بعض الأفلام تستطيع أن تحقق بعض المتعة أثناء مشاهدتها، لكن يصعب علي المشاهد تذكرها بعد ذلك، لدي صناع هذه النوعية من الأفلام الدرجة الاحترافية لصنع توليفة من الأداء الجيد للممثلين، والصنعة المبهرة للخدع والمؤثرات، والحبكة المسلية التي لا تحتاج إلي تعمق في مشاهدتها، ولا تتوقع منها أن تتغلغل في وجدان المشاهد وتثير مشاعره، إنها أفلام تشاهدها بالعين وتسمعها بالأذن مع قدر ضئيل من تشغيل العقل لمتابعة الأحداث، ومن هذه النوعية من الأفلام وبجدارة فيلم «الساحر المبتدئ» The Sorcerer's Apprentice من بطولة «نيكولاس كيج» و«ألفريد مولينا» وإخراج «جون ترتيلتوب» أحد مخرجي أفلام ديزني المعروفين. علي الرغم من أن ما يقدمه فيلم «الساحر المبتدئ» من فانتازيا وكوميديا ليس عظيماً بالدرجة الكافية، فإنه علي نحو ما فيلم مسلٍ ومشاهدته مستساغة خاصة أنه فيلم عائلي موجه لعقلية المتفرجين الأطفال والمراهقين بصفة خاصة، ولهذا فإن حبكته البسيطة وشخصياته التي لا تحمل أبعاداً متعددة ملائمة تماماً لعقلية مشاهديه المستهدفين. أيضا الفيلم ركز علي الاهتمام بالخدع والجرافيك والأكشن بشكل جيد، ولهذا جاءت مشاهد الحركة والسحر مقبولة ومسلية، بالإضافة إلي أن الفيلم وهو من إنتاج «والت ديزني» يتمتع بقدر لا بأس به من المرح الذي يتركز أغلبه علي علاقة الساحر بالثازار بليك «نيكولاس كيج» بتلميذه المبتدئ ديف «جاي باروتشل». الفيلم يبدأ بحادثة قديمة تعود للقرن السابع وتتناول حكاية الساحر بالثازار أحد تلاميذ الساحر الشهير ميرلين الذي ينجح في حماية معلمه من غدر الساحرة الشريرة مرجانة ومن شر تلميذها الساحر ماكسيم «ألفريد مولينا» عدو بالثازار اللدود، وحينما تدبر مرجانة لقتل بالثازار تتمكن الساحرة فيرونيكا حبيبة بالثازار من القبض علي روح مرجانة داخل جسدها هي، ويصبح الاثنان لاحقاً حبيسين داخل لعبة تتناقلها الأجيال حتي نصل إلي الزمن الحالي، حيث يعود بالثازار وماكسيم إلي صراعهما وبحثهما عن اللعبة وإطلاق الأرواح الحبيسة داخلها، ويصبح علي عاتق الشاب ديف - الذي تنبأ الساحر القديم ميرلين بأنه الساحر المختار - القيام بمهمة تخليص الجميع من شر مرجانة. الشاب المراهق ديف هو شخصية مهمة في الفيلم لأنه مرآة الجمهور الصغير نفسه، شاب في مقتبل العمر قليل الخبرة، لديه مشاكل في التعامل مع الآخرين وفي احترامهم لشخصيته، والأهم من هذا لديه قدر كبير من عدم الثقة بالنفس، وفجأة يجد نفسه في مهمة لا قبل له بها، ويتراجع أكثر من مرة عنها لأنه لا يري في نفسه القدرة علي تحمل تبعاتها، وهو تلميذ لساحر قوي وذكي يحاول أن يخرج من داخل هذا الشاب الخائب ساحراً حقيقياً، وفي مشهد من الفيلم يحاول الشاب تنظيف فوضي المكان الذي يقيم فيه قبل قدوم صديقته باستعمال معلوماته المحدودة عن السحر فينقلب السحر علي الساحر المبتدئ وتزداد الفوضي بعد أن يغرق في صراع مع المكانس ومساحات المياه والجرادل التي تتحرك بعشوائية، وهو مشهد يقتبس كارتون ديزني الشهير «فانتازيا» الذي كان بطله الساحر المبتدئ ميكي ماوس. قصة الفيلم مكتوبة بعناية لجمهور معين وهذا الأمر حرك بوصلة الدراما في الفيلم ناحية قصة الشاب بصورة أكبر، بينما اختزل الفيلم كثير من تفاصيل حكاية الساحر بالثازار وجعلها ثانوية أمام قصة الشاب خاصة علاقة الحب التي تنشأ بينه وبين زميلة الدراسة القديمة بيكي «تيريزا بالمر». يبدو «نيكولاس كيج» في هذا الفيلم أكثر قبولاً من أفلامه القليلة السابقة التي مثلت هبوطاً كبيراً لصورته السينمائية كنجم كبير يقدم أفلاما كبيرة، ورغم أن الفيلم لا يمثل له تعويضاً عن أعماله المهمة التي لم يعد يقدمها منذ فترة، فإنه أفضل حالاً كممثل وكنجم محبوب له كاريزما، ويبدو أن حظه مع أفلام «والت ديزني» الخيالية أفضل من حظه مع شركات إنتاج أخري، فقد قدم سابقاً مع ديزني ومع نفس المخرج «جون ترتيلتوب» سلسلة أفلام «الكنز الوطني» التي حققت نجاحاً مقبولاً من الناحتين الجماهيرية والنقدية.