد أمتار من خروجهم تنهال قنابل الغاز وإطلاق الخرطوش ودهم العيادات الميدانية التي تتطوع بعلاج المصابين. لقد اندهشت من هذه النقلة التي مر بها البرلمان على مدى أيام قليلة في مناقشاته من غضب الأعضاء والمطالبة بتحقيق أهداف الثورة والقصاص للشهداء، وإصدار القوانين والتشريعات التي تسمح بمحاكمة كل من أفسد الحياة السياسية، وبسرعة تسليم السلطة إلى رئيس منتخب لضمان استقرار الأوضاع، وضرورة محاكمة سوزان مبارك وكل من أفسدوا مصر ونهبوا ثرواتها، لنسمع في النهاية صراخا مفتعلا يذهب بنا شرقا وغربا ويحذرنا من المخربين والعملاء ومن مؤامرات دولية تحاك لإسقاط مصر، وعن الإعلام العميل المشبوه الذي يسعى لهدم البلاد ويقف وراء كل مصائبنا، ثم ينتهي في النهاية إلى المطالبة بحق وزير الداخلية في تطبيق القانون وضرب النار على كل من يقترب من محيط الوزارة أو يعتدي على السجون وأقسام الشرطة!! أعتقد أن النائب الذي لا يعلم أنه ليس من مهمة البرلمان إعطاء إجازة بتطبيق القوانين هو في حقيقة الأمر يستغفل عقول أعضاء برلمان ما بعد الثورة بما لا يليق ولو بالحدود الدنيا للفهم، وبأساليب ساذجة لا تنطلي على أحد حتى لو كان عضوا في برلمان مبارك المزور. غير المقبول من نواب شعب قام بثورة أن يدخلوا في متاهة التفاصيل الإجرائية أو جرهم إلى خدع احترفها بعض الذين أدمنوا خدمة الأجهزة والأنظمة أو وقوعهم في "كمين الداخلية"، التي باتت لا تملك من أمرها شيئا. عودوا إلى مجزرة بورسعيد فالمستفيد منها هو الذي يدير مؤامرة إجهاض الثورة التي حملتكم إلى البرلمان وهو الذي يقود كل هذه الألاعيب.