بمناسبة مرور 51 عاماً على رحيل الشاعر بيرم التونسى، قرر محبوه إحياء ذكراه باقامة احتفال تم فيه القاء قصيدة بعنوان "سورة الكراكون" والتى كتبها بيرم ضمن مجموعة تضم 14 قصيدة مستخدما اللحن القرآنى، وتلك القصائد غير موجودة في أعماله الكاملة، وقد حدث هجوم من البعض على القصيدة اعتراضا على ما تم وصفه بتقليد القرآن وباعتبار أن قراءتها حرام، كما تم الرد على المعترضين بأشعار وأزجال كتبها بيرم فى حب الله والرسول تأكيدا لاسلام بيرم وايمانه. والموضوع ليس دفاعا أو هجوما على بيرم التونسي، وانما الموضوع عن محاولة تقليد القرآن الكريم والذي بدأ أثناء نزوله وحتى الآن، وهو من الموضوعات التي شغلت بال الكثيرين قديما وحديثا سواء اعجابا بنظم وتركيب آيات القرآن الكريم، أو طعنا فيه باعتبار البعض أن القرآن الكريم ليس بكتاب من عند الله تعالى وإنما هو كتاب تم تأليفه بمجهود بشري، مثلما قال كفار ومشركي قريش أن النبي عليه الصلاة والسلام تعلم القرآن من راهب اسمه بحيرا، أو أن الذي علمه هو ورقة بن نوفل ابن عم السيدة خديجة، وفي ذلك قال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) النحل103. وتأتي آيات تطالب المشككين في القرآن أن يأتوا بمثله، كما في قوله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) من الآية 23 من سورة البقرة، (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ) من الآية 38 من سورة يونس، (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ) من الآية 13 من سورة هود، (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) الإسراء 88، وقد ظن الكثيرين أن المطلوب هو تقليد صياغة القرآن الكريم من حيث النظم واللغة، ونلاحظ أن الله تعالى استخدم مشتقات اللفظ أتى في الآيات والذي له دلالة يجب فهمها. ونقرأ قوله تعالى: (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) الفرقان 33، وفي الآية خطاب للنبي عليه الصلاة والسلام عن قومه المشركين حين يذكرون له الأمثال التي هى من ثقافتهم وليست بوحي، لذلك استخدم تعالى لفظ (يَأْتُونَكَ) لأنه يعبر عن أن الأمثال هى من أفكارهم، وفي المقابل استخدم تعالى لفظ (جِئْنَاكَ) لأنه يعبر عن الوحي الحق والذي هو ليس من ثقافة الناس ولا من أفكارهم. فالتحدي قد تعدى حدود اللغة وصار يشمل مواصفات فكرة وصياغة الموضوع القرآني، فعلى من يريد أن يقلد القرآن الكريم أن يقوم بكتابة أي موضوع بحيث يحتوي على المواصفات القرآنية، فتكون الصياغة فنية وبلاغية، بحيث لا يمكن حذف أو إضافة أو تبديل أي كلمة أو حرف بدون أن يختل المعنى، وأن يحتوي على معلومات جديدة يتم فهمها والتأكد من صحتها مع تطور الأبحاث والاكتشافات العلمية، مثل هذه المواصفات هى التي تعطي للقرآن الكريم صفة التشابه أي نسبية الفهم الإنساني المتغير للمطلق القرآني الثابت. ان أغلب ما كتب عن إعجاز القرآن إنما يتعلق باللغة ولو كان الإعجاز لغوياً فقط يكون قد نجح في التحدي بعض من قاموا بصياغة بعض القطع الأدبية التي تقلد القرآن الكريم، مثل ما جاء عن مسيلمة الكذاب والذي قلد نظم القرآن مع تبديل الكلمة بأخرى على نفس الوزن، ومن أمثلة ما قاله مقلدا لسورة الفيل: "الفيل ما الفيل، وما أدراك ما الفيل، له ذنب ونبيل، وخرطوم طويل"، وهو يصف الفيل الذي لا يحتاج الناس لمعرفته، في حين أن آيات سورة الفيل تسجل حدثا به حكمة وفيه عبرة وكان من عناصره الفيل. ان قوله تعالى (بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) لا يعني كتابة كلام يقلد نظم وتركيب كلمات القرآن الكريم مع تغيير الألفاظ، وإلا فإن مسيلمة وغيره يكونوا قد نجحوا في أن يأتوا بسورة من مثله حتي ولو كان نظمهم ركيكا، ولكن (بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ) يعني كتابة كلام مختلف نظما وتركيبا أي أن تتم كتابة نوع رابع جديد معجز غير طرق الكتابة العربية المعروفة وهى الشعر والنثر والقرآن. وعلى ذلك فان ما كتبه بيرم التونسي يمكن اعتباره تأثرا واعجابا بنظم القرآن ولا يمكن اعتباره كفرا أو من المحرمات، الا أنه يبقى على المؤمن بالقرآن الكريم أن يتعامل مع كتاب الله تعالى بما يليق به من التقديس والتكريم فلا يقلده أو يستخدمه في الكلام أو الكتابة من شعر أو نثر بما يتنافى مع الاحترام الواجب لكلام الله جل وعلا، والله المستعان.