مع بداية شهر رمضان بدأ عرض مسلسل "الحسن والحسين" والذي أثار الجدل والخلاف حوله، وبعيدا عن الانتقادات التي وجهت الى العمل فالسؤال الأساسي هو: هل تجسيد شخصيات الصحابة وآل البيت فى الأعمال الدرامية حرام؟، ولتحديد الحلال والحرام نجد أن الأصل فى التشريع الاسلامى هو الاباحة وأن الحرام هو الاستثناء، قال تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) من الآية 119 من سورة الأنعام، فالقرآن الكريم ذكر المحرمات بالتفصيل كما في آيات النساء 23، المائدة 5، الأنعام 151، ولو كان لأحد الحق في التحريم لكان النبي عليه الصلاة والسلام أولى بهذا الحق في التحريم، مما يترتب عليه أن يضيف تعالى في آية الأنعام 119 "وقد فصل لكم ما حرم عليكم وحرم رسوله". ولكننا نجد أن الله تعالى عاتب النبي عليه الصلاة والسلام في تصرف شخصي حين حرم أشياء على نفسه من أجل إرضاء زوجاته ولم يأمر عليه الصلاة والسلام الناس بهذا التصرف، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) التحريم 1، وبداية الآية (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) مما يدل على أن الرسول كان معصوما في أداء الرسالة وبلاغ التشريعات في القرآن الكريم، لأنه لو بدأ تعالى الآية "يا أيها الرسول" فهذا يعني أنه عليه الصلاة والسلام له أن يحلل ويحرم من الناحية التشريعية وهذا لم يحدث. وتجسيد شخصيات الصحابة فى الدراما ليس ضمن المحرمات المذكورة فى القرآن الكريم، مع الوضع في الاعتبار أن الله تعالى هو وحده صاحب الحق في التحريم لأنه تعالى يعلم النافع والضار للناس. وقد يقال أن الدراما لم تكن موجودة وقت نزول القرآن الكريم فتستلزم تشريعا جديدا وهذا القول يعني أننا نحتاج لرسالة جديدة وهو غير صحيح لأن الاسلام اكتمل بالقرآن الكريم ومن السهل تطبيق التشريعات من خلال فهم القرآن الكريم وما فيه من مقاصد تشريعية بالتأكيد على قيم العدل وحرية الرأى والفكر والمعتقد وتيسير وحفظ لحقوق الناس مع امكانية النهي الظرفي عن فعل بعض الأشياء وليس تحريمها. ولكن ماذا لو تعرض العمل الدرامي الى الصحابة بالاساءة؟ في هذه الحالة ليس للسلطة أن تتدخل بالمنع أو المصادرة لهذا العمل، وعلى الأخرين انتاج عملا يتم فيه توضيح الحقائق التاريخية. لقد سجل لنا تعالى بعضا من أقوال الكفار حين كانوا يتهكمون على النبى عليه الصلاة والسلام وكان يمكن تجاهل أقاويلهم فالقرآن الكريم ليس تأريخا للسيرة النبوية، قال تعالى: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا . أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلا مَّسْحُورًا) الفرقان 8-7. لقد استخدم تعالى أروع البيان فى تقديم قصص الأنبياء فى القرآن الكريم، وتعتبر الدراما من الأدوات التي اذا تم احسان استعمالها أدت الى التنوير، ويمكن من خلالها اظهار أن الأنبياء بشرا ولكنهم أرقى البشر خلقا وعملا، وان كان من الأفضل في التعامل مع شخوص الأنبياء عليهم السلام أن لا يتم ظهور من يمثل شخوصهم واذا تم اللجوء لذلك فمن الأنسب أن يتم تغطية الوجه مثلا بهاله من الضوء مثلما حدث من قبل في مسلسل ايراني كان يتناول قصة السيدة مريم فتم عمل هذه الهاله على وجه من يمثل شخص النبي زكريا عليه السلام، هذا عن الأنبياء فما بالنا بأصحابهم وأتباعهم. لقد تم تحويل الحرام إلى أساس للحياة وأصبح عقلنا تحت سيطرة فكر التحريم لأن الحق والباطل متداخلان بحيث يتم تمييز الحق عن الباطل لفترة ثم يعود التداخل من جديد، فإذا سمع المسلم عن أي اختراع فإن أول ما يسأل عنه هل هو حرام أم حلال؟ قبل أن يسأل عن كيفية عمله وفوائده. قال تعالى: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون (البقرة 42، أي بعد تمييز الحق عن الباطل يجب أن لا نخلطهما ثانية لذلك قال تعالى (وأنتم تعلمون). ان معارضة هذه النوعية من الأعمال الدرامية لن ينتهي ولكنه سيعطى دعاية لهذه الأعمال ومن يعترض عليها فعليه أن يرد بعمل آخر وبشكل راق بدون مصادرة لفكر أو رأى، مع الوضع في الاعتبار أن الله تعالى هو الذى سيحكم بيننا يوم القيامة فيما نحن فيه مختلفون.