كثير ممن تعاطوا سيرة شهيد الأوردي شهدي عطية الشافعي، ربما لا يعرفون أنه كان أديباً بالأساس قبل أنه ينهض اسمه كأحد أعمدة اليسار المصري، ولعل قطاعاً كبيراً من الشباب لا يعرفونه من الأصل، الكتاب الذي نشره المجلس الأعلي للثقافة مؤخراً من إعداد الشاعر شعبان يوسف، يكشف بعداً جديداً كان غائباً حتي هذه اللحظة من سيرة شهدي عطية، ويتضمن رواية نشرها المفكر الراحل علي حلقات في جريدة «المساء» عام 1926 وقصتين مفيدتين نشرتا عام 1936. عن قصة نشر الرواية والقصتين أفاض معد الكتاب في الرصد والتحليل في مقدمة ضافية تناولت الكثير من الرؤي حول المسيرة الفكرية والإبداعية للمفكر الراحل، لكنه لم يذكر شيئاً عن حادثة اغتياله في أوردي ليمان أبوزعبل في منتصف يونيو 1960 باعتبارها حدثاً مشهوداً يعرفه كل المهتمين بهذا الشأن في فصائل اليسار المصري وغيره، لكننا سنحاول إلقاء الضوء عليه في هذه الساحة قبل تناول العمل نفسه. اعتاد القائمون علي الأوردي في الستينيات إقامة احتفال «تشريفة» لكل دفعة جديدة ترد إليه من صفوف اليسار والشيوعيين والإخوان أيضاً، وكانت الاحتفالية تبدأ عادة بأخذ تمام الأفراد ثم تبدأ المطاردة حتي بوابة الليمان بالخيل، ويتسابق الجنود في التنكيل بالمعتقلين وضربهم بالقواشير وجريد النخل وكعوب البنادق، فضلاً عن الدهس بالأحذية وسنابك الخيل لكل من يتعثر أثناء المطاردة.. معالجة عصرية لرحلة «الطرد» في الجاهلية الأولي، هكذا استقبل «الأوردي» دفعات كثيرة من معتقلي الستينيات، ثم تنتهي المطاردة بتسليم الأمانات وحلاقة الرءوس وتمزيق الملابس المدنية، وانتقاء بعض العناصر للجلد علي «العروسة» وسحل البعض حتي أبواب الزنازين، وهو ما حدث مع المعتقل شهدي عطية الشافعي قبل أن يتعهده وكيل السجن بالركل والدهس حتي سقط فاقد الروح. الرواية الشائعة بين شهود الحادث تقول إن زوجة شهدي عطية ووالده نجحا في إرسال برقية بما حدث للرئيس عبدالناصر الذي كان آنذاك في زيارة رسمية ليوغوسلافيا، وأن خبر البرقية وصل إلي الرئيس اليوغوسلافي «تيتو» الذي لم يكن مستريحاً رغم صداقته العميقة مع عبدالناصر للحملة ضد الشيوعيين في مصر وسوريا، فانتهز الفرصة وفاجأه أثناء تكريمه بدعوته للخطابة في إحدي جلسات الجمعية الوطنية اليوغوسلافية «البرلمان اليوغوسلافي» وطلب من النواب الوقوف دقيقة حداداً علي وفاة المناضل الشيوعي شهدي عطية الشافعي الذي مات علي إثر تعذيبه في سجون الجمهورية العربية المتحدة، وهكذا وجد عبدالناصر نفسه مجبراً علي الوقوف مع النواب اليوغوسلاف حداداً علي مقتل شهدي ليأمر عقب الجلسة بالتحقيق في الحادث عبر برقية مفتوحة. وبصرف النظر عن صحة الرواية من عدمها، فقد فتح التحقيق في قضية مقتل شهدي عطية الشافعي الباب واسعاً للكشف عن جرائم النظام المماثلة في جميع السجون المصرية، بعد أن شهدت التحقيقات بالفعل إدانة وكيل مصلحة السجون الذي أحيل إلي التقاعد، ومأمور سجن أبوزعبل ونقيبين وملازم من مسئولي السجن، ولكنها لم تعرف طريقها إلي المحكمة، وعوقب الجناة بقرارات إدارية قبل أن يسقط القاتل صريعاً في واقعة اغتيال غامضة بأسيوط. الرواية نشرت مسلسلة في جريدة «المساء» عام 1956، وكان يرأس تحريرها الأستاذ خالد محيي الدين، كان خالد ماركسياً، لذا حفلت الجريدة بكتابات المفكرين الماركسيين البارزين وقتها، ولم يكن غريباً أن تتبني الصحيفة نشر رواية شهدي عطية،ورغم أنها أغفلت اسمه، لكنها قدمت للرواية وعرفت بصاحبها مثلما أشادت بموهبته، أما القصتان فقد نشرتا قبل الرواية بعشرين عاماً كاملة، وهو ما بدا واضحاً من سياق السرد، إذ التزمت القصتان بلغة أدبية رصينة حتي في الحوار بين الشخصيات، في حين سيطرت العامية علي السرد في طول الرواية، وهي ترجمة إبداعية لأفكار شهدي عطية الشافعي في تمجيد الطبقة العاملة، يقول المقطع الأخير «إحنا الصنايعية» إحنا كل حاجة، بعد كده البيوت دي مين اللي بيبنيها، إحنا الصنايعية، شوف الهدوم اللي كل الناس بتلبسها، مين اللي بينسجها ويغزلها، برضه إحنا الصنايعية لا تقولي بتوع مدارس ولا أفندية ولا باشوات، إحنا كل حاجة إحنا وبس.