«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأحاديث النبوية بين التلفيق والتوفيق، شهر الصيام نموذجاً..
نشر في شباب مصر يوم 12 - 07 - 2010

نعود اليوم لنقرأ قول الحق سُبحانه: " ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" بعيداً عن كل موروث أموي وعباسي، وبعيداً عن كل تأويل وفقه يهدف إلى إثبات صحة الصحيحين.. مع التأكيد بداية على أنه لا يوجد أية قيمة لكتب الأحاديث بمعزلٍ عن كتاب الله تعالى، بينما كتاب الله يبقى مُحتفظاً بقيمته بدون هذه الكتب.
لقد شاء الحق سُبحانه، أن يكون الكتاب الذي تنزل على قلب رسول الله (ص) وحياً، مُعجز لكل العصور، لصلاحيته لكل زمان ومكان، ولدقته في تراكيبه ومعانيه، ولخلوه التام من الترادف (اشتراك لفظين في حمل معنى واحد) والحشو واللغو والعبثية، ويقوم فقط على حقائق تؤيدها كل يوم الاكتشافات العلمية الحديثة، وخالٍ من الأوهام والأباطيل والتناقضات، ولا سبيل لأي مؤلف لغوي أن يستبدل أو أن يضيف أو أن يحذف كلمة واحدة - وإلا فسد المعنى - وقطعاً لا يحتاج إلى البخاري ومُسلم والترمذي وبن ماجة وأبو داود ومسند أحمد وغيرها من كتب الأحاديث التي أساءت للمسلمين وأصابت الإسلام وقيمه الإنسانية في مقتل.
فالتنزيل الحكيم صادقٌ مُتطابق مع الواقع ويغني عن أي قول وعن أي إجماع، فعندما يقول الحق سُبحانه: "ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" (البقرة: 187) فهذا حديث صادق لا تشوبه شائبة، "وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا" (النساء: 87) وعندما يروي البخاري ومسلم في صححيهما، عن عمر بن الخطاب أن النبي (ص) قد قال: "إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، ((وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ؟!)) فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ" فهذا خبر مشوه يرفضه القرآن جملة وتفصيلاً، كذلك المنطق، لأن في الحديث شُبهة. إذ كيف تكون العِبرة بغروب الشمس، والنبي (ص) إن (صَحَّ عنه) هذا الحديث، قد حصرَ ذلك بأمرين مُتلازمين: (إدبار النهار وإقبال الليل) لذلك، فإننا نكاد نجزم بأن جملة "وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ" هي من الحشو وتحريف الكلام من بعدِ مواضعه، والتقول على النبي – صلوات الله عليه. ومن ناحية ثانية، فالحديث يوحي بأن إقبال الليل يسبق إدبار النهار وغروب الشمس، وهذا مُحال عقلاً ولا يستقيم مع فصاحة الرسول الكريم. (فلو صَحَّ) هذا الحديث عن النبي (ص) لجاء مُطابقاً لقوله سُبحانه: "ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" وعلى هذا النحو: إذا أدبر النهار من ها هنا، وأقبل الليل من ها هنا، أفطر الصائم.
نأمل أن يعذرنا القارئ الكريم إن أطلنا، فالمقام قد يقتضي ذلك، فنحن نحقق في روايات يحاول أصحابها الضحك على عقولنا. لنقرأ سوية هذا الحديث التي يبرز فيه التناقض وتغيب عنه المصداقية:
"حدثنا إسحاق الواسطي حدثنا خالد عن الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهو صائم، فلما غربت الشمس قال (لبعض القوم؟) يا (فلان؟) قم فاجدح لنا، فقال: يا رسول الله (لو أمسيت) قال: أنزل فاجدح لنا، قال: يا رسول الله (فلو أمسيت) قال: أنزل فاجدح لنا، قال: (إن عليك نهارا) قال: أنزل فاجدح لنا، فنزل فجدح لهم فشرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: (إذا رأيتم الليل قد أقبل) من ها هنا فقد أفطر الصائم!"
