في بداية لقائنا معه لم نتصور أن هذا الرجل صاحب الوجه والملامح الجادين الذي يرتدي «تي شيرت وبنطلون» هو «البلياتشو المهرج» ولكنه عندما بدأ يتحدث بحرفية وخبرة عن مهنته وبدأ يضحك لنا ويتبادل معنا القفشات عرفنا أن التهريج فن وعلم بالإضافة إلي الموهبة، وعندما رأيناه وهو يغني ويرقص ويضحك مرتدياً زي المهرج لم نصدق أنه نفس الرجل الذي أجرينا معه الحوار منذ دقائق. معه عرفنا المعني الحقيقي لمهنة البلياتشو فهو ليس مجرد مضحك وإنما هو فنان صاحب رسالة وناقد ساخر للمجتمع. مشمش..أو رفعت عبد الرحمن..مهرج السيرك القومي الأول والبلياتشو العالمي..لف العالم وحصد العديد من الجوائز واحتلت صورته أغلفة المجلات العربية والأجنبية، يضحك ويهرج بالإنجليزي والألماني والروسي والهولندي ليثبت لنا أن لغة الضحك واحدة علي مستوي العالم، والغريب أنه يلعب علي الحبل «باسكلت» ويأكل النار والمسامير أيضا! أدي عروضه أمام الرئيس الراحل السادات والسيدة سوزان مبارك وأحمد نظيف وفنانين عالميين، وصدق أولا تصدق أنه شارك في نصر أكتوبر عام 73 ليس كجندي بل كبلياتشو! من هو البلياتشو؟ - هو الشخص «الشويي» الذي يقدم عرضاً مضحكاً للناس وهو مؤدي الحركة الصامتة ونظرة العين التي تجذب الشخص المتفرج ويستطيع أن ينتزع الابتسامة منه رغم همومه، وهذا يتطلب قدرات خاصة فمش أي حد يقدر يكون مهرج ممكن تلبسه لبس مهرج وتملي عليه حركات يؤديها لكن ليس شرطاً أن يضحك الناس الأهم أن يكون صادقاً، فالطفل قادر علي تمييز الابتسامة الصادقة من المصطنعة والمهرج في الأساس حضور وكاريزما بالإضافة إلي الذكاء وسرعة البديهة لأنه يعمل علي الهواء مباشرة فإذا أخطأ فلا مجال للإعادة، ففي مرة كنت بأدي عرض ووقعت بقت رجلي فوق وراسي تحت والناس فضلت تضحك معتبرة ده جزء من العرض وهنا لازم تشتغل سرعة البديهة فقام زميلي يشدني من رجلي عشان يقومني فخلع حذائي فالناس ضحكت أكثر وتداركنا الموقف ولم يعرف أحد أن هذا لم يكن جزءاً من العرض ورغم أنني كنت متألما رددت مع الجمهور ضاحكا «اي باي باي..اي باي باي». متي بدأت عملك في السيرك؟ - في يوم 9-4-1969 م،أذكر هذا التاريخ جيدا كان سني وقتها 10 سنوات وكان زوج أختي الفنان رماح - فنان الكاوتشوك العالمي- هو الذي حببني في المهنة حيث كان يصحبني معه إلي العروض ويدربني علي تمرينات الليونة والجيمانيستك وتقوية العضلات وهو الذي شجعني، أما أول مرة طلعت فيها علي المسرح عشان أضحك الناس كنت خائفاً من الجمهور ومحرجاً وأسال نفسي «هيضحكوا؟ مش هيضحكوا؟». هل كانت لديك ميول وأنت صغير أن تكون مهرجاً.. يعني كنت بتحب تضحك الناس وتسعدهم ؟ - من صغري وأنا يسعدني جداً مشاهدة المهرج فليس من السهل أن تجد المهرج، فهو بمثابة الكريزة التي تزين طبق الفاكهة وتعطيه الشكل النهائي، فالبلياتشو ليس فقط مهرجاً ومضحكاً إنما هو موجه للطفل بيقدم له رسالة ويكون من السهل علي الطفل أن يتقبلها منه فأنا بقول للطفل مثلا «المرة الجاية هعرف شربت اللبن ولا لأ وعضلاتك اتملت» أو أعطيه نصيحة «لازم نخلي بالنا وإحنا بنعدي الطريق». هل تؤلف فقراتك بنفسك؟ - نعم،ونحن نتعلم من فنانين أجانب كبار جداً ولكننا «بنمصر» أي فكرة لتتناسب مع الطفل المصري وثقافته ونقطع منها أي لفظ جارح. وأقدم العرض مع زميلي لنصنع دويتو«بندق ومشمش» زي توم وجيري ولوريل وهاردي. هل تضع مكياجك بنفسك أم تستعين بمتخصص؟ - بنفسي، وأصمم ملابسي الخاصة وأصنع أيضاً مستحضرات التجميل بنفسي وأضيف عليها كريمات ومواد معينة كي تحافظ علي البشرة. هل تؤدي نفس العرض كل يوم؟ - أغير فيه طبعاً حتي يكون هناك جديد كل يوم. هل مهنة المهرج مقتصرة علي إضحاك الناس فقط؟ - بالطبع لا، فتاريخياً كان يوجد المضحك الخاص بالبلاط الملكي وكان مسئولاً عن إضحاك الملك بالإضافة إلي نقل أخبارالرعية ونبض الشعب، والمهرجون حاليا لهم دور في نقد سلبيات المجتمع أو الحكومة فأصبحوا يؤدون دوراً سياسياً ونقدياً وتعليمياً للأطفال،كما أن لنا نشاطات أخري فنحن نشارك في حفلات الأيتام وطلبتنا وزارة الصحة للمشاركة في حملة مستشفي سرطان الأطفال وأطفال الصم والبكم والمكفوفين، كما أساهم في علاج الأطفال المصابين بالتوحد والانطوائيين حيث تحسنت حالة كثير منهم ويتواصلون معي تليفونياً ويقولو لي «إحنا صلينا أو إحنا لعبنا رياضة يا مشمش». ما الذي يجعلك كمهرج تضحك من قلبك؟ - ضحكة عالية أوي من طفل بابص له واعمل إني زعلان إنه بيضحك علي فيضحك أكثر وفي هذه اللحظة يضحك قلبي وأكون سعيدا، أنا أري أن هذه هي رسالتي فالناس بتهرب من الكآبة إلي السيرك لهذا الغرض، وشعاري في الحياة «كفايانا بكا وضغوط وتوتر كده كده اليوم هيعدي لو اكتأبنا هيعدي ولو ضحكنا هيعدي بس هيكون أحسن». لو أنت منزعج من شيء أو لديك مشكلة ومطلوب منك تطلع علي المسرح وتضحَك الناس كيف تتصرف في هذه الحالة ؟ - أنا دفنت ابني الصبح ورجعت بالليل أديت دور البلياتشو وضحكت الناس، لما بطلع علي المسرح بنسي أي حاجة تانية لأن الجمهور جاي وعاوز يبتسم، ولذلك فإن صورة المهرج الحزين أو المهرج الذي يبتسم وتنزل من عينه دمعة هي تعبير عن الواقع بالفعل. كيف تجهز نفسك قبل الظهور علي المسرح؟ - الوقت الأكبر يكون في تحضير الشخصية نفسها نفسياً ثم أرتدي ملابسي وأضع مساحيق التجميل. لو شعرت بأن الجمهور لا يتجاوب معك أو لا يضحك فهل يؤثر ذلك في أدائك ؟ وهل مررت بهذا الموقف؟ - بالعكس هاخد الموضوع علي أنه تحدٍ وأخليهم يضحكوا، ولكن دائماً يتجاوب الجمهور معي ويضحك معي ولم أمر بهذا الموقف باستثناء مرة واحدة في الكويت، إنما نحن في كل بلاد العالم معروفين ولنا بصمة مميزة، والمصريون بارعون في فن «التهريج» منذ زمن الفراعنة حيث كان يعمل في القصر «المضحك». هل مهنة المهرج تشعرك بالرضا عن نفسك وعن عملك ؟ - أنا أؤدي مهنة ورسالة ومتعة شخصية وأحب عملي جداً وكل ما الإنسان يحب عمله عمله يحبه وكل ما يخلص لعمله عمله يخلص له. وبالنسبة للماديات هل تري أن العائد المادي مجزٍ؟ - لو نظرنا للأوضاع المادية مش هنعمل حاجة وإنما نحن نعمل قدر إمكانياتنا والحمد لله قدرنا نتفوق علي مهرجين عالميين وفزنا علي 23 دولة في مهرجان صيف دبي الدولي وفزنا علي المهرجين الروس اللي علمونا، وفي السيرك هنا حققنا إيرادات مليون جنيه في 29 يوماً فقط. هل لكم معاشات أو تأمينات؟ - لنا راتب شهري بالإضافة إلي الحوافز وليس لي نسبة من الإيراد، أما التأمينات فلم يكن مؤمناً علي العاملين بالسيرك لسنوات طويلة حتي قرر وزير الثقافة فاروق حسني عمل مشروع للتأمين علي جميع العاملين بالسيرك بمبلغ 50 ألف جنيه للفرد، وذلك في شهر يوليو الماضي أي منذ شهرين فقط. هل تأثرت حياتك الأسرية بعملك كمهرج أو هل يخجل أولادك من أن يقولوا إن والدهم «بلياتشو»؟ - لدي 5 أولاد أكبرهم 28 سنة يعمل بالسيرك معي في عرض أكروبات وأحيانا بلياتشو وكلهم فخورون بعملي وسعداء به، أنا عندي صورة كبيرة في بيتي معلقها في الصالة بلبس البلياتشو وأولادي يفتخرون عندما يرون صورتي علي أغلفة المجلات العالمية مثل « كوميونتي تايمز» و«دايلي نيوز» و«عرب تايمز» هذا غير حصولي علي عدد كبير من الجوائز وشهادات التقدير من مختلف الدول العربية،ومتفهمين لطبيعة عملي بالرغم من سفري المتكرر وبعدي عنهم لفترات حيث زرت كل دول العالم مفيش بلد مزرتهاش وبهرج بالإنجليزي والألماني والروسي والهولندي وحصلت علي دبلومة من هولندا وألمانيا في فن المسرح. هل تعتقد أن لغة الضحك واحدة في كل الدول؟ - صحيح.. الضحك واحد في كل الدنيا وهو علاج ودواء لكثير من الهموم والمشاكل ولا اختلاف عليه في أي مكان. كيف تري صورة المهرج في الأعمال الفنية؟ - الإعلام ظالم السيرك بصفة عامة ولا يقدر مخاطره ولا يقدر الناس أن الحركة التي تؤدي أمامهم في دقائق معدودة تستغرق سنة تدريباً فأنا أقدم كذلك فقرة باسكلت علي الحبل وأقوم بألعاب الخطر، وأتذكر مرة أنني تقدمت لخطبة بنت فقالت لي والدتها «مقدرش أجوز بنتي لواحد هيموت بكرة». وكذلك فهو ظالم البلياتشو ومقصر في حقه والناس تستخف بالمهرج فيقولوا «إنت هتهرج؟» بينما المهرج هو من يمارس فن التهريج وهو فن صناعة الابتسامة وإخراجها من بين الكآبة، ورغم أننا حسَّنا هذه الصورة عن الأول فإن مثلا فيلم «البلياتشو» لهيثم أحمد زكي لم يعط البلياتشو حقه وكان المفروض يأتي هيثم ويجلس معي حتي أفهمه أبعاد الشخصية فهو قلب البلياتشو دراما. مَنْ أهم الشخصيات التي شاهدت عروضك؟ - السيدة سوزان مبارك وعمرو موسي وأحمد نظيف وعدد كبير من الفنانين منهم عادل إمام في عيد ميلاد حفيدته، كما أديت أمام كلينت استود وإليزابيث تايلور ومسئولين أجانب، وشاهدني أيضاً الرئيس الراحل السادات وفي عهده قمت مع زملائي في السيرك بالمشاركة في تمويهات ما قبل الحرب حيث كنا نحيي حفلات كبيرة يشاهدها العدو من الضفة الأخري فيعتقد أننا نلهو ونهرج ويطمئن أنه لا استعداد للحرب ولم نكن نعلم أننا نؤدي هذا الدور ووقفنا العروض يوم 3 أكتوبر وقامت الحرب يوم 6. كيف تحافظ علي لياقتك وحيويتك رغم سنك؟ - أنا سني 54 سنة وأحافظ علي لياقتي بالمداومة علي التمرينات الرياضية يومياً وتنظيم الأكل وعدم تناول الدهون والتقليل من السكريات والنشويات ولا أدخن أو أشرب الخمور. متي تقول «كفاية تهريج» ؟ - لن أقولها أبداً.. التهريج مهنة ليس لها نهاية ولا سن للتقاعد وأنا أحبها بشدة، وأنا لست مهرجاً داخل السيرك فقط وإنما خارجه أيضا فأحيانا أجد وأنا أقود سيارتي شخصاً حزيناً فأضحك له ضحكة عريضة أو طفلاً يبكي فألاعبه، قد يقال عني إنني مجنون ولكن هذه رسالتي ومتعتي.