فرصة للشراء.. تراجع كبير في أسعار الأضاحي اليوم الثلاثاء 21-5-2024    مسئولة أممية أمام مجلس الأمن: الكلمات تعجز عن وصف ما يحدث في غزة    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    الاحتلال الإسرائيلي يشن غارات كثيفة شرقي مدينة رفح الفلسطينية جنوبي قطاع غزة    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    بعد اتهامه بدهس سيدتين.. إخلاء سبيل عباس أبو الحسن بكفالة 10 آلاف جنيه    تفاصيل طقس الأيام المقبلة.. ظاهرة جوية تسيطر على أغلب أنحاء البلاد.. عاجل    أحمد حلمي يتغزل في منى زكي بأغنية «اظهر وبان ياقمر»    وزير الصحة: 700 مستشفى قطاع خاص تشارك في منظومة التأمين الصحي الحالي    مفاجأة.. شركات النقل الذكي «أوبر وكريم وديدي وإن درايفر» تعمل بدون ترخيص    مساعد وزير الخارجية الإماراتي: لا حلول عسكرية في غزة.. يجب وقف الحرب والبدء بحل الدولتين    الصحة: منظومة التأمين الصحي الحالية متعاقدة مع 700 مستشفى قطاع خاص    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    «بيتهان وهو بيبطل».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على انتقادات الجماهير ل شيكابالا    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    اعرف موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة المنيا    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    «بلاش انت».. مدحت شلبي يسخر من موديست بسبب علي معلول    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    خط ملاحى جديد بين ميناء الإسكندرية وإيطاليا.. تفاصيل    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    مصطفى أبوزيد: احتياطات مصر النقدية وصلت إلى أكثر 45 مليار دولار فى 2018    7 مسلسلات وفيلم حصيلة أعمال سمير غانم مع ابنتيه دنيا وايمي    دونجا: سعيد باللقب الأول لي مع الزمالك.. وأتمنى تتويج الأهلي بدوري الأبطال    سائق توك توك ينهي حياة صاحب شركة بسبب حادث تصادم في الهرم    الاحتلال يعتقل الأسيرة المحررة "ياسمين تيسير" من قرية الجلمة شمال جنين    التصريح بدفن جثمان طفل صدمته سيارة نقل بكرداسة    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    وزير الرياضة يهنئ منتخب مصر بتأهله إلي دور الثمانية بالبطولة الأفريقية للساق الواحدة    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    على باب الوزير    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. قدري حفني : قتل خالد سعيد ليس رسالة من أحد والتعذيب في مصر «ثقافة جماهيرية»
نشر في الدستور الأصلي يوم 02 - 07 - 2010

«منذ مقتل المناضل الشيوعي شهدي عطية الشافعي في معتقلات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في يونيو 1960 وحتي مقتل خالد سعيد شهيد الإسكندرية في يونيو 2010 كل شيء تغير إلا شيئا واحدا بقي كما هو: طريقة تعامل السلطة السياسية مع المواطن الذي بقي بلا حقوق، لكن ما اختلف في زمن خالد سعيد هو أن التعذيب والقتل لم يعد داخل السجون والمعتقلات لكنه أصبح سلوكا عاما يمارس في الشوارع أمام أعين المارة، ولم يعد ضد معارضي النظام، لكنه أصبح عنفا سلطويا موجهاً بشكل عام إلي المواطن العادي، وفي زمن شهدي عطية عرف العالم خبر الوفاة من خلال سطور نعيه في جريدة الأهرام والصدفة وحدها هي التي لعبت دورا في وصول الخبر إلي العالم لكن في زمن خالد سعيد عرف العالم أجمع خبر موته من خلال مواقع الإنترنت والمدونات والفيس بوك.
هذه الكلمات وغيرها حدثنا بها أستاذ علم النفس السياسي دكتور «قدري حفني»، كاشفا عن جوهر حادثة مقتل ضحية التعذيب خالد سعيد، ومبينا في حواره مع «الدستور» أن هذه الحادثة التي جذبت اهتمامه بشدة تعكس دلالات تكاد تختصر ما وصل إليه حال المشهد السياسي والاجتماعي المصري الذي وصل إلي أقصي درجات عنفه، نتيجة استمرار منهج السلطة في التعامل غير القانوني وغير الإنساني مع مواطنيها، وإن خرجت الانتهاكات من نطاق المشتغلين بالسياسة إلي نطاق المواطن العادي.
بين كل الأحداث السياسية الساخنة المطروحة علي الساحة من اعتصامات وتظاهرات وحتي الأزمة بين المحامين والقضاة... لماذا كان أشد ما لفت نظرك هو خبر مقتل خالد سعيد؟
-عندما قرأت هذا الخبر عدت بالذاكرة خمسين عاما وتذكرت ما حدث للمناضل الشيوعي شهدي عطية الشافعي الذي قتل بسبب التعذيب علي يد رجال السلطة... وما بين المشهدين «الشافعي وسعيد» هناك بعض الفروق البسيطة لكن هناك الكثير من التشابهات أهمها هو أن كل شيء يتغير ماعدا السلطة وطريقة تعاملها مع مثل تلك القضايا ، فعندما قتل شهدي عطية كيف عرفت الناس خبر الوفاة؟ من خلال نعي كتبته زوجته في صفحة الوفيات بجريده «الأهرام»، تحت عنوان «فقيد العلم والوطنية» كتبت: ننعي إلي الأمة العربية فقيدها الغالي شهدي عطية الشافعي مفتش اللغة الإنجليزية بوزارة التعليم، وكتبت بيت الشعر الذي يقول «فتي ما بين الطعن والضرب ميتة تقوم مقام النصر أن فات النصر» هذا البيت الشعري الذي اختارته زوجه شهدي عطية هو الذي عرف الجميع أنه قتل، ومصادفة وصلت الجريدة إلي يوغسلافيا حيث كان الرئيس جمال عبد الناصر يشهد احتفال الشبيبة الشيوعية اليوغسلافية، فوقف أحد الشباب الشيوعيين هناك وناشد الحضور الوقوف دقيقه حداداً علي روح المناضل الشيوعي شهدي عطية الذي قتل في معسكرات التعذيب في بلد عبد الناصر، وقتها قام عبد الناصر بإرسال برقية إلي زوجة شهدي قال فيها «إني وراء القتلة» وأوقف التعذيب.
هذا ما حدث في زمن شهدي عطية... أما في قضية خالد سعيد الأمر اختلف، العالم كله عرف عبر الفيس بوك والإنترنت والمدونات وخرجت مظاهرات في دول العالم، ذلك لأن العالم تغير بسبب ثورة التكنولوجيا، لكن مع ذلك هناك شيء واحد لم يتغير بعد وهو رد فعل السلطة عندما قتل شهدي عطية أجري تحقيق في المعتقل وكتب فيه « أنه كان طالع علي السلم فوقع مات» لكن عندما أخذ ناصر القرار وأعيد فتح التحقيق تم الكشف عن تعذيبه.
وهذا يشير إلي أن كل شيء يتغير عدا السلطة، في واقعة خالد سعيد قالوا إنه مات بالخنق بعد ابتلاعه لفافة مخدرات، من الممكن أن تكون تلك الواقعة الجزئية صحيحة لكن الموضوع في التعذيب، وليس سبب الوفاة.
لكن تهمة شهدي عطية - حسب توصيف نظام ناصر لها - أنه «شيوعي» لكن ما تهمة خالد سعيد، فهل كونه -لو صدق ادعاء الداخلية- متعاطي مخدرات يعد اتهاما يستحق عليه القتل؟
-هذا هو مكمن الخطر لأن السلطة من قبل كانت تحدد أعداءها مثل الإخوان الشيوعيين..الخ، لكن خالد سعيد عدو من؟ هنا أصبح المواطن العادي في حد ذاته عدوا للسلطة.
هنا يبرز ما يسمي بثقافة التعذيب التي أصبحت ثقافة جماهيرية و«كلنا» بنحب التعذيب والعنف أصبح سلوكا عاما يمارس بين كل فئات الشعب حتي بين رجال القانون أنفسهم والدليل هو ما يحدث بين المحامين والقضاة الآن، إذا بحثنا في سبب الأزمة نجد أن جوهر الموضوع هو استرداد الحق باليد والقوة وليس بالقانون جوهر ما حدث بين المحامي ووكيل النيابة والذي فجر الأزمة بين الطرفين هو أن الثاني اعتدي بالضرب علي المحامي - حسب الرواية المعروفة- وعندما تدخل المحامي العام لحل الأزمة والصلح لم يرتض المحامي بهذا الحل والاحتكام إلي القانون وقرر استرداد حقه بيده وقام بضرب وكيل النيابة.
وعما حدث بين القضاة والمحامين كتبت مقالا بعنوان «تحية واجبة لشباب المحامين وشباب القضاة... علمناكم فاستوعبتم الدرس وتفوقتم» فنحن الجيل الأكبر علمنا هذا الجيل أن استرداد الحق «باليد وليس عبر سلطة القانون» وتلك هي مسئوليتنا التي علينا تحمل عواقبها.
هل تجد إذن في العنف رابطا بين قضية خالد سعيد، وأزمة المحامين والقضاة؟
-الواقعتان شيء واحد من وجهة نظري، والاثنتان نتيجة طبيعية لما عززناه من أفكار تؤكد أن «المحترم والأقوي هو الذي يأخذ حقه بيده» ومن ثم إذا كنت شرطيا ومن الممكن أن تحتكم إلي القانون أثناء القبض علي مجرم، إلا أنه من الأفضل أن تضربه وتعذبه، حتي المحامي ووكيل النيابة والقاضي الكل يسترد حقه بيده.
قديما عندما طرح شعار «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» كان المقصود هنا إسرائيل عدونا الخارجي، لكننا حذرنا من وقتها أن القوة لا تتجزأ وإذا ربينا أطفالنا علي أن استرداد الحقوق بشكل عام لن يأتي إلا من خلال القوة هنا اختصرنا الحق وطرق استرداده في ممارسة العنف.
لماذا اهتم الناس بحادث خالد سعيد -رغم أنهم لا يعرفونه - ولم يهتموا بما يحدث بين القضاة والمحامين؟
- لأن المحامين والقضاة فئات متميزة ومعروفة، لكن «خالد سعيد» لا يعرفه أحد لأنه مجرد شاب عادي، وهذا ما أفزع الشباب العادي الذي خرج محتجا علي ما حدث معه، لكن خلاف المحامين مع القضاة أمر لا يخصهم، وحتي عندما أضرب المحامون لم يضرب معهم أي مواطن لأنه لا يري ضررا مباشراً عليه.
لكن حادثة خالد سعيد طرحت بشكل مختلف، فهو أولا شاب عادي حتي انحرافاته عادية أنه كان شابا مشاغبا أدي الخدمة العسكرية وخرج بتقدير ضعيف، لكنه ليس قاتلا، في النهاية مواصفاته هي مواصفات الشاب المصري العادي غير المهتم بالقانون وأصدق أنه يتعاطي المخدرات، لكنني لا أصدق أن يقتل بهذا الشكل، حتي وإن كان فعلا هاربا من الخدمة العسكرية - حسب رواية الداخلية - هل هذا يستدعي قتله، ولماذا هو؟ رغم أنه كان هناك مطرب هارب من الخدمة العسكرية والناس رفعت له اللافتات وقالت له « بنحبك» رغم أنه مزور ومتهرب من الخدمة.
جوهر القضية هو أن ما حدث لخالد سعيد ليس حادثة فردية وما حدث بين القضاة والمحامين أيضا ليس حادثة فردية وإذا اعتبرناهما كذلك فمن المؤكد أنها ستتكرر.
كل يوم هناك حوادث قتل وتعذيب داخل أقسام الشرطة..لكن لم تخرج مظاهرات احتجاجية كما حدث مع شهيد الإسكندرية.. لماذا؟
- لأن حادثة التعذيب وقعت في الشارع أمام الناس، و الصحف ووسائل الإعلام نشرت صوره بعد الضرب والتعذيب، وأسرته نشرت في المقابل صورة جميلة جداً للشاب قبل التعذيب تثير التعاطف، هذا كله عمل إعلامي واستفز مشاعر المصريين.
أيضا وزارة الداخلية أخذت موقفا دفاعيا و أصدرت بيانا تقليديا أدانت فيه خالد سعيد ووصفته ب«الحشاش والخارج عن القانون» هذا أمر استفز مشاعر المواطنين.
هل قتل خالد سعيد بهذا الشكل كان يحمل رسالة من النظام إلي الشعب؟
- كنت أتمني أن يكون الهدف مما حدث هو توصيل رسالة لكن هذا لم يحدث فالرسالة تعني أن هناك جهازا مركزيا يرسل رسالة، لكني متأكد أن ما حدث لا يحمل أي رسالة، أنما تعبير صريح علي أن العنف أصبح سلوكاً عاماً، يمارس حتي دون توجيه أوامر مباشرة، هذا بعكس ما حدث في مقتل شهدي عطية الذي كان فعلا يحمل رسالة أن الشيوعيين مستهدفون، لكن في قضية خالد سعيد لا توجد أي رسالة لأن الرسالة المطلوب توجيهها أصبحت بداخلنا تشبعنا بها وتربينا عليها وأصبح التعذيب سلوكا عاديا.
بدا في الفترة الأخيرة وكأن هناك صداما مابين القضاة والمجتمع، في البداية كانت هناك أزمة تولي المرأة منصب قاضية بمجلس الدولة، ثم أزمة القضاة والمحامين، ثم الكنيسة والقضاء بعد الحكم بحق المطلقين الأقباط من الزواج.. هل أصبحت هناك أزمة ثقة بين القضاة والمجتمع؟
- في رأيي الأزمة بدأت عندما شاهدت الناس القضاة وهم في مظاهرات، بمعني أنني حينما أشاهد القاضي في مظاهرة وأتضامن معه ثم أتقدم أمامه في المحكمة أليس من الممكن أن يتحيز لي، و العكس لو كنت ضده سيتحيز ضدي، لذلك فمنذ قديم نعرف أن القاضي لا ينبغي أن يري و لا يحتك بالناس لأنه رمز للعدالة والحيادية والانتصار إلي القانون.
هل تري إذن أن تظاهر القضاة هو الذي هز صورتهم... و ماذا عن القضاة الذين اتهموا بتزوير الانتخابات ألم يكن هذا سببا أدعي لوجود أزمة ثقة بين المواطن والقاضي؟
-هذا بالطبع ترك أثرا، لكن جوهر القضية في أنه حينما يشتبك كقاض في الممارسات اليومية سواء كانت تزويراً أو إدانة تزوير أو رأيه في السياسة أصبح هنا شخصا عاديا مثله مثل أي شخص، هذا هو جذر اهتزاز صورة القضاة.
وهل هناك أسباب إضافية في أزمة القضاة والمجتمع غير تظاهرات القضاة؟
-ليس تلك هي الأسباب الوحيدة، لكن هناك أسبابا أخري كشفت عنها الأزمة الأخيرة بين المحامين والقضاة فإذا بحثنا في جوهر القضية نجد أن وكيل النيابة حاصل علي «مقبول» والمحامي دفعته حاصل علي تقدير «جيد» ، فالأول أصبح وكيل نيابة والثاني محامياً، هنا جذر الإحساس بالعنف الذي يفجره هو الإحساس بالظلم وغياب الشفافية، حسب ما يعلن رسميا أن هناك دفعة تكميلية من القضاء لأبناء المستشارين ، إذن لو أنا رفعت قضية أمام قاض أتظلم فيها من تعيين شخص علي حسابي بالاستثناء، والقاضي نفسه الذي يحكم معين أصلا بالاستثناء فكيف يكون حكمه؟!