فهمنا من هذا الحديث المكذوب على الرسول الله الكريم، بأنه صلوات الله عليه، شرب قبل أن يُمسي وكان عليه نهاراً، بالرغم من إصرار (فلان؟) عليه ثلاث نوبات بالانتظار، والسؤال الذي يثور في رأسنا ولا يهدأ: كيف لنا بأن نوفق بين شرب الرسول (ص) في النهار (إن عليك نهارا) وقبل أن يُمسي (فلو أمسيت) وبين قوله:"إذا رأيتم الليل قد أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم؟" إذ إنه من غير المعقول أن يفطر الرسول (ص) وعليه نهاراً، وفي نفس الوقت يتلو على المؤمنين قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ، ثم لماذا لم يخبرنا الراوي عن طبيعة هذا السفر، وعن أسماء الذين كانوا برفقة رسول الله (ص) في هذا السفر المزعوم، ومن هم بعض القوم المجهولون الذين قال الرسول (ص) لأحدهم يا فلان، قم فاجدح لنا؟ أليس لهذا الفلان المجهول اسم أو لقب يُكنى به ؟ وهل يَصِحُّ أن نأخذ بهذه الرواية المُختلقة ونُلقي بقول الحق سُبحانه: " ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" وراء ظهورنا؟!
مهمة الرسول – صلوات الله وملائكته عليه
لقد أشرنا في بحثنا " قراءة مُعاصرة في خصائص اَلسُّنَّة النبوية" إلى مهمة رسول الله (ص) التي حصرها الحق سُبحانه، في البلاغ المبين، وانتهينا بعدها إلى القول: بأنه من حق الناس والنبي (ص) بصفته نبياً وإماماً وقائداّ ومؤسساً لهذه الأمة في سن القوانين التي لا تتصادم مع سُنن قوانين الله، لأن سُنة (قوانين) الله تعالى هي المُهيمنة على سُنن البشر في كل الأحوال. وأشرنا إلى حقيقة هامة، وهي أن سُنن (قوانين) العليم القدير، ثابتة أزلية، بمعنى أنها لا تتأثر بالزمان ولا بالمكان، ولا يُمكن لها أن تتصادم مع الحقائق الكونية، لا تتبدل ولا تتحول لقوله سُبحانه: فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ( فاطر 43 ) بعكس سُنن النبي (ص) الصحيحة (الفعلية والعملية والمُتواترة) فهي ليست ثابتة، ولكنها ظرفية زماناً ومكانا، متحركة تُراعي احتياجات الناس وَمُتَطَلَّبَاتهمْ اليومية، وهي ليست وحيا. والمدقق في مرامي آيات التنزيل الحكيم، يرى وبوضوح دقة تراكيبه ومعانية التي لا تقل عن دقته سُبحانه وتعالى في خلقه لهذا الكون من أصغر ذرة إلى أكبر مجرة، فلكل حرف في التنزيل الحكيم وظيفة ولكل كلمة مُهمة، فما هي مهمة الرسول (ص) المُحددة في ضوء التنزيل الحكيم؟ القول الفصل نجده في هذه الآيات الواضحة التي لا تقبل التأويل:
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ (فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (التغابن:12)
(فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ) وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (آل عمران:20)
وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ (أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) (المائدة: 92)
وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ) وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (الرعد:40)
بعد تدبر هذه الآيات التي لا تقبل التأويل، نخلص إلى القول بأن كل ما فعله النبي (ص) بعيداً عن الرسالة ليس تكليفاً شرعياً، وأن مهمة الرسول (ص) الوحيدة تقتصر على تبليغ الرسالة التي تَنَزّلت على قلبه وحياً، كاملة بأوامرها ونواهيها، لقوله تعالى:
أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ (مِنَ النَّاسِ) إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (المائدة:67)
لقد نظرنا في قوله تعالى:" مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَٰكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (الأحزاب: 40) فوجدنا ثلاثة مقامات للنبي الكريم، صلوات الله عليه: محمد الرجل، محمد النبي، ومحمد الرسول. فأعماله وأقواله (ص) من مقام الرجل غير ملزمة لأحد، كعلاقته الزوجية والأسرية، وشرابه وطعامه ولباسه، ومعاشه وغدوه ورواحه، وحزنه وفرحه، كذلك الأمر في المقام الثاني، (النبي) لأن جميع آيات الطاعة كانت لمقام الرسول (ص) حصراً، وأن الأوامر والتنبيهات التي جاءت إلى النبي (ص) مُخاطبة إياه بعبارة "يا أيها النبي" احتوت على تعليمات وإرشادات أو حالات خاصة بمقامه كنبي كريم وليس لها عَلَاقَة بالحلال والحرام، وأنه لا يوجد في التنزيل الحكيم آية قرآنية واحدة تقول: وأطيعوا النبي. أما المقام الثالث والأخير، فهو مقام محمد الرسول، صلوات الله عليه.
