كان الموقف معقداً. لا يمكن أن يصدق أهل المريض أن السرير أصبح خالياً بالصدفة في نفس اللحظة التي وصلت فيها الرعاية. الحقيقة أن المريض الراقد فوق السرير مات منذ دقائق، فأصبح السرير متاحاً لأن يشغله مريض آخر. لكنها حقيقة غير قابلة للتصديق. سيتصور أهل المريض المحتاج لسرير رعاية مركزة أن الأطباء كانوا يكذبون عليهم. وأنهم سيستقبلونه الآن بعد حضوري.. «واسطة يعني». والحكاية أن مريضاً دخل قصر العيني في الطوارئ بعد إصابته في حادث.. كان المريض فاقداً للوعي وفي غيبوبة كاملة، أجريت له كل الفحوصات المطلوبة لتقييم حالته أثناء الليل وطوال النهار. أصبح احتياجه إلي دخول رعاية ووضعه علي جهاز تنفس صناعي واضحاً للجميع. رعاية الدور السابع الخاصة باستقبال إصابات الرأس في الحوادث كاملة العدد! سأل الأطباء في الرعايات المختلفة بقصر العيني المجاني.. كلها كاملة العدد. تطوعوا بالسؤال في مستشفيات قريبة.. فوجدوا سريراً متاحاً في إحدي رعايات «الدور الرابع في المنيل التخصصي». الأهل لا يملكون 3 آلاف جنيه تأمين الدخول. عند هذا الحد توقف الأطباء عن البحث. أحد أقارب المريض يعرف شخصاً ما يعمل في القاهرة، هذا الشخص يعرف صحفية كبيرة زميلتي اتصل بها وقال لها: «إحنا ملناش حد غيرك ينقذنا» فأصيبت بانهيار نفسي. اتصلت بي.. للأسف. أتلقي أسبوعياً مكالمة واحدة علي الأقل من شخص ملتاع .. مذعور.. يطلب نجدتي لأساعده في الحصول علي سرير في الرعاية المركزة في أي مستشفي مجاني أو خاص. وكالعادة.. قررت أن أبذل الحد الأدني من الجهد. ذهبت لزيارة المريض. المريض في الدور السابع في قصر العيني.. واحد من الأماكن القريبة إلي قلبي لأسباب كثيرة. تشجعت.. ذهبت.. دخلت.. استقبلتني أم المريض علي باب المصعد بعاصفة من الصراخ والبكاء.. «ابني.. وحيدي.. سندي.. نور عيني». تشجعت أكثر.. وعنفتها.. «اسكتي يا ست عشان أفهم.. كده فال وحش.. قولي يا رب». أجيد استخدام تعبيراتهم.. وأعرف طرقاً عديدة للسيطرة علي الموقف.. ونجحت. دخلت المكان المغلق.. بحثت عن الأطباء.. بالصدفة يعرفونني معرفة شخصية. بدأنا نتحدث عن إمكانية توفير الثلاثة آلاف جنيه لدخول رعاية المنيل التخصصي. حين أعلن أحد النواب وفاة أحد مرضي الرعاية منذ دقائق.. القانون يقتضي عدم إعلان وفاة الحالة وإبلاغ أهله إلا بعد مرور ساعتين علي الوفاة. لكن الأهم الآن هو ما سيعتقده أهل المريض عندما نبلغهم بوجود سرير متاح. الآن أريدكم أن تتخيلوا موقفي أو حالتي. جئت لأساعد مريضاً لدخول الرعاية فتحقق هدفي بأسهل مما كنت أتصور لكن طريقة شديدة القسوة!!