كثيرة هى التساؤلات المطروحة حول دوافع حركة حماس للخروج على تفاهمات التهدئة مع إسرائيل، تلك التفاهمات التى تم التوصل إليها فى عام 2008، وجرى الخروج عليها مرتين، وأدى ذلك فى الحالتين إلى وقوع عدوان إسرائيلى على قطاع غزة، وهو العدوان الذى تسبب فى دمار واسع النطاق فى القطاع، وتوقف العدوان بالعودة إلى الالتزام بالتعهدات الواردة فى تفاهمات التهدئة، التى تتمثل ببساطة فى الالتزام المتبادل بعد الاعتداء، أى الهدوء مقابل الهدوء ولا شىء آخر، فلا حديث عن مفاوضات أو إفراج عن أسرى، فالتهدئة كانت مقابل التهدئة. وفى المرتين اللتين تم فيهما الخروج على تفاهمات التهدئة، شنت إسرائيل عدوانا شاملا على القطاع دمرت خلاله جزءًا من البنية التحتية للقطاع، وقتلت عشرات الفلسطينيين، وقد جرى وقف العدوان عبر العودة إلى الالتزام بتفاهمات التهدئة. السؤال هنا، ولما كانت حركة حماس تعلم تماما أن الخروج على تفاهمات التهدئة سوف يجلب عدوانا إسرائيليا شاملا على قطاع غزة، وأن وقف العدوان سيتم بالعودة إلى الالتزام بتعهدات التهدئة دون محاسبة إسرائيل على ما ارتكبت من جرائم، فلماذا إذن خرجت حركة حماس على هذه التفاهمات عبر رعاية أو السماح بوقوع عملية خطف وقتل ثلاثة مستوطنين يهود فى الضفة الغربية؟! الحقيقة لا يوجد تفسير منطقى لخروج حركة حماس على تفاهمات التهدئة، سوى محاولات الحركة إحراج القيادة المصرية الجديدة ودفعها إلى الاختيار بين الرضوخ لابتزاز الحركة وضغوطها، ومن ثم التصعيد مع إسرائيل وصولا إلى حالة تؤثر على العلاقات المصرية الإسرائيلية، ومن ثم تتعرض هذه العلاقات إلى انتكاسة شديدة تؤدى إلى مزيد من التوتر فى العلاقات المصرية الأمريكية. وفى تقديرى أن القيادة المصرية فطنت إلى حقيقة ما ترمى إليه حركة حماس، ومن ثم التزمت من اللحظة الأولى بموقف رافض للعدوان الإسرائيلى، مطالبا الحكومة الإسرائيلية بوقف الهجمات التى تشنها على القطاع، ومطالبا حركة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية فى القطاع بوقف الهجمات على إسرائيل. ما قامت به حركة حماس من خطف وقتل ثلاثة مستوطنين يهود مثّل خروجا على التهدئة القائمة على الهدوء مقابل الهدوء، وهى تهدئة التزمت بها الحركة طوال سنة حكم مرسى، فلم ترد الحركة إحراجه، بل التزمت بالتهدئة التزاما تاما وشاملا، حتى توصل رسالة بأن الجماعة قادرة على ضبط الأوضاع فى الأراضى الفلسطينية وتحقيق التهدئة، بل والتسوية السياسية. أما وقد سقطت الجماعة من حكم مصر وتغير النظام فى القاهرة، فقد بات مطلوبا من حركة حماس، وباعتبارها فرعا للجماعة، تأكيد عدم قدرة النظام المصرى الجديد على ضبط الأوضاع فى الأراضى الفلسطينية، وتوريط النظام المصرى الجديد فى مواجهة مع إسرائيل أو وضعه فى مواجهة شعبه، باعتباره لا يساند القضية الفلسطينية، ويقف مكتوف الأيدى أمام عدوان صهيونى على الشعب الفلسطينى. وإذا كانت حسابات الحركة معقدة، فإن النظام المصرى تعامل معها بمهارة عالية تدعم القضية، لا الحركة، كما أن الرأى العام المصرى كشف عن درجة عالية من إدراك حسابات الحركة، ومن ثم دعم حكومته وساندها ولم ينخدع بخطابات الحركة الحماسية ولا حديثها عن القدس والمقدسات، بل تساءل عن رجال الجماعة الذين هتفوا مرارا «على القدس رايحين شهداء بالملايين» كما تساءل عن أشاوس «داعش» وغيرهم، ولماذا لم يبادروا لنصرة أهلهم فى القطاع ضد العدوان الصهيونى؟