روى الحكيم الصيني أن شيخا كان يعيش فوق تل من التلال. ففر جواده. وجاء إليه جيرانه يواسونه على هذا الحظ العاثر. فأجابهم بلا حزن: ومن أدراكم أنه حظ عاثر؟، وبعد أيام قليلة عاد الحصان مصطحبا معه عددا من الخيول البرية. فجاء إليه جيرانه يهنئونه بهذا الحظ السعيد، فأجابهم بلا تهلل: ومن أدراكم بأنه حظ سعيد؟، ولم تمض أيام حتى كان ابنه الشاب يدرب أحد الخيول البرية فسقط من فوقه. وكسرت ساقه. وجاءوا إليه يواسونه في هذا الحظ السيئ، وبعد أسابيع قليلة أعلنت الحرب وجندت الدولة شباب القرية وأعفت ابن الشيخ من القتال لكسر ساقه، فمات في الحرب شباب كثيرون .. وهكذا كان الحظ العاثر يمهد إلى حظ سعيد والحظ السعيد يمهد لحظ عاثر إلى ما لا نهاية في الأسطورة التي لا أعرف على وجه التحديد الوقت الذي قرأتها فيه ولكن المؤكد أنني قرأتها في وقت مبكر من حياتي، ولكنني لم استوعب معناها إلا من خلال تجارب الحياة وموافقها التي رسخت بداخلي الإيمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره فما أكثر المواقف التي تذكرت فيها هذه الأسطورة الصينية، ولكن أهمها على الإطلاق هو الموقف الذي نعيشه هذه الأيام ونحن نفقد حياتنا (أي جريدتنا) ولا أبالي في وصف الدستور بالحياة لأنها كذلك فعلا. فالدستور هي بيتنا الذي لا نستطيع أن نعيش دونه فهي المتنفس الحقيقي لنا. الدستور تمثل لنا الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نرتوي به والغذاء الذي يساعدنا على مواصلة المشوار حتى النهاية. فبأي منتطق وأي عقل وأي دين، يريدون حرماننا من دستورنا!؟ ومن هذا الشخص النازي الذي سولت له نفسه نزع الحياة من جسد مئة وعشرين صحفيا بحرمانهم من متنفسهم وحياتهم ومن قبلهم بنزع قلب مؤسس التجربة الرائدة الرائعة الفريدة الأولى والأخيرة ورئيس تحريرها الأوحد – إبراهيم عيسى. لكن عسى الله أن يجعل من بعد العسر يسرا..