-قديما كان هناك استثناء لأبناء أساتذة الجامعة في التعيينات ونجحنا في إلغائها لكن ماذا عن أبناء المستشارين والقضاة، هناك تساؤلات مهمة إذا لم نجد أجابه عنها سيزداد الإحساس بالظلم في ظل مناخ عام يؤكد علي أن استرداد الحق بالقوة يؤدي إلي أن العنف سيزداد.
لذا فلا أتصور أن المخبرين الذين ضربوا خالد سعيد كانت لديهم تعليمات صارمة من قبل وزارة الداخلية بضربه وقتله، هذا أمر أخطر حيث يؤكد أن العنف أصبح ثقافة الجميع ومنهجاً عاماً بل وسلوكا عاديا في التعامل علي جميع المستويات.
هل غياب تلك الثقة كانت سببا - من وجهة نظرك - في تشكيك أسرة خالد سعيد ومنظمات المجتمع المدني بل أغلبية الشارع المصري في تقارير الطب الشرعي وبيان الداخلية، بل ولديهم إحساس مسبق أن حق خالد سيهدر؟
-لم ير أحد منا ما حدث مع خالد سعيد وكانت أمامنا روايتان ونفرض أن كلتيهما مقنعتان الرواية الأولي لأسرة خالد سعيد والثانية للداخلية، أنا أقرب إلي تصديق رواية الأسرة، وليس رواية الداخلية لماذا؟ لأن الداخلية هي الطرف الأقوي والأقدر علي التزييف، خصوصاً أن الضحية هذه المرة ليس عليه خلاف فهو لا ينتمي لأي فصيل سياسي، ولا هوية سياسية له فهو واحد من صفوف الجماهير العادية.
هل التركيبة النفسية لرجل الشرطة اختلفت عما كانت من قبل، بمعني أن من عذب شهدي عطية كان يري أنه عدو للوطن لأنه شيوعي ومن ثم خلق لنفسه مبررا لتصرفه، لكن خالد سعيد لم يكن عدوا فهو شاب عادي ورغم ذلك ضربه المخبر حتي الموت؟
- الناس تعلمت أن الذي يمارس العنف هو الأقوي، ومن ثم لم نعد بحاجة لمبرر أن الذي يعتدي عليه هو فقط عدو الدولة.
إذا أردنا علاج هذه الظاهرة فلابد من ترسيخ ثقافة السلام التي يخشي الجميع الحديث عنها خوفا من اتهامه بالتطبيع، ذلك لأن السلام أصبح ذهنيا مرتبطا بعملية التطبيع، إذا نجحت الصهيونية في شيء فهي نجحت في أن تصدر لنا فكرة التطبيع وإدانة السلام، ذلك لأنها تعرف جيدا أن السلام ضدها ونحن التقطنا تلك الفكرة وتشبعنا بها، حتي وصل الأمر إلي أن من يدعي السلام فهو شخص خائن.
والدليل هل هناك وحشية أكثر من وحشية الإسرائيليين الذين قتلوا النشطاء المدنيين علي أسطول الحرية؟ لا طبعا.. إلا إن إسرائيل تعلن دائما أنها مع السلام ، ونحن نعلن أنه علينا سحب مبادرة السلام، وإسرائيل التي تقتل هي التي تقول إنها مع السلام، ومن ثم الذي نتج عن غياب ثقافة السلام هو انتشار وتعزيز ثقافة العنف التي لم تعد موجهة ضد إسرائيل لكنها أصبحت سلوكا عاما في المجتمع.
