قبل أن يداهمنا «الانفتاح السبهللى» لم نكن نعرف مصطلح «رجال الأعمال».. كان لدينا رجال صناعة، ورجال تجارة، ورجال مال. وكانت الأمور واضحة والقوانين حاسمة فى التعامل مع الجميع، وفى توزيع الأعباء على المواطنين بما يمنع الظلم الاجتماعى ويقرب بين الطبقات. مع «رجال الأعمال» انقلبت الأوضاع. دخل رجال الهبش والنتش والسماسرة ووكلاء الشركات الأجنبية وأنصار جماعة «اخطف.. واجرى». ودفعت الصناعة الوطنية الثمن، وخسر الشرفاء من خبراء السوق الحقيقيين والقادرين على الاستثمار المشروع وبناة المصانع وشركات المقاولات.. بينما تربع على عرش الاقتصاد.. السماسرة وناهبو أراضى الدولة، ومحترفو التهريب، وكارهو الصناعة الوطنية. وعندما وصل الأمر إلى الزواج الباطل بين هؤلاء وبين السلطة فى النظام الأسبق.. كان هذا النظام يكتب شهادة وفاته. مناسبة الحديث ما نقل عن المشير السيسى من قوله فى اجتماعه مع ممثلى «رجال الأعمال!!» إنهم قد أخذوا كثيرا طوال أكثر من ثلاثين سنة، وآن لهم أن يردوا الجميل للمجتمع، داعيًا إياهم إلى إنشاء صندوق لدعم الفقراء برأسمال مئة مليار جنيه!! قد يبدو الرقم كبيرًا لمن لا يعرف حجم ما تم نهبه من الدولة طوال العقود الماضية منذ بداية «الانفتاح السبهللى». لكن من يعرف -مثل السيسى- يدرك أنه يتحدث فى المعقول جدا. ومن يصفون أنفسهم ب«رجال الأعمال» يدركون أنه بعد ثورتين، ومع الظروف الاقتصادية التى نمر بها، والتى كانوا أحد -بل أهم- أسبابها، فإن الأوضاع لا بد أن تتغير. والتغيير لا بد أن يتم بسرعة، والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية سوف تتم بالتراضى «وهذا هو الأفضل» أو بالاضطرار إذا تعطل الإصلاح وانفجرت الأوضاع فى وجه الجميع!! باستثناء قلة منحرفة تعودت على نهب الدولة وسرقة الشعب، فإن الأغلبية من رجال الصناعة قاسوا الأمرّين فى السنوات الماضية، وهم -مع الشرفاء من رجال التجارة والمال- يعرفون جيدًا أن الأوضاع الحالية لا يمكن أن تستمر، ويدركون حجم الخطر من تركز الثورة فى يد قلة لا تتجاوز ال10٪ من السكان، بينما يقع نحو 60٪ من المواطنين فى براثن الفقر أو على حدوده!! بعض رجال الصناعة -مثل فريد خميس- بادر بالفعل بالإعلان عن استعداده لدفع 100 مليون جنيه للصندوق المقترح. لكنى لا أظن أن المبادرات الفردية ستحل المشكلة أو تفى بالغرض. المطلوب قانون ينظم العمل لتنفيذ الاقتراح، ويستعيد -قبل كل شىء- ما تم نهبه من أموال الدولة وