نجحت الانتفاضة الأولى التى انطلقت فى 8 ديسمبر 1987 فى تغيير قواعد اللعبة الخاصة بالقضية الفلسطينية وأصبحت إسرائيل أكثر استعدادا للتوصل إلى تسوية سلمية للصراع، وكانت نتيجة توقيع اتفاقية أوسلو فى سبتمبر 1993 التى انسحبت إسرائيل بموجبها من قطاع غزة ومدينة أريحا فى مرحلة أولى تلتها مراحل انسحابات متتالية، أن بدأت حركة حماس تنفّذ عمليات انتحارية فى قلب إسرائيل فى محاولة لوقف مسار التسوية السياسية، وكانت كلما تقدمت المفاوضات، تُقدِم على عمليات انتحارية لوقف التقدم، كانت تقول إن التسوية السياسية تنازُل وانهزامية، كانت تقول إن فلسطين من البحر إلى النهر أرض وقف إسلامى لا يجوز التفريط فى شبر منها، رفضت مسار التسوية ومسيرة أوسلو، ورفضت المشاركة فى الانتخابات البرلمانية التى جرت عام 1996 فى الأراضى الفلسطينية ومن بينها القدسالشرقية بحجة أن الانتخابات تأتى وفق مسار أوسلو الذى ترفضه الحركة وتعتبره استسلاما. هاجمت الحركة الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات واعتبرته خائنا. وفجأة قررت الحركة دخول الانتخابات المحلية التى جرت فى الأراضى الفلسطينية عام 2005، مؤكدة أنها لا تعد اعترافا ب«أوسلو» عكس التشريعية، وأنها خاضت الانتخابات المحلية من أجل خدمة الشعب الفلسطينى. وفى 2006 قررت الحركة خوض الانتخابات التشريعية التى كانت ترفضها وتقول إنها مبنية على اتفاق أوسلو ومن ثم فهى خيانة، وخاضت الانتخابات التشريعية وحصلت على الأغلبية وقبلت الدخول فى حكومة وحدة وطنية مع حركة فتح، ثم قررت الانفراد بقطاع غزة فأقدمت على طرد عناصر السلطة الوطنية من القطاع وقررت إقامة إمارة إسلامية هناك كمقدمة للسيطرة على باقى أرض فلسطين، ونكَّل عناصر حماس المسلحون بممثلى السلطة الوطنية وبأهل القطاع من غير أعضاء الحركة. حاولت إسرائيل اختبارها فى ديسمبر 2008، فشنت عدوانا شاملا على القطاع دمرت من خلاله البنية التحتية وقتلت المئات من المدنيين إلى أن تم التوصل إلى تهدئة فى يناير 2009، وهى عبارة عن تعهد متبادل بعدم استخدام السلاح. وفى يوليو 2009 أعلن رئيس المكتب السياسى للحركة خالد مشعل من دمشق قبوله بدولة فلسطينية على حدود ما قبل الخامس من يونيو 1967، أى قبوله بأساس اتفاق أوسلو الذى سبق وخربته الحركة عشرات المرات. انفردت الحركة بقطاع غزة ومارست أبشع أساليب التعذيب والترويع، وحوَّلت القطاع إلى مصيدة لأهله، فقد كانت تجر إسرائيل لشن عدوان على القطاع لحسابات تتعلق بالضغط على مصر لفتح معبر رفح أو للحصول على اعتراف دولى بالحركة، وكانت قيادات الحركة تنزل تحت الأرض وكان أهل القطاع يتعرضون للعدوان الإسرائيلى فتهدَّم منازلهم ويقتَل أبناؤهم، جرى ذلك فى نوفمبر 2012 وتم تجديد التهدئة، وتكرر المشهد مرة ثالثة فى يوليو 2014 وسوف ينتهى الأمر بتجديد التهدئة. وتظل مأساة القطاع وأهله نتيجة سيطرة حركة حماس (الفرع الفلسطينى لجماعة الإخوان) عليه، وتبدو مأساة القطاع وأهله واضحة تماما عند مقارنة أوضاع القطاع وأهله بأوضاع أشقائهم فى الضفة الغربية. لقد حوَّلت حركة حماس، ولحسابات تتعلق بفكر جماعة الإخوان ومخططها، قطاع غزة إلى سجن كبير محاصَر، وأهله رهائن لديها يدفعون ثمن حسابات الفرع الفلسطينى لجماعة الإخوان.