وهل تسمح ثقافة العنف تلك لرجل الشرطة بقوة إضافية؟
-من بين آلاف طلاب الثانوية العامة يتخرج كل من ضابط الشرطة و الحرامي ووكيل النيابة وأستاذ الجامعة والقاضي، بمعني أن ضباط الشرطة ليسوا نسيجا غريبا عن المجتمع، لكنهم إفراز طبيعي لثقافة وتعليم هذا المجتمع، والمناهج التعليمية نفسها التي تم تدريسها بالمدارس، فالجميع أبناء هذه الثقافة، إذن لا يمكن لنا أن نسيد الفكرة ونقول إن رجال الشرطة لديهم عنف، علينا أن نجيب أولا عن هذا التساؤل هل هم أبناء مجتمع وثقافة أخري أم أنهم أبناء البيئة الثقافية والاجتماعية نفسها التي تربينا بها.
لكن هناك آراء تقول إن التربية الشرطية والمناهج التي يدرسونها داخل كليات الشرطة هي المكون الرئيسي لثقافة العنف لدي الضباط؟
- غير صحيح.. لأن من يدخل كلية الشرطة يلتحق بها وهو بالغ من العمر 18 عاما يعني تشبع بكل القيم والأفكار التي تربي عليها داخل أسرته والمدرسة وتم تشكيل ثقافته ووعيه، الشخصيه تكون أثناء الطفولة والمراهقة، ما بعد ذلك مجرد تفاصيل.
كما إنني قمت بمراجعة مقررات كلية الشرطة، ووجدت أنهم يدرسون مادة حقوق الإنسان، و الحقوق لكنه في النهاية هذا الشرطي ابن مجتمعه، يعود إلي خلفيته الثقافية والقيم التي تربي عليها منذ طفولته.
هل المناهج التعليمية طرف أساسي في ذلك؟
- هناك ما هو أخطر من المناهج وهو المناخ الثقافي العام الذي يعزز ثقافة القوة وأن الضعيف لا مكان له، والقوة للأغلبية ومن ثم تقمع الأقلية.
لكن طالما بقيت السلطة للأقوي إذن هذا يعني سقوط دولة القانون؟
-هناك دولة قانون، لكن رجال القانون أنفسهم أبناء ثقافة هذا المجتمع وهي ثقافة العنف، لذا علينا أن نشغل أنفسنا بالسؤال الأهم وهو وماذا بعد؟
و ماذا بعد وكيف نواجه ذلك من وجهة نظرك؟
-أعيد صياغة الثقافة العامة والتأكيد أن السلام هو الثقافة البديلة للعنف وهو الحل بدون خجل وإذا كانت الناس تروج أننا استعدنا سيناء بالقوة فهذا غير صحيح بالقوة استعدنا 15 كيلو وبالمفاوضات استعدنا باقي أراضي سيناء وبالتحكيم الدولي أخدنا طابا، من لديه كلام خلاف ذلك يرد به.
بالقوة لم ندخل تل أبيب ولم نصل رفح، أحدثنا خسائر كبيرة في الجيش الإسرائيلي أحدثت له صدمة علي أساسها تفاوضنا فتم الرجوع من قبل العدو لحدودنا الدولية ثم لجأنا إلي المحكمة الدولية لاسترداد طابا... تلك هي حقيقة ما حدث وهذا ما لا يقال لأن هذا يكسر فكرة العنف ويؤكد أن المفاوضات والتحكيم الدولي من الممكن أن تأتي بنتائج.
لكن المفاوضات أحيانا كثيرة لاتصل إلي نتائج والدليل اعتصامات واحتجاجات العمال أمام مجلس الشعب؟
-كان هناك إضراب في كفر الدوار اشترك فيه 20 ألف عامل، كان إضرابا منظما نقابيا ليس له أي طابع سياسي حل بالمفاوضات، كلا الطرفين العمال وصاحب العمل وصلا إلي حل وسط يرضي الطرفين، لم يركز أحد علي دراسة ما حدث، وحتي إضراب الضرائب العقارية نجح، لأنهم خاضوا مفاوضات طويلة حققوا من خلالها مكاسب جيدة.
