لقد بدأ ملف التعذيب الذي يمارسه ضباط الشرطة ضد المواطنين يأخذ منحى مختلفا بالنسبة لي بشكل شخصي. أشعر بشفقة شديدة على ضباط الشرطة. بعد قتل الشهيد خالد سعيد، تذرعت الداخلية بأن الشهيد كان سيء السير والسلوك، وكان يتعاطى، أستغفر الله العظيم، المخدرات، وكان مثال للمجند السيء حين أدى خدمته العسكرية، وكان واد رخم وغلس، ومن ثم، وكنتيجة طبيعية لهذه المقدمات المنطقية وجب تعذيبه حتى الموت. أظن عداهم العيب. ثم كان أن قتل الشاب أحمد شعبان في نفس القسم الذي يقوم بقتل كل العيال الرخمة تعذيبا: قسم سيدي جابر. هذا وقد علل القسم قتل الشاب بأنه سرق هاتفا محمولا من إحدى الطالبات بكلية الطب. شوف يا أخي، يسرق هاتفا محمولا، ومن فتاة؟ وفي كلية الطب كمان؟ يعني جايبة مجموع كبير في الثانوية العامة؟ أما واد قليل الأدب صحيح، لا يستاهل يتقتل فعلا. ثم كان أن قام أحد الشباب بزيارة حديقة الحيوان، بعد أن سولت له نفسه الدنيئة أن يحتفل بالعيد مع أسرته، فما كان من أحد حراس الوطن إلا أن أوسعه ضربا حتى أفقده وعيه، وذلك لأن الشاب "رد عليه بقلة أدب". تخيل عزيزي المواطن كم جريمة اقترفها هذا الشاب الآثم: 1- يريد أن يحتفل بالعيد بينما تعاني كل الدول الإفريقية من المجاعة، ويقتل أخوته في العراق وأفغانستان. 2- ينزل في أجازة العيد، ليساهم في ازدحام المرور، وتعطيل مصالح الناس، بل ويصطحب أسرته حتى تعج الطرق بأمثاله من الغوغاء والدهماء الذين تلوث أنفاسهم هواء مصر المحروسة، مصر الحضارة، مصر التاريخ، مصر صاحبة الفضل على الجميع. أؤكد لك، عزيزي القارئ، أنه منذ أن استحم حماية العيد الكبيرة لم يقترب الماء من جسده. 3- تخيل لو رآه أحد السياح يتجول في شوارع مصر بملابسه الرثة، وأسرته البيئة، كيف هان عليه أن يشوه سمعة مصر بالتجول في شوارعها؟ 4- يشارك في انتهاك حقوق مخلوقات الله البريئة بزيارة حديقة الحيوان المحبوسة في أقفاص، والمدجنة بعيدا عن بيئتها الطبيعية. ما هذه الوحشية؟ أين قلبه؟ أين ضميره؟ ماذا ستقول عنا بردجيت باردو حين تعلم بفعلته الشنعاء؟ 5- وكمان بيرد على الضابط؟ ألا يعلم ذلك المواطن، أعمى البصيرة، أن ضباط الشرطة في مصر معهم شهادة معاملة أطفال؟ الضابط لا يسئل عمن يضرب والمضروبون يسألون. بصوا بقى... ضباط الشرطة في مصر يعانون من أمراض نفسية، وأنتم تقومون بالضغط عليهم، حرام عليكم بقى. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتوق إنسان للفتك بإنسان آخر دونما سبب إلا إذا كان يعاني من مرض نفسي ما، قد يكون قضى طفولة تعيسة حيث كان الأطفال يوسعنه ضربا ويغنون له حيعيط حيموت حيقلد الكتكوت، ربما كان يضربه والده بالحزام، ربما كانت تعلقه والدته في النجفة، هناك احتمال أن زوجته ترقع قفاه بالشبشب، أما من رحمة بهؤلاء المساكين؟ ثم إن مبررات الضرب والقتل وجيهة جدا، وعادلة، فكر في الأمر من زاوية الضارب، وكن منصفا في حكمك، فمثلا، زائر حديقة الحيوان في الساعة النحس لم يكن متعاطيا للمخدرات ولا سارقا لهاتف محمول، الأمر الذي حدا بضابط الشرطة أن يفقده الوعي فقط دون قتله، أما المجرم الأثيم، والقاتل اللئيم، الذي قتل الحضارة، هدم المدنية والمعمار، فليس له جزاء سوى الموت، وفي قسم الشرطة.. ذلك أفضل جدا. طيب.. الآن نحن في مواجهة ظاهرة تستحق الهدوء والتفكير في حل جذري وعملي. دعك من تعبير "حادث فردي" الذي يحلو للداخلية أن تستخدمه. ذلك لأن المجموعات بالأساس تتكون من أفراد، هذا فرد وضع عصا في مؤخرة مواطن، فردان أوسعا مواطنا - وحش وحش وحيييييش - ضربا حتى بلع لفافة بانجو، وفرد ضرب شابا آخر حتى بلع الموبايل، وفرد آخر ضرب زائرا لحديقة الحيوان حتى بلع الأسد، ماهو المواطنين اليومين دول كل ما يشوفوا حاجة يبلعوها، آدي آخرة غلاء أسعار الأغذية، وأظن أن هذه المشكلة ليست من اختصاص الداخلية، لكن الداخلية المسكينة، كتب عليها أن تتحمل تبعات أخطاء الوزارات الأخرى، المهم يعني، كل هؤلاء أفراد، والمجموعات إيه غير شوية أفراد فوق بعضها؟ هكذا تكونت لدينا باقة من أمتع الضباط، وكان الأفراد هم لبنة هذه المجموعة، وكلما زاد عدد "الحوادث الفردية" كلما ارتفعت قمة جبل المجموعة المعذبة الشاهق، حتى لم تعد حوادث التعذيب هي الخبر، وإنما خبر عدم التعذيب هو الذي يجب أن يتصدر الصفحات الأولى ويكتب عنوانه باللون الأحمر: عااااجل، مواطن دخل القسم وخرج عايش، لا وماحدش ضربه كمان. لا يمكن أن نشغل المحاكم والقضاة بقضايا مرفوعة ضد ضباط قاموا بتعذيب مواطنين، لأن ذلك سيعطل مصالح كل المواطنين المحتاجين لساحات القضاء للفصل في مشاكلهم، ويبدو أن هناك قسوة في تقييم الضابط الذي يقوم بالتعذيب، هذا الإنسان عيان يا جماعة، والمرض معد، لذا، فإنني أهيب بالمواطنين الصالحين حتى يتبرعوا لحملة علاج ضباط الشرطة المصرية نفسيا، فالسجن ليس هو الحل، حنسجن كل ضباط الشرطة؟ تبرع لعلاج ضابط بدل ما تتهزأ لما تتلابط.. حافظ على حياتك وعالج ظباطك.. احترم قفاك واتبرع للعلاج.. علاج الضابط مش هيافة، أحسن ما تبلع لفافة. ولا بأس من أن نرسلهم في رحلة علاج نفسي لمصحة خارج البلاد، واهو يغيروا جو وأنت تريح قفاك شوية.