أخيرًا يعود النجم أحمد حلمي إلي ملعبه الأصلي القديم، أوإلي أدواره الضاحكة في أفلام كوميدية خالصة . هكذا بدأ حلمي كممثل أدوار ثانية في أفلام علاء ولي الدين ومن قبلها في برامج وحلقات تليفزيونية. وكذلك أيضا كانت بدايته كبطل ، مع الكوميديا في فيلم (ميدومشاكل) ومن بعده (زكي شان) وحتي (ظرف طارق) . ولكن النجم في رباعيته الأخيرة حاد عن الكوميديا كثيرا . فقدم في (كده رضا) دراما غلب عليها الطابع النفسي التشويقي. أما تحفته (آسف علي الإزعاج) فهوالفيلم الذي وصل فيه إلي ذروة نضجه من خلال دراما إنسانية مؤثرة . ولكن تزيد جرعة المأساة في (1000 مبروك) ليتحول العمل إلي بكائية هشة البناء موغلة في الكآبة . أما فيلمه السابق (عسل إسود) فهومحاولة غير ناضجة ومنقوصة لتقديم نقد للواقع السياسي والاجتماعي أفسدها التهريج والمبالغة والحلول الساذجة. ويبدو أن حلمي بدأ يدرك ان أسهمه آخذة في التراجع ، خاصة بعد أن فقدت أفلامه موقعها في الصدارة، فضلا عن تزايد الثغرات الدرامية فيها مما يعرضه لانتقادات حادة. ومن هنا عاد يقلب في دفاتره القديمة ويبحث عن حيله المضمونة وألعابه التي صعدت به إلي عالم النجومية. يأتي فيلمه ( بلبل حيران ) للعرض في موسم العيد الكبير لتزداد أيضا فرص النجاح مع جمهور معظمه من الأطفال والصبية يبحثون عن الضحك بالدرجة الأولي . ولكن هل استطاع حلمي أن يتجاوز كبوته وأن يصلح بوصلته التي كانت توجهه دائما نحوالنجاح والتفوق والتي كانت تكفل لأفلامه مستوي متقدما من الجودة والتميز؟. هذا هوالسؤال الذي كنت أعتقد أن إجابته معروفة مسبقا. حكاية مكررة تدور أحداث (بلبل حيران) في إطار كوميدي رومانسي، حول الشاب بلبل- أحمد حلمي الذي يبحث عن الكمال فيمن يختارها. في البداية يقع في غرام فتاة قوية الشخصية واثقة من نفسها- زينة- ، فيفتقد الإحساس باهتمامها به أو احتياجها إليه. ثم يتعرف علي فتاة علي النقيض منها تماما- شيري عادل- فتعوضه عما يفتقده في خطيبته الأولي. ولكنه يعاني من ضعف شخصيتها ويضيق من إحساسها بالغيرة وانسياقها التام وراءه. ولعجزه وتردده في الاختيار بينهما، تستمر علاقته بالفتاتين حتي تكتشفان ذلك . فيتعرض لانتقام رهيب يصاب علي أثره بكسور في مختلف أنحاء جسمه. ومن هذه النقطة تبدأ أحداث الفيلم حيث نراه يبدأ في سرد تفاصيل قصته بطريقة الفلاش باك علي الطبيبة المعالجة - إيمي سمير غانم - التي يقع في غرامها في النهاية. فهل سيجد لديها الكمال الذي يبحث عنه؟. الفكرة في حد ذاتها مكررة، والمعالجة بكل أسف ساذجة أيضا. فمسألة سرد البطل للرواية علي شخصية تستمع إليه والعودة من وإلي الزمن الحالي ليس بها أي جديد وتم استخدامها في العديد من الأعمال. وإن كان السيناريو اجتهد علي مستوي التفاصيل في صنع حالة من الديناميكية في مشاهد العودة للواقع سواء بصنع حبكة موازية لشخصية الطبيبة المستمعة للحكايات وتكرار مواقف شبيهة لها مع شباب تتعرف عليهم. مما يؤدي إلي تلهفها لمعرفة الأحداث التالية التي وقعت للسيد بلبل، لتسترشد بها في اتخاذ قراراتها تجاه ما يرد إليها من مكالمات تليفونية عاطفية أولقاءات مع زملاء داخل المستشفي يخطبون ودها. كذلك تتميز هذه المشاهد ببعض الحيوية بفضل المشاكسات التي تقع بين الراوي والمستمعة بين تعدد مطالبه منها وبين إهمالها لاحتياجاته الأساسية كمريض. ولكن المشكلة أن كل هذه الحيل لا تفيد لأنك ببساطة لم تحب شخصية بلبل ولم تتفاعل معها ولم تصدقها ولا تجد أي شيء يدفعك للبقاء علي مقعدك في صالة العرض لمعرفة ماذا سيحدث لها؟ وهذا هو ألف باء الدراما ففكرة التعاطف غير واردة علي الإطلاق في هذا الفيلم .؟ ومسألة أن البطل هوالنجم أحمد حلمي ليست كافية لأن يحبه المشاهد . فالمفترض أن المشاهد يتعامل مع الشخصية وليس مع الممثل. منطق الضحك وعلاوة علي هذا تفتقد الكثير من المشاهد للترابط أولأي علاقة سببية. فمنطق الضحك هوالذي يدفع الأحداث وليس أي منطق آخر. فيبدو السيناريو أقرب لقالب مطاط يمكن أن يضع فيه البطل أكبر كم ممكن من الإفيهات المدخرة لديه من بواقي أفلام سابقة ومعظمها يدور حول علاقة الولد بالبنت، وغيرها من المواقف التي يمكن لشباب اليوم استغلالها في حواراتهم مع البنات. وربما تراهن هذه النوعية من الأفلام علي هذا . ولكن هل هذا وحده كافيا ، ومن نجم اعتدنا منه أن يقدم في أفلامه أفضل المستويات. ولا يدخر الممثل وسعا في حشو كل مشهد بالافيهات التي ليس لها أي علاقة بالموضوع . ولكنها أقرب للنكت التي يلقيها المونولوجيست في فقراته . والتي يؤديها الممثل بأسلوب فاتر ومحايد، لا يتغير مع تغير مشاعر الشخصية أوحالتها الصحية أوالنفسية. وحالة الفتور والنمطية هي الأسلوب الغالب علي أداء معظم الممثلين ، بداية من زينة، وشيري عادل ، بل وحتي يوسف فوزي في دور الأب الذي أكاد أراه يؤدي بنفس الطريقة التي أدي بها في فيلم سابق مع أحمد حلمي هو(ظرف طارق). ولا يستثني من كل هذا سوي الموهبة المتفجرة والتي تنطلق بسرعة الصاروخ إيمي سمير غانم. تتقدم إيمي بسرعة ملفتة وتثبت في كل عمل أنها أجدر وأحق بالقيام بأدوار أكبر .. فهي ممثلة رد فعل مدهشة يبدأ انفعالها من بداية إنصاتها لحوار الممثل الآخر أو من مشاهدتها لشيء يلفت نظرها في لقطة عامة أو لفكرة تطرأ علي ذهنها أثناء حديث الآخر. إنها ليست ممثلة اللحظة التي تؤدي المطلوب منها في اللقطة أوالحركة المخصوصة لها ولكنها في حالة إحساس كامل بالموقف وتنبه تام لكل ما يحيط بها ولكل ما يؤديه زملاءها وكل ما يدور حولها في المشهد. والحقيقة أن المخرج خالد مرعي يجتهد كثيرا في هذا الفيلم . ويسعي إلي تدعيم مفردات الصورة وتوظيف مختلف عناصرها من ديكور وتصوير وملابس . فيجتهد علي حسام علي في تصميم الديكورات وخاصة شقة حلمي والتي تحقق بفضل الديكور المدروس مشهدا طريفا وجديدا علي السينما حين يعود البطل فيجد المياه تغرقها وتتحول الصالة إلي ما يشبه حمام السباحة بالمعني الحقيقي. وكذلك يتلاعب أحمد يوسف بالضوء ودرجاته بأسلوب فني عال يتناسب مع طبيعة كل مشهد وأجوائه النفسية والدرامية . ولكن كل هذه عوامل مساعدة تتحقق قيمتها عندما يكون هناك فيلم أصلاً أو فكرة أساسية تستحق كل هذا الجهد. جهود ضائعة وكل هذه الجهود تضيع في النهاية مع فيلم فقير في أفكاره ولا تثريه الصورة المركبة ولا الديكورات متعددة المستويات ولاحتي الاستعانة بالطائرات والقفز بالمظلات.. ويأتي مشهد السقوط من المظلة أضعف ما في الفيلم ، فلا يوجد أي منطق أو أي تفاصيل مقبولة في المشهد تجعل من الممكن أن يسقط البطل حيا من هذا الارتفاع الشاهق الرهيب حتي ولوكان علي عشة فراخ. وهذا الضعف في المنطق والتفاصيل هي مسئولية المخرج بالأساس حتي ولوكانت أخطاؤه أصلية في السيناريو. ولكن أزمة هذا الفيلم الحقيقية تبدأ وتنتهي عند السيناريوالذي يبدأ من منطقة انحدار ويصل في نهايته إلي هاوية لا يصدقها عقل ولا يقبلها منطق. فالسيد بلبل لا يشك ولوللحظة في تآمر الفتاتين عليه . ويظل في حالة استسلام تام لمقالبهما المكشوفة جدا والتي تبدأ من لحظة وصوله إلي موعد مع إحداهن فيجد الأخري في انتظاره وكأنه واعدها هي. ويتمادي السيناريوالمكتوب علي ورق البانجوفيجعل بلبل يلتقي بمن قابله من قبل علي أنه والد الأولي ليجده هذه المرة والد الثانية والعكس بالنسبة للأم. وكلها أمور لا يبررها إصابة البطل بفقدان الذاكرة في مرحلة سابقة. وهي الحالة التي أصابته نتيجة لخبطة في الرأس وشفي منها بخبطة أخري علي طريقة أفلام زمان. ولتبرير كل ما لا يمكن تبريره يصنع السيناريست لبطله واحة غريبة من العزلة فهو بلا أهل ولا أصدقاء ولا جيران ولامعارف. وينحصر كل عالمه في خطيبتين وزميلة في العمل. وهكذا تعيش مع هذا الفيلم حالة من الملل القاتل بعد أن أصبحت تعرف تفاصيل المؤامرة وتتعجب من غباء البطل وإصرار كل صناع الفيلم علي جعله يواصل جهله بأمور بديهية بإمكان أي طفل أن يدركها . والغريب أن نري أحمد حلمي في فيلم بهذه السذاجة من إخراج خالد مرعي. وقد سبق لكل منهما أن قدم أعمالا في منتهي الرقي ومن بينها أعمال مشتركة بينهما. وفي النهاية أرجو أن يكون هذا الفيلم هوآخر كبوات أحمد حلمي وأن يسترد عافيته في فيلمه القادم. وأن يستعيد خالد مرعي وعيه ويعود إلي تقديم أفلام تحترم عقل المشاهد ويجد فيها ما يستحق أن يوظف أدواته السينمائية. ونجد فيها أيضا ما يستحق أن نشاهده.