أما عمال «أمونسيتو» فاعتصم منهم عدد محدود أمام مجلس الشعب، من ثم أصبح الأقلية هم الغاضبين أما الأغلبية هي التي ارتضت إلي ما انتهت إليه المفاوضات الأولي، لذا لم يهتم بهم أحد، لو تصورنا إضراب الضرائب العقارية كان بعدد محدود هل سيكون لها النتائج نفسها التي حققوها من المؤكد لا، ذلك لأن قوتهم من عددهم وأن الجماعة علي قلب رجل واحد وتلك هي قوانين الإضراب.
كيف كانت قراءتك لمشهد الاعتصامات المتتالية أمام مجلس الشعب وهتاف البعض ضد أعضاء المجلس؟
-لفت انتباهي ما هو أخطر من وجهة نظري، وهو أنني شاهدت هؤلاء مضربين ويهتفون والمرور يسير والناس تمر من أمامهم دون أن يتضامن معهم أي شخص عادي، لماذا لم يتعاطف الناس معهم؟ لأن الاعتصام عندما يكون محدود العدد لا يجد تعاطفا.
كما أن مشهد الاحتجاجات والاعتصامات بشكل عام في مصر أمر مهم وجيد،وتلك ظاهرة لم تعرفها البلدان العربية باستثناء لبنان وفلسطين، وباقي الدول العربية ما زال أمامهم نصف قرن حتي يعرفوا المظاهرات، وهذا ليس معناه أنهم سعداء بما هم فيه الآن، لكن مصر رغم كل المشكلات التي تمر بها لكنها أكثر الدول العربية تحضرا«شعبا وسلطة»، رغم أن السلطة تقاوم المظاهرات لكن مقاومتها لها ليس كما يحدث بدول أخري تقاوم مجرد التفكير في تنظيم المظاهرات، في مصر مدونات في حين أنها محظورة في كثير من البلدان العربية، هذه ظاهرة إيجابية تحسب لنا ولو كانت المدونات تحت المراقبة وهي ممكن أن تكون كذلك، من الممكن أن تكون السلطة تستفاد من هذا الوضع وتتباهي به لكن في النهاية يحسب لها.
هل ضعف عدد المتظاهرين فقط هو الذي لا يثير تعاطف الناس معهم أم لأنهم يطالبون بمطالب خاصة جدا تخصهم و حدهم ولا تعبر عن مشكلات الأغلبية؟
- البعض يوصف هذا بأنه احتجاجات مطلبية، وأن المظاهرة الحقيقية هي التي تكون علي أساس مطالب سياسية، أما المظاهرات في كل دول العالم فأغلبها مظاهرات مطلبية، وليست سياسية بمعني أنه لا ينبغي أن نحتقر المظاهرات القائمة علي مطالب فئوية لأنها أمر مهم.
السؤال التقليدي الذي لا نمل من طرحه وهو لماذا لا يثور المصريون؟
-الثورة لها قوانين وهي أن يعي الشخص بظلمه، ثانيا لا يوجد أي أمل في بقاء الوضع عما هو عليه، وأن يكون هناك أمل في أن الثورة ستحقق الهدف المطلوب تلك هي الشروط الرئيسية التي تدفع إلي الثورة وبدونها لن تحدث.. وتلك القوانين لم تتوافر بعد لدي المصريين.
ألا تعتبر احتجاج المصريين علي ما حدث لخالد سعيد شكلا من أشكال الثورة أو خطوة نحوها؟
-من خرجوا احتجاجا علي ما حدث لخالد سعيد اتخذوا موقفا جيدا لكن علينا أن نسأل أنفسنا في البداية هل هم خرجوا احتجاجا علي العنف والظلم بشكل عام أم احتجاجا علي هذا الشكل تحديدا من فقط أم ضد العنف بشكل عام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.