يروى الفيلسوف الصينى (لى هنز) أسطورة غاية فى الحكمة تتلخص سطورها فى أنه هناك وفوق تلال غابة نائية كان يعيش رجل شيخ مع ابن له وجواد وتتقلب الظروف والأحوال بهذا الرجل وعائلته الصغيرة، فأحياناً تأتى إليه السعادة مبشرة ويحدث ما يدعو للفرح فيقبل الجيران مهنئين الشيخ على ما ناله من حظ سعيد وفرحة، فيقول "وما أدراكم أنه حظ سعيد؟"، فينصرف الناس متعجبين من أمره. وتمر الأيام فيكون ذلك الحدث السعيد هو نقطة بداية لنكبة تحل بالشيخ، فيقبل الناس يعزون الشيخ فى نكبته، فيقول لهم: "وما أدراكم أنها نكبة؟!"، فينصرف الناس حائرين مذهولين وهكذا دواليك، الحظ العسير قد يكون حلقة فى سلسلة سعادة والحظ السعيد قد يكون بداية فى نكبة أو حزن... إلخ. والحكمة المستشفة من هذه الأسطورة، أن الإنسان ذا نظرة ضيقة للأمور ينظر للحدث فى ذاته ولا ينظر لنتائجه وعواقبه. كما أن الإنسان قليل الصبر على انتظار البقية، فيحكم على الأمور بسطحية، يحكم على القشور دون الجوهر، فالحكمة هنا للإنسان الذى يرى الأمور فى جملتها لا فى جزء منها، فالحياة سلسلة طويلة متصلة من الأحداث والحدث لا يمثل حلقة واحدة منفصلة عن السلسلة الطويلة. وصدق قوله سبحانه وتعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون}. وإنى لأظن أن الحظ ما هو إلا أسطورة تعاقبتها الأجيال لتجد ما تستطيع أن تفسر به نظرتها الضيقة غير الشاملة للأمور. فالشعوب العربية هى صاحبة تلك النظرة الضيقة غير الشاملة للأمور، هى من ينظر للحدث فى ذاته وليس كجزء من كل، فهى تنظر لهذا الجزء متجاهلة الكل. إننا نجر أخطاء الماضى وأزمات الحاضر فيضيع المستقبل، وذلك لأسباب شتى، ولكن أهمها أنه ليس لدينا من الصبر والأمل ما يجعلنا نملك هذه النظرة البعيدة للأمور، نملك الماضى ولكننا نكرر أخطاءه، لأننا لا ننظر إلى جوهره، بل فقط ننظر إلى قشوره لا نملك النظر إلى رتوش الصورة كاملة، بل ننظر إلى جانب واحد من تلك الصورة فيضيع المستقبل لأنه يكون غامضاً بالنسبة لنا، بالنسبة لنظرتنا غير المتعمقة للأمور وعدم تحليلنا الجوهرى للأحداث. فلنحترم الماضى ونتعلم من أخطائه، ونحترس من الحاضر بنظرتنا الشاملة الكاملة المتعمقة للأمور، عندئذ سنملك المستقبل. وعلنا ندرك أن الحياة ساقية تدور..!