بقاء مصر حتي الآن علي قيد الحياة، رغم كل ألوان الفساد البشع تنهش لحمها وعظامها لسنوات طويلة، وهو فساد يكفي بعضه للقضاء نهائيا علي دول أخري.هذه الظاهرة يراها البعض «معجزة» ويفسرها الكثيرون بأن الله سبحانه وتعالي يهيئ لمصر عددا من أبنائها البررة المخلصين في كل زمان وفي أكثر من مكان، يقف كل منهم علي ثغرة من ثغور هذا الوطن مدافعا بشراسة ضد قوي الفساد.هذا التفسير اكتشف كل يوم أنه التفسير الأقرب إلي الصواب. وأجد في كثير من مواقف الدكتور زاهي حواس الشاهد الحي علي صواب هذا التفسير. فهذا الرجل يقف علي بوابة خزائن مصر التي تحتوي علي كنوز تفوق قيمتها المادية والتاريخية أرقاما تتجاوز آلاف المليارات. وكانت هذه الكنوز علي مر العصور هدف عصابات النهب من كل أنحاء العالم. واستعانت هذه العصابات بشركاء من المصريين الذين باعوا ضمائرهم وانتماءهم الوطني لمافيا تهريب الآثار المصرية. وعندما آلت مفاتيح هذه الخزائن إلي الدكتور زاهي حواس بدأ علي الفور في سد كل الثغرات التي يتسلل منها لصوص الآثار. وزاد علي ذلك التصدي بعلمه لمزوري التاريخ الذين يريدون سلب مصر شرف مساهمتها الجبارة في الحضارة الإنسانية بإنجازاتها التي حفظتها آثارها في كل العهود الفرعونية والقبطية والإسلامية. وأخيرا رأي عباقرة مافيا الآثار أن يسلكوا طريقا آخر لاستئناف عمليات النهب الكبير لكنوز مصر. رأي هؤلاء العباقرة أن المناخ الآن في مصر يسمح لهم بأن «يقننوا النهب» وأن يحولوا جريمة السرقة إلي «تجارة مشروعة» يحميها القانون؟! وغم أن أي عاقل لا يمكن أن يصدق أن يتم مثل هذا العبث الإجرامي في أي بلد محترم، فإن مافيا نهب الآثار كان لها رأي آخر، فهذه المافيا تعلم أن في مصر الآن قيادات تحتل أعلي المناصب وتملك النفوذ الطاغي الذي لا تستطيع أي قوة أن تعارضه، وتعلم أن هذه القيادات تبارك كل نشاط لكسب الملايين بأي وسيلة. معرفة مافيا نهب الآثار بهذه الحقيقة جعلتها تدفع بالبعض لتقديم تعديلات علي مشروع حماية الآثار المصرية، يسبغ «الشرعية» علي نهب الآثار تحت مسمي «التجارة». ولحسن حظ مصر أن الحارس الأمين واليقظ علي كنوزها الأثرية تصدي من فوره وبكل صلابة لجريمة تقنين «سرقة» ونهب كنوز مصر الأثرية. ولحسن حظ مصر أيضا أن الوزير الفنان فاروق حسني لم يترك الحارس اليقظ وحده ليواجه شراسة مافيا نهب كنوز مصر، فوقف الوزير بصلابة كتفا بكتف يساند حارس الآثار في أعنف مواجهة مع عدد من أصحاب السلطان ومعهم - أي مع أصحاب السلطان ومن ورائهم مافيا نهب الآثار - عدد من أعضاء مجلس الشعب الذين ائتمنتهم الأمة علي مصالحها والمفترض أن يقفوا في مواجهة سارقي كنوز مصر الأثرية باعتبار أن حماية هذه الكنوز الأثرية هي من أهم المصالح العليا لمصر. لم يهتز إيمان الدكتور زاهي حواس، ولم يفزعه احتشاد جيوش من المسئولين الكبار لإجباره علي ترك «ثغرة» ينفذ منها لصوص الآثار، ولو أن الرجل سمح لنفسه بأن يضعف أو أن يترك هؤلاء المسئولين ليحققوا هدفهم بمنطق أنه أدي واجبه ونبه إلي خطورة الوضع، لو فعل ذلك لما انتقده أحد وسوف يلتمس له العذر الكثيرون لأنه يدخل معركة غير متكافئة مع مافيا تملك المليارات وقيادات عليا تملك النفوذ القوي وأعضاء سلطة تشريعية يمثلون مؤسسة من أهم مؤسسات الدولة.. لو اكتفي زاهي حواس بإبداء الاعتراض وترك هذه القوي الرهيبة لتنفذ جريمتها لكان له العذر. لكن زاهي حواس نمط من الرجال الذين وهبهم الله الصلابة وقوة الإيمان والثقة العميقة في الله والوطن والشعب، بهذه الصفات وبمؤازرة من الوزير فاروق حسني تصدي الرجلان لأشرس هجمة لمافيا نهب كنوز مصر الأثرية، وانتصرت قوة الإيمان بالله والوطن علي قلة عددها.. وبنصرها انتصرت مصر، وحفظ الله لهذا البلد كنوزا لا تقدر ماديا وأدبياً بأموال العالم كله. ومع فرحتي كمصري بانتصار مصر.. فإنني أشفق علي حارس كنوز الآثار المصرية د. زاهي حواس من مؤامرات خسيسة وأثق أن من هزمهم في معركة حماية آثار مصر لن يتوقفوا عن التآمر ضده للثأر من هزيمتهم الفاضحة.