لقد جاءت طاعة الرسول (ص) المُكلف (حصراً) بتبليغ الرسالة للناس بأوامرها ونواهيها (مُقترنة فقط بالرسالة المكلف بتبليغها) لقوله سُبحانه: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( آل عمران: 132) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (المجادلة: 13) وقد عزز سبحانه وتعالى هذه الطاعة بربطِها مباشرة بطاعته بقوله: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّه وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (النساء: 80) فالنبوة أنباء وعلوم تحتمل التصديق والتكذيب، والرسالة أحكام وتشريعات تحتمل الطاعة والمعصية. إن المعيار الوحيد للأخذ بِالسُّنَنِ النبوية (الأحاديث) هو انطباقها على التنزيل الحكيم والواقع المُعاش، فإن تعارضت تركناها"
زعموا بأن اَلسُّنَّة "الأحاديث" شارحة مبينة لأحكام الكتاب
ونحن نقول هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، فإذا كانت مهمة الرسول (ص) وكما تزعمون بيان التنزيل وشرحه، فأين هذا الشرح المزعوم وهناك سوراً بأكملها لم يشرح الرسول (ص) منها حرفاً واحدا، وفي نفس الوقت بين أيدينا عشرات التفاسير، إن اتفقت على مدلول آية اختلفت في غيرها؟ وما هي الحكمة التي غابت عنا من وجود هذا العدد المرعب من التفاسير المغلفة بالأحاديث المكذوبة على رسول الله (ص) والإسرائيليات، التي أضحت تلموداً للمسلمين، ومصدراً من مصادر تفسيره؟ ثم كيف نوفق بين قوله سُبحانه: "يسألونك، وقل؟" وقوله: (أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً) و (تبيانا لكل شيء) (قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ) (فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا)؟ والأهم من ذلك كله: أين تفسير الرسول الكريم الحصري من بين هذه التفاسير المُرعبة وشرحه صلوات الله عليه، لهذه الكلمات المص، يس، حم، ألم؟
وأخيراً وليس آخراً، فبعد بحث حثيث، وجهد كبير، فإنني لم أجد من بين هذه التفاسير (الطائفية) ما يستحق أن يكون مَرْجِعًا يُعتد به، لأن هذه التفاسير وعلى سبيل المِثال وليس الحصر، لم تُفرق بين النبي والرسول، وبين الكتاب والقرآن، والفرقان والذكر، والإمام المبين، أو بين الزوج والبعل، أو بين الولد والأب، الوالدة والأم، النفس والروح، الموت والوفاة، القضاء والقدر، القتال والقتل والجهاد، الخبر والنبأ، القسط والعدل، الحظ والنصيب، الفعل والعمل، جاء وأتى، التبذير والإسراف، الفريضة والكتابة، الوصية والموعظة، العام والسنة، الوقت والزمن، النوم والمنام، المطر والغيث، والأهم من ذلك كله، إنها لم تُفرق بين التحريم والنهى والمنع، هذه الأمور إن جاز لنا أن نتغافل عنها في الكتب والمجلات والصحف، فلا يحوز لنا ذلك البتة ونحن نتدبر آيات التنزيل الحكيم. للأسف الشديد، عند أئمة التفسير كله صابون!
أقوال السادة العلماء
لقد أجمع السادة العلماء سلفا وخلفاً، بأن الحكم الشرعي للإفطار "يكون عند غُرُوب الشمس، ولا عبرة بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق، وفور سماع الآذان لصلاة المغرب، ومن خالف ذلك فقد اتبع سبيل غير المؤمنين، وابتدع ما ليس له به برهان ولا إثارة من علم" وهذا ليس عندنا بشيء، نرده على أصحابه رداً جميلاً، وقطعاً لن ندق به أعناق المعارضين الذين يتصدون لنا كحراس للشريعة، بالويل والثبور وعظائم الأمور، منهم من يحرمنا الجنة، وآخرون يدخلوننا النار، وكأنهم ظل الله في الأرض! وبعيداً عن التطويل المُمل والإيجاز المُخل، وانطلاقاً بأن كتاب الله تعالى هو أساس الأسس، وأصل الأصول، وأنه المحك المعياري التي يحب أن تقاس عليه كل الأحاديث النبوية، فإننا نجزم بأن فصل الخطاب هو في قوله سُبحانه وتعالى في هذه الآيات التي لا تقبل التأويل:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿183﴾ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿184﴾ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿185﴾
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (البقرة: 187)
فالمتأمل في قوله تعالى يخرج بمفهومين اثنين، أولهما: إن الإمساك عن الأكل والشرب (حصراً) وعدم مُباشرة النساء وفي المساجد على وجه الخصوص، وإتمام الصيام إلى الليل هي حدود الله التي لا يجوز الاقتراب منها، وثانياً: إن حد البداية للإمساك عن الأكل والشرب، ومُباشرة النساء، هو تمييز الخيط الأبيض من الخيط الأسود من (الفجر) وحد النهاية للإمساك عن الأكل والشرب ومباشرة النساء هو (الليل) وليس المغرب كما هو معتمد عند أصحاب الفهم المغلوط للسنة النبوية. فالفرق بين المغرب والليل لا يخفى على أهله، إلا على من أنكر وكابر من الذين إذا ذُكر القرآن وحده ولوا على أدبارهم نُفُورًا. فلو ضربنا في الأرض من شرقها إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها، وطلبنا من تلاميذ الصفوف الابتدائية تعريف الليل، لأجابوا ببداهة: بعد صلاة المغرب. فغروب الشمس هو الطرف الثاني من النهار، وشروق الفجر طرفه الأول، كما في قوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ (هود: 114) ودلوك الشمس (ميلها إلى المغيب)
نحن ننطلق من أن التنزيل الحكيم وحيّ سماوي وصياغة إلهية، صاغها صانع هذا الكون، صُنع الله الذي أتقن كل شيء، ومن هنا نؤكد على أنه لا مجال إطلاقاً للقول بأن الليل هو أول الغروب، بدليل أن الفجر غير النهار، والتنزيل الحكيم بين لنا بأن المغرب كينونة بحد ذاته، كذلك الليل، وأنه بين الغروب والليل بقية من ضوء الشمس وحمرتها في الأفق بعد الغروب، أطلق عليه التنزيل الحكيم (الشفق) أنظر إلى قوله تعالى إن شئت: فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (الانشقاق: 15-17) "فإذا غاب الشفق، أقبل غسق الليل (الزُلفه الأولى) أفطر الصائم" فالليل ضد النهار، والنهار ضياء، (والليل ظلام) وهذا ما قرره التنزيل الحكيم وأشار إلى بوضوح تام في قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ (مُظْلِمُونَ) (يس:37) وفي حياتنا اليومية نستخدم اليوم الشمسي، ويقسم هذا اليوم إلى 24 فترة متساوية تسمى كل فترة ساعة والتي تقسم بدورها إلى 60 دقيقة، والدقيقة تقسم أيضاً إلى 60 ثانية، وقد كان تقسيم اليوم إلى 24 فترة معروفاً لدى العرب، وتسمية كل فترة باسم مناسب حسب موقعها من الليل أو النهار كما في الجدول.
1- الشروق 2- البكور 3- الغدوة 4- الضحى
5- الهاجرة 6- الظهيرة 7- الرواح 8- العصر
9- القصر 10- الأصيل 11- العشي 12- الغروب
13- الشفق 14- الغسق 15- العتمة 16- السدفة
17- الفحمة 18- الظلمة 19- الزلفة 20- البهرة
21- السحر 22- الفجر 23- الصبح 24- الصباح
نعود إلى التنزيل الحكيم، ونحن متفقون على صدقه وخلوه من حشو الكلام، لنقرأ قول الحق سُبحانه: "فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" (حضور الشهر) لنجد أنفسنا أمام حقيقة قرآنية مُغيبة، فالفجر والليل هما المرتكزان، أو قل إن شئت المعياران الأساسيان لمن أراد صيام الشهر، وركنين لا يُفصمان أبداً لقوله تعالى: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" (البقرة:187) وبغياب ركن منهما أو كلاهما كما يحدث فعلاً في مناطق النرويج القطبية، وفيها أعداد غير قليلة من المسلمين، يعانون من طول النهار وقصر الليل، تبقى الشمس فيها مُشرقة أربع وعشرون ساعة لأكثر من ثلاثة أشهر في السنة، ناهيك عن دول أخرى لا تغرب فيها الشمس، ويمتد فيها فصل الشتاء لستة أشهر متواصلة، يبرز أمامنا سؤال كبير، خلط فيه الأئمة - رحمة الله عليهم - خلطاً فاحشاً. إذ كيف يمكن لمن أراد صيام الشهر من أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر بداية، ثم إتمام الصيام إلى الليل والشمس مُشرقة؟ حيث يكون الإفطار في بعض المناطق القطبية في الساعة الحادية عشر ليلاً، والإمساك عن الطعام في الثانية فجراً، (تسعة عشر ساعة بالتمام والكمال) مما يتعارض مع قوله تعالى تعارضاً عمودياً: "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" (البقرة: 185) وقوله: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج: 78) فقوله تعالى:"فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" فالإشارة هنا واضحة: فمن شهد حضور الشهر بركنيه، "فجره وليله" صام الشهر، ومن لم يشهده أفطر ولا جناح عليه، والله أعلم.
