يمثل انتخاب روبرت فرنسيس بريفوست؛ البابا ليو الرابع عشر عام 2025، إنجازًا تاريخيًا، إذ أصبح أول بابا أمريكي فى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الرومانية الممتد على مدى ألفى عام. وقد أثار هذا التطور غير المسبوق جدلاً سياسيًا واسع النطاق فى وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية، مركزًا على التفاعل المُعقد بين هويته الأمريكية، والدور العالمى للبابوية، والتداعيات الجيوسياسية لقيادته. ◄ انتخابه يفتح صفحة جديدة في علاقة الفاتيكانبالولاياتالمتحدة والعالم لطالما كانت البابوية حذرة من انتخاب بابا من دولة تعتبر قوة عالمية مهيمنة، مثل الولاياتالمتحدة، بسبب مخاوفها بشأن استقلال الكنيسة عن النفوذ السياسى العلماني. تتمتع الولاياتالمتحدة بقوة عسكرية ودبلوماسية وثقافية هائلة فى جميع أنحاء العالم، مما جعل فكرة البابا الأمريكى تبدو مستبعدة تاريخيًا، وفقًا لموقع شبكة «CNN» الإخبارية الأمريكية. وهكذا، يتحدى انتخاب بريفوست هذا التحريم الراسخ، مبشرًا بمرحلة جديدة فى علاقة الفاتيكان بمراكز القوى العالمية. ومع إقرار وسائل الإعلام البريطانية بالطابع التاريخى للبابا الأمريكي، فقد شددت على السياق العالمى الأوسع الذى يشكل بابويته. وتشير هذه الوسائل إلى أن هوية بريفوست ليست أمريكية فحسب؛ فهو يحمل أيضًا الجنسية البيروفية وقضى جزءًا كبيرًا من حياته فى بيرو. هذه الهوية المزدوجة تجعله شخصيةً تأثرت بتأثيرات أمريكية ولاتينية، مما قد يمكنه من التعامل مع جمهور الفاتيكان العالمى بفعالية أكبر. يعكس انتخابه استراتيجيةً تتبعها الفاتيكان لموازنة النفوذ الأمريكى برؤية عالمية أوسع وأكثر شمولًا، بحسب ما ذكره موقعا «Vox» و»نيويوركر» الأمريكيان. ◄ اقرأ أيضًا | «روبرت بريفوست» على رأس الكنيسة الكاثوليكية| البابا الجديد يطل على العالم ◄ الأهمية السياسية يُنظر إلى انتخاب البابا على نطاق واسع على أنه حدث جيوسياسي، نظرًا للنفوذ العالمى للولايات المتحدة، وتؤكد وسائل الإعلام الأمريكية أن هوية البابا ككاردينال أمريكى تضع الكنيسة فى موقع فريد يمكنها من التعامل مع قضايا السياسة الداخلية والخارجية الأمريكية بشكل مباشر أكثر. وقد رحب مؤتمر الأساقفة الكاثوليك فى الولاياتالمتحدة بانتخابه باعتباره لحظةً تبعث على الفخر والأمل، مشيرًا إلى أن دعوته للسلام والوحدة تعد إشارات إلى اتجاه جديد لانخراط الكنيسة العالمي، وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية «BBC»، تصوره وسائل الإعلام الأمريكية كشخصية، وإن كانت أمريكية المولد، إلا أنها لا تتبنى أيديولوجية «أمريكا أولاً» القومية التى روج لها الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب. فى الواقع، لاحظ السياسيون أن رؤية ليو الرابع عشر للعالم تبدو متعارضة مع الترامبية وحركة «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، حيث انتقدته بعض الأصوات المحافظة، مثل «ستيف بانون»، علنًا ووصفته بأنه «الخيار الأسوأ للكاثوليكيين المنتمين لحركة «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، بحسب ما ذكره موقع «بوليتيكو» الأمريكى. ◄ موقف ترامب ورغم هذا التباعد الأيديولوجي، أعرب ترامب نفسه عن حماسه للانتخابات، واصفًا إياها بلحظة فخر وطنى وشرف كبير للولايات المتحدة، وأعرب عن نيته لقاء البابا الجديد، مشيرًا إلى حرصه على التواصل مع الفاتيكان فى ظل هذه القيادة الجديدة. يُسلط هذا التناقض الضوء على الديناميكيات السياسية المعقدة المتأثرة؛ فموقف البابا المعتدل والتقدمى تجاه قضايا مثل السلام والحوار والشمول يتناقض مع العناصر الأكثر قومية ومحافظة داخل الكاثوليكية والسياسة الأمريكية. ◄ التحديات والآفاق تتفق التحليلات البريطانية والأمريكية على توقع أن تكون نظرية البابا ليو الرابع عشر ذات طابع سياسي عميق، تتشكل من خلال نهجه فى التعامل مع الصراعات العالمية المستمرة والسلطة الأخلاقية للكنيسة. اشتهر سلفه، البابا فرنسيس، بمواقفه الصريحة بشأن الحرب والفقر وتغير المناخ، والتى غالبًا ما كانت تتحدى القادة السياسيين حول العالم. يرث ليو الرابع عشر عالمًا اتسم بالصراعات العنيفة وعدم الاستقرار الجيوسياسي، وقد شددت رسائله الأولى على السلام والحوار كموضوعين رئيسيين. ◄ توقعات يتوقع أن يعيد انتخاب بابا أمريكى صياغة العلاقات بين الولاياتالمتحدةوالفاتيكان. وتتكهن وسائل الإعلام الأمريكية بأن مصداقية ليو الرابع عشر الفطرية قد تعزز نفوذ الفاتيكان داخل الولاياتالمتحدة، وخاصةً بين الجمهوريين الكاثوليك الذين كانوا يجدون سابقًا مواقف البابا فرنسيس التقدمية بعيدة عن آرائهم. قد تعزز قيادته حوارًا أكثر دقة بين الكنيسة والفصائل السياسية الأمريكية، مما قد يسهم فى تجسير الهوة بين القضايا الخلافية مثل الهجرة والفقر. ويؤكد التعليق البريطانى أنه على الرغم من أهمية الهوية الأمريكية للبابا، إلا أن ولاءه الأساسى يبقى للكنيسة الجامعة وليس لأى أجندة وطنية. إن حذفه للغة الإنجليزية فى مباركته الافتتاحية، مفضلاً الإيطالية واللاتينية والإسبانية، يُشير إلى جهد متعمد للتأكيد على الطابع العالمى لرسالته بدلاً من طابعها الأمريكى البحت. يفسر انتخاب البابا ليو الرابع عشر أيضًا على أنه نقطة تحول ثقافية للولايات المتحدة. تصفه مجلة تايم بأنه أكثر من مجرد انتصار كاثوليكي؛ إنه لحظة تُعيد تعريف النفوذ الأمريكى على الساحة العالمية - ليس من خلال القوة السياسية أو الاقتصادية، بل من خلال القيادة الأخلاقية والروحية. يُشكِّل هذا التحول تحديًا للربط النمطى بين الشهرة الأمريكية والثروة والشهرة أو القوة العسكرية، مُقدِّمًا صورةً من التواضع والدعوة إلى العدالة.