ينقسم أساتذة الجامعات في تعاملهم مع أوضاعهم المالية المتردية والمسيئة إلي معسكرين: الأول كان يتعامل مع القضية تحت شعار «هاتوا لي حبيبي»، ثم طور نفسه مؤخرا وبات يرفع شعار «زودني شكرا»، ومنهجه الراسخ هو انتظار ما لا يأتي، وانتظار جهود الزملاء والوزارة في تحسين مأمول للدخول. أما المعسكر الثاني فهو معسكر يؤمن بأن الحل في يد رئيس الجمهورية بعد أن فشل الجميع في التفاوض مع يوسف بطرس غالي، الذي تفنن في التملص مما سبق الاتفاق عليه متمثلا في الزيادة المشروطة التي تتحفظ الأغلبية علي شروطها وآليات متابعة شروطها، ومع هذا لم تدخل المرحلة الثانية من تلك الزيادة حيز التنفيذ حسبما تم الاتفاق مسبقا. مناسبة الحديث هي حالة الغليان التي بدت واضحة في اجتماع نوادي هيئة تدريس جامعات مصر الذي عقد منذ أيام في جامعة الأزهر. فالاجتماع شهد حضورا مكثفا لرؤساء وممثلي الأساتذة من جميع أنحاء مصر، علي عكس اجتماعات سابقة، ويبدو أن هناك مستجدًا دفع الأساتذة للاحتشاد يتمثل في دعوة د. إبراهيم البحراوي (الأستاذ بجامعة عين شمس) أساتذة الجامعات للتحرك بعد أن اجتمع بالمهندس أحمد عز.. وطالبه بالتدخل لسن قانون يرفع رواتب أعضاء هيئة التدريس، فجاءت إجابة عز تحمل ما يفهم منه أن الأجواء مهيئة لتحسين الأوضاع المالية علي أن تكون البداية من خلال تحرك نوادي هيئة التدريس، المقال الذي حمل عنوانا له دلالته «هبوا أساتذة الجامعة» -ونشرته المصري اليوم- فهمه ممثلو أساتذة الجامعات علي أنه ضوء أخضر ممن يتحكمون في أغلبية مقاعد مجلس الشعب. لكن الاجتماع نفسه كاد يتحول عن مساره بسبب قضايا فرعية لولا حنكة رئيس الجلسة د. حسن عويضة (رئيس نادي هيئة تدريس الأزهر) ود. ياسر زكي (رئيس نادي هيئة تدريس جامعة الإسكندرية). خلال اجتماع جامعة الأزهر تبين أن قسما كبيرا من أعضاء هيئة التدريس يطالب الآن بلقاء مع الرئيس مبارك لكي يضع حدا لهذه المهانة التي يتجرعها منذ سنوات، خاصة أن الأزمة التي يعيشونها الآن هي نتاج عدم تنفيذ توصيات الرئيس التي أعلنها في عيد العلم عام 2007، مع الوضع في الاعتبار أن أعضاء هيئة التدريس يتمسكون بحقهم الأصيل في زيادة مباشرة للكادر الوظيفي (الذي لم يتزحزح منذ أكثر من 35 عامًا)، ويرفضون تماما توقف أو تأخر أو غموض صرف دفعات مقابل الجودة، خاصة أنه من البدهيات أن نهضة مصر لن تتحقق ودكتور الجامعة لا يكفيه دخله، ويبقي مطالبا بأن ينفق علي أبحاثه ومظهره. لقاء الرئيس ومطالبته بالتدخل هو المحطة التالية في رحلة أساتذة الجامعات نحو اقتناص حقوقهم المهدرة، وفي تقديري أن الطريق للقاء إيجابي مع الرئيس لن يكون قصيرا ولن يكون ممهدا، علي الرغم من أن الرئيس يتحمل المسئولية الإشرافية عن سياسة «تقتير هنا وإسراف هناك» التي يتبعها وزراء المالية المتعاقبون منذ سنوات، ولذا يجب صياغة خارطة طريق للقاء ولتدخل الرئيس.. تركز علي خلق أجواء من شأنها أن تقنع الرئيس بتغيير أولوياته، وأقترح في هذا السياق نقاطًا محددة علي غرار: - إرسال خطابات شخصية للأستاذ الدكتور رئيس مجلس الشعب ولكل أعضاء مجلس الشعب، تحثهم علي التضامن مع مطالب هيئة التدريس. - تشكيل لجنة رسمية لمقابلة زكريا عزمي وشخصيات أخري مقربة من الرئيس (تم بالفعل إرسال برقية للرئيس ولم تحدث استجابة سريعة). - الاستعانة بشكل أكبر بأصحاب الرأي، ووسائل الإعلام (التي يستعين بها الجميع من أولاد حنفي حتي الرئيس أوباما.. ومن راقصة درجة ثانية إلي بان كي مون) لتوضيح أن الترتيب المتدني للجامعات المصرية مرده عدم إجراء انتخابات علي المناصب الإدارية العليا بالجامعات، والأعداد الكبيرة للغاية التي يتم قبولها من الطلبة، وقبل كل هذا ضعف الميزانيات، وفشل سياسة المسكنات، وتراجع المسئولين عن وعودهم بتلبية المطالب المالية لهيئة التدريس. نوادي هيئة تدريس الجمهورية ستجتمع ثانية اليوم في جامعة حلوان، وهذا مؤشر آخر علي أن عام 2010 سيكون عام الحسم الحقيقي لملفات عديدة، ويمكن لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات والهيئة المعاونة (من معيدين ومدرسين مساعدين) أن ينالوا حقوقهم الأساسية لو اختاروا التوقيت المناسب، والآليات الفعالة لطلب تدخل الرئيس لرفع الظلم المستمر منذ أكثر من ثلاثين عاما من علي كاهل القائمين علي البحث العلمي في مصر، ولكي يتم هذا الأمر يجب أن ينضم الصامتون ممن يكتفون ب «زودني شكرا» لرفاقهم السائرون في الطريق للرئيس بالتنسيق مع نوادي هيئة التدريس والإعلام؛ لأنه ثبت بالتجربة أن رسائل الأس أم أس - وأغلبها بدون توقيع - لا تصل.. لأن (الشبكة واقعة)، والحل في زيارة مباشرة.