حتي لو أقسم الطب الشرعي بالله العظيم ثلاث مرات.. بنزاهة وصدق تقريرهم الطبي حول سبب وفاة الشاب السكندري خالد سعيد فلن يصدقهم أحد.. تقرير اللجنة الثلاثية التي شكلها النائب العام لتحديد أسباب الوفاة انتهت إلي أن سبب الوفاة هو إسفكسيا الخنق نتيجة ابتلاع القتيل لفافة البانجو.. ربما كان هذا هو السبب الحقيقي للوفاة.. لكن الرأي العام لن يصدق التقرير.. لأن مصداقية كل ما هو رسمي وصادر عن السلطة هو صفر كبير.. نتيجة ميراث طويل يتجاوز النصف قرن.. زورت خلاله السلطة إرادة الشعب في الانتخابات.. وباعت ثروات الوطن للسماسرة وتجار الأقوات بثمن بخس.. فكيف لها أن تنتظر أن يصدقها الناس ؟!.. فالسلطة التي تعد الشعب بالرخاء ثم يكتشف أنه يذهب لفئة بعينها دون الغالبية.. لن يسمعها أحد.. المصداقية كتلة واحدة لا يمكن تجزئتها.. من يكذب مرة لن يصدقه أحد حتي لو أقسم بأغلظ الأيمان.. والنتيجة تحصدها السلطة اليوم من انهيار تام في مصداقيتها وتلك كارثة.. فلا يمكن أن يعيش شعب دون سلطة تنظم أحواله.. لكن كيف تحيا هذه السلطة وهي تفتقد شرعيتها التي تستمدها من مصداقيتها ؟! صدمة المواطنين تجاه التقرير عبر عنها أكثر من قارئ علي بريدي الإلكتروني واتفقوا علي فقدان السلطة للمصداقية.. ولم يستبعدوا أن يدعي البعض أن خالد سعيد هو الذي قتل نفسه.. وأن المخبرين حاولوا إنقاذه لكنه أصر علي الانتحار.. لكن ماذا كان ينتظر الناس من تقرير حكومي.. هل توقعوا مثلا أن يدين التقرير ضباط الشرطة بعد أن أخلت النيابة سبيل اثنين من رجالها.. مما دعا النائب العام إلي إعادة التحقيق مرة أخري ؟! القارئ الدائم خالد القشري طالبني بدعوة جميع المصريين إلي الاكتتاب العام من أجل استقدام لجنة من منظمة الصحة العالمية أو من أي مؤسسة دولية مرموقة لا ترقي إليها الشبهات.. لتشريح جثة خالد سعيد وتحديد الأسباب الحقيقية لوفاته.. وليكن تقرير هذه اللجنة هو القول الفصل في هذا الموضوع.. ومساهمةً منه في تفعيل هذا الاقتراح فإنه مستعد للتبرع بمبلغ عشرة آلاف جنيه. ويقول إن دعوته لا تأتي من منطلق التعاطف مع شاب مصري فقد حياته بسبب التعذيب الوحشي.. لكنه يظن أنه بهذا العمل وحده يستطيع الجميع أن يعيشوا في هذا الوطن مطمئنين إلي سلامتهم وسلامة أولادهم. ويكمل: إن مشكلة هذا الوطن يا سيدي ليست في أنه ابتلي بأُناس معدومي الضمير لا يتورعون عن قتل الأبرياء وتعذيبهم حتي الموت.. ولا في أن أمثال هؤلاء يجدون من يبررون لهم أفعالهم ويلبسون الباطل لباس الحق.. فيجعلون من الضحية متهماً ومن الجاني مسئولاً عن حفظ الأمن وصيانة أرواح الناس.. المشكلة الحقيقية في رأيي هي أن المواطن المصري الذي يستشعر إهدار كرامته علي يد النظام الحاكم ينظر حوله فلا يجد أي جماعة أو حزب أو مؤسسة.. يستطيع أن يساهم من خلالها مع غيره من الشرفاء في الدفاع عن كرامة الوطن المستباحة. إن العمل الفردي مع الأسف لا يمكن أن يؤدي إلي أي تغيير ملموس.. وهذه الحقيقة يعلمها النظام جيداً لذلك فقد بذل كل ما في وسعه خلال العقود الماضية لإضعاف مؤسسات المجتمع الدينية والنقابية والسياسية.. ونحن اليوم إزاء هذه الجريمة البشعة نحتاج في رأيي إلي أن نتكاتف أكثر من أي وقت مضي وإلي أن نعمل سوياً لكي لا يأتي اليوم الذي نجد فيه أنفسنا - كما جري لخالد سعيد - ضحية مشوهة بلا ملامح.