أقوال السادة العلماء في صيام الحائض
قالوا: إنه لا يجب على الحائض الصيام "اتفاقاً" فإذا صامت أثمت.. وإذا صامت فلا ينعقد صيامها.. ووقع باطلاً! وقال ابن عبد البرّ، رحمه الله: وهذا إجماع! أن الحائض لا تصوم في أيام حيضها وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، لا خلاف في شيء من ذلك والحمد لله! وما أجمع المسلمون عليه فهو الحق والخبر القاطع للعذر.. وقال الله عز وجل: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا، والمؤمنون هنا الإجماع! لأن الخلاف لا يكون معه إتباع غير سبيل المؤمنين، لأن بعض المؤمنين مؤمنون وقد اتبع الْمتَّبِع سبيلهم، وهذا واضح يغني عن القول فيه. "انتهى"
وقال الإمام النووي رحمه الله: لا يصح صوم الحائض والنفساء، ولا يجب عليهما، "ويحرم" عليهما ويجب قضاؤه؟! وهذا كله مُجْمَع عليه! ولو أمسكت لا بنية الصوم لم تأثم، وإنما تأثم إذا نوته وإن كان لا ينعقد! "انتهى".
إن التحريم الفقهي للأئمة الذين ضّلَوا وأضّلَوا، وعلى قدم المساواة مع المحرمات التي جاءت صريحة في التنزيل الحكيم يكون نوعاً من الشرك الذي أشار إليه قوله تعالى: "وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ" ﴿يوسف: 106﴾ فالشرك هو لسان حال أكثر منه لسان مقال، وليس بالضرورة أن يكون علنياً، وللشرك أنواع، أسوأ أنواعه هو شرك التجسيد الذي لا يغتفر. ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أذكر قارئ التنزيل الحكيم بقوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا" ﴿النساء:48﴾ وقد يكون خافياً على البعض من أن جُل محاولات الفقهاء الإحاطة بتصرفات العباد والتضييق عليهم يدخل في باب الصناعة الفقهية لا أكثر ولا أقل من ذلك. فالأصل في الأشياء الإباحة، فلا حرام إلا ما حرم الله سُبحانه، وهذا من رحمته على عباده لتضيق دائرة الحرام، لتتسع دائرة الحلال، رِفقاً وَرَفَعَا للعنت والحرج، كما في قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (الحج: 78)
أنظر إن شئت كيف استبدل القائلون بتقديس التراث وأصحاب التراث آيات التنزيل الحكيم بالذي هو أدنى، بالأحاديث والروايات المُمتلئة بالطمي والرمم، والغث والسمين، والموضوع الكثير والصحيح القليل كمصدر للدين والعلم، حتى وقع السواد الأعظم من المسلمين في المحظور، والعُلماء الأفاضل في الحرام. لقد حرّموا ما أحله الله بالرغم من قوله تعالى في آيات لا تقبل التأويل، كقوله: "وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ. (النحل: 116)
لقد خُتم الإسلام متكاملاً بالرسول الكريم لقوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (المائدة: 3) فالمدقق المتجرد في مرامي هذه الآية يدرك واقعيتها ومحاكاتها للمنطق، لذا فالمحرمات أغلقت بالرسالة المحمدية، وكل فتاوى التحريم مرفوضة جملة وتفصيلاً، وإلا وقعنا فيما وقع فيه الذين اتَّخَذُوا "أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ" (التوبة:31) والمحرمات في التنزيل الحكيم ستة عشر، لا أكثر ولا أقل من ذلك، تسع منها في سورة (الأنعام:151) مضافاً إلها الأطعمة المحرمة (المائدة: 3) (الأنعام: 119) ومحارم النكاح (النساء: 23) وربا "الصدقات" (البقرة: 275) والأشهر الحرم (التوبة: 136) وصيد البر في حالة الإحرام (المائدة: 96) وتحريم القتال في مكة (المسجد الحرام) (النمل: 191) والإثم والبغي بغير الحق (الأعراف: 33)
فإن سأل سائل: ألم يقل الحق سُبحانه: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا" نُحيب بالقول: الآية الكريمة التي دأب السادة العلماء بإخراجها من سِباقها وسِياقها عن عمد أو غير ذلك، تتحدث حصراً عن مصارف أموال الفيء الغنائم ووجوهه، وتتحدث عن نصيب الرسول (ص) منها وذي القربى واليتامى والمساكين ومستحقيها من المسلمين، وتحث المسلمين على طاعة الله تعالى في أوجه صرف الفيء، وطاعة رسول الله (ص) في هذه الآية تحديداً، هي طاعة خاصة بها لا تشمل العمومية، ولا يجوز سحبها على كل ما ورد في كتب الأحاديث. فقوله سُبحانه: "وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا" فالإشارة هنا واضحة إلى أن للنبي (ص) أن (يأمر وينهى) ولكن ليس له أن يُحل الحرام، أو أن يُحرم الحلال. فالحلال والحرام أبدي وشمولي وتوقيفي من الله حصراً، لا شريك له فيه، حيث أنه من بديهيات المنطق، الإقرار بأن المُحرمات لها خواص لا يُدركها إلا العليم البصير، كامل المعرفة في الغيب والشهادة، التي لا يحدها الزمان ولا المكان، هذه المعرفة لا يملكها رسول من عند الله، أو فقيه، ولا إجماعاً أو مجلس نيابي. الأمر والنهي أمرٌ يشترك فيه الله سبحانه وتعالى والناس، فإذا فهمنا ما سبق حق الفهم، وعلى ضوء ذلك، تُصبح كل التشريعات التي شرّعها الفقهاء ولا أصل لها في كتاب الله، باطلة نصاً وروحاً، ولا مكان لها في شرع الله الذي لا يشرك في شرعه أحد، (كائناً من كان)
نأتي الآن إلى الدليل الذي أتكئ عليه القائلون بالتحريم، وكما توقعنا تماماً، فقد كان حديثاً مكذوباً على رسول الله (ص) على لسان أبي سعيد الخدري: "حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال أخبرنا محمد بن جعفر، قال أخبرني زيد هو ابن أسلم عن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن، فاني أريتكن أكثر أهل النار‏،‏‏‏ فقلن: وبم يا رسول الله قال: ( تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين اذهب للب الرجل الحازم من إحداكن‏)‏‏‏ قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال:‏ أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟‏ قلن: بلى‏،‏ قال:‏ فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ،‏ قلن: بلى‏.‏ قال:‏ فذلك من نقصان دينه.."
فهمنا من هذه الرواية المكذوبة على أن النبي (ص) قد أفسد على هؤلاء النسوة وعموم معشر النساء يوماً من أيام عيد الفطر أو عيد الأضحى بأن قال لهم: بأنهن أكثر أهل النار، وأنهن يكثرن اللعن، ويُكفرن العشير وأنهن ناقصات عقل ودين؟! وهذا ليس عندنا بشيء لسببين اثنين: أولهما: ليس في كتاب الله تعالى ما يؤيده، فشهادة رجل بامرأتين لا علاقة له ألبته بنقصان العقل لا من قريب أو بعيد، فقوله تعالى أوضح من أن ينكره عاقل " إِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ (أنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ) (البقرة: 282) ولا يوجد عقل ذكر وعقل أنثى، فالعقل عقل وقوده العلم والثقافة، وهما أمران مُتاحان للمرأة والرجل على حد سواء، والقول بأن الحيض يُنقِص الدين فهو قول مُتهافت، لأن الدين لا ينقص أبداً، وهو أكبر من مجرد الصلاة والصوم، والله سُبحانه وتعالى أكبر وأعقل من أن يجعل من الحيض الذي أبدعه سُبحانه وتعالى (هو) فيها سبباً لتحقيرها ونقصان دينها، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
والسبب الثاني هو أن الخطاب القرآني جاء عاماً بالنسبة لصيام شهر رمضان " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون (البقرة: 184) فالشارع الحكيم لم يشترط على الصائمين والصائمات الطهارة البدنية مُطلقاً، وللقائلين بتحريم صيام الحائض نقول: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فالبينة على من ادعى. أما إذا كان صيام الحائض فوق طاقتها الجسدية، فعليهن ما على المسافر والمريض: فعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر، وهذا ما قرره التنزيل الحكيم فقط، وغير ذلك هو من التقول على الله سُبحانه، ورسوله الكريم (ص) نرفضه جملة وتفصيلا.
سوف أختم هذه الفقرة بكلمة أخيرة أوجها إلى الأخوات الحائرات في مصداقية الحديث المكذوب على الرسول الكريم (ص) ناقصات عقل ودين: مجرد قبولك بهذا الحديث المكذوب على رسول الله (ص) الذي وصفك بناقصة العقل والدين، يعني بالضرورة إقرارك ضمنياً بنقصان عقلك ودينك، وبكل ما تناولته كتب الفقه التراثية التي أفتت بوجوب مخالفة المرأة في كل شيء لأن في مخالفتها بركة! ودعوا إلى حبسها حبساً مُطلقاً، وشبهوها بالعبد على نحو ما قاله ابن تيمية "بأن المرأة كالعبد، فكلاهما مملوك."
يقول الإمام الغزالي في "كتابه علوم إحياء الدين، الجزء الثاني من الباب العاشر: "ذلك أن القول الجامع في المرأة أن تكون قاعدة في مقر بيتها، قليلة الكلام لجيرانها، لا تخرج من بيتها، ولا ترى الرجال ولا يراها الرجال، فإذا اضطرت للخروج بإذن زوجها، خرجت خفية في هيئة رثة!" أما الزواج عند الغزالي فهو بالنسبة للمرأة في كتابه المشار إليه آنفا، "مجرد نكاح فقط بين السيد وجاريته، والنكاح نوع من الرق، فالزوجة رقيقة عند زوجها، وعليها طاعته مطلقاً، وعليها أن تقدم حقه وحق أقاربه على حقها وحق أقاربها، كذلك عليها أن تكون مستعدة لزوجها في جميع أحوالها ليتمتع بها، والرجل هو السيد المطاع، لا يشاور المرأة، فإذا شاورها خالفها، لأن في خلافها بركة، لأن كيد النساء عظيم، وسوء الخلق وقلة العقل من صفاتهن! فعلى الرجل أن يكون حذراً منهن.. أما المرأة الصالحة فيهن فهي كمثل الغراب الأعصم بين مائة غراب!" (انتهى)
هكذا تم تحقير المرأة والحط من مكانتها بصياغة إطار فقهي بشري عنوانه العريض:(قال النبي وقال الرسول) ضاربين تعاليم الإسلام وقيمه الإنسانية بعرض الحائط، مستهترين بكرامة النفس البشرية التي كرمها الله الحق سُبحانه.
الحكمة من صيام رمضان
من هنا نقرر جازمين بأن الغاية الأساسية، أو قل إن شئت الحكمة الإلهية من صيام شهر رمضان (حصراً) هي في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة: 183) فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب طاعة لله الذي شريك له، وإيثاراً لرضاه، والمخاطبون في هذه الآية يعلمون مقام التقوى عند الله ووزنها في ميزانه، وهي غاية تتطلع إليها النفس البشرية امتِثالاً لأمره واحتساباً لأجره، ففي الصوم تزكية للنفس والبدن، وتضيق لمسالك الشيطان، وللنفس الأمارة بالسوء، فإذا كانت التقوى كذلك، وهي قطعاً كذلك، فإنني ومن هذا المقام أتوجه إلى عموم المسلمين، وأهل اَلسُّنَّة على وجه الخصوص، بأن يتقوا الله في صيامهم وإفطارهم، وأن يُتموا صيامهم إلى الليل، "فإذا غاب الشفق، أقبل غسق الليل وأفطر الصائم" وصدق الله العظيم الذي قال: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون.
أدعوه سُبحانه وأتضرع إليه، أن يتقبل صيامكم وأعمالكم، وعملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يكتب له توفيقاً من عنده، وقبولاً من الناس أجمعين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.