تجتذب أفلام الأكشن جمهورًا كبيرًا من محبي المغامرات الصاخبة، التي تحتوي علي انفجارات وإطلاق رصاص ومطاردات تستخدم فيها السيارات والطائرات وجميع وسائل المواصلات، وهناك العديد من الأفلام السينمائية الشهيرة لم تزد تركيبتها عن تلك النوعية السابقة من الأكشن. أفلام مثل السلسلة الشهيرة لشخصية «جيمس بوند» بكل نجومها المستمرة منذ الستينيات وحتي الآن، وأيضاً سلسلة بورن بطولة «مات ديمون» جميعها كرست الكثير من مفاهيم فيلم الأكشن، الذي يجمع بين حبكة قصصية جيدة ومثيرة لا تقل أهمية عن إبهار مشاهد الأكشن التي تجيد هوليوود صنعها بإتقان شديد، ويقدم مدير التصوير الفرنسي «بيير موريل» فيلمه الثالث كمخرج تحت عنوان «من باريس مع حبي» From Paris with Love» ليضع اسمه ضمن قائمة مخرجي أفلام الأكشن المخلصين لهذا النوع من السينما، والذي يحقق كثيرا من الإيرادات وله جمهور كبير، وهو يستعين بموهبته كمدير تصوير بارع عمل كثيراً كمصور لأفلام أكشن شهيرة مثل «The Transporter » مع المخرجين «لويس لوتريير» و«كوري يوين» وفيلم «War » مع المخرج «فيليب جي أتول»، وكما جاء فيلمه السابق كمخرج بعنوان «اختطاف» «Taken» يقدم موريل للمشاهد جرعة مبالغ فيها من العنف والحركة والمطاردات والانفجارات وطلقات الرصاص تجعله دائم اللهاث خلف الأبطال. تبدأ أحداث فيلمه في باريس بأجواء أفلام الجاسوسية التي تتشابه مع أجواء أفلام جيمس بوند، الذي يقتبس الفيلم عنوان إحداها وهو «من روسيا مع حبي» «From Russia with Love»، وبطل الفيلم الدبلوماسي الشاب جيمس ريز الذي يقوم بدوره الممثل «جوناثان ريس مايرز» يجسد شخصية عميل مخابرات أمريكي يعمل بالسفارة الأمريكية بباريس تحت غطاء العمل الدبلوماسي، ويبدو أن طموح جيمس أن يقتحم عالم عمليات المخابرات الكبيرة الخطرة والصعبة، ولا يكتفي ببعض العمليات الصغيرة، وتسنح الفرصة لريز للعمل مع شريك هو العميل الأمريكي القادم من واشنطن تشارلي واكس الذي يقوم بدوره «جون ترافولتا»، وبحضور ترافولتا إلي باريس وإلي مشاهد الفيلم يفقد الفيلم رزانته وغموضه لينتقل المتفرج إلي مشاهدة شيء أشبه بأفلام الرسوم المتحركة، حيث الأكشن سطحي وهزلي يفتقد المصداقية، والمغامرات تفتقد الجدية، والمطاردات مفتعلة ومملة ومكررة، نحن أمام مهمة غامضة يقوم بها «جون ترافولتا» للتعامل مع عصابة تهريب مخدرات في مشهد، وفي المشهد التالي يذهب للتعامل مع مجموعة إرهابية شرق أوسطية، يتحرك «جون ترافولتا» بثقة شديدة حيث يتعامل مع كل الأحداث حوله ويبدو أنه يعرف كل شيء بينما يجلس المتفرج مذهولاً لا يكاد يفهم أي شيء مما يحدث أمامه، والمخرج في كل هذا لا يحاول منح مصداقية أو واقعية لأجواء الفيلم الذي افتقد سحر أفلام الأكشن مع حبكة ضعيفة وأداء مبالغ فيه وانسياق كامل وراء صنع الأكشن لمجرد أننا في فيلم أكشن وبلا مبررات كافية أو تمهيدات مقنعة، فالأكشن هنا فرضية تستدعي مزيدًا من إطلاق الرصاص والانفجارات والدماء التي تتناثر في كل مكان بلا مجهود كبير في السيناريو لتبريرها، وهي أمور يتحول معها الفيلم إلي فيلم أكشن درجة ثانية يعلو فيه ضجيج الرصاص والانفجارات علي صوت القصة، ويتحول المسدس في يد ترافولتا إلي سلاح سحري يقتل به كل من يعترض طريقه بسهولة شديدة، كأنه ممسك بعلبة مبيد للحشرات.. في إحدي تلك المشاهد يتقدم ترافولتا لصعود سلم مكان به إرهابيون ويتأخر عنه زميله الشاب.. يفاجأ الزميل والمتفرج بالجثث تتساقط فوق رأسه وتحت قدميه كأنها تعرضت لوحش خرافي شديد القوة يفتك بها دون أي مجهود. الفيلم تم إنتاجه بميزانية كبيرة وتم صنع دعاية كبيرة له، والبطولة لنجم كبير مثل «جون ترافولتا» الذي يظهر في الفيلم بلوك شبيه بلوك «بروس ويليس» أصلع مندفع ومتهور شغوف بإطلاق الرصاص كل الوقت، ويبدو أنه بعبقرية شديدة يشم رائحة الإرهابيين ويقتلهم قبل أن يتمكنوا من الالتفات. شخصية الهيرو الأمريكي التي يقدمها الفيلم تبدو هزلية ومبالغ فيها وتكرر نفسها طوال أحداث الفيلم الذي لم تنجح كادرات «بيير موريل» وتمكنه حركة الكاميرا من إضفاء قيمة كبيرة لفيلمه، كما حدث في فيلمه السابق مع الممثل «ليام نيسون». حيث غابت عن عدسة المخرج اللمسة السحرية، وأفرغ فيلمه من عناصر قوة فيلم الأكشن المسلي مكتفياً بالضجيج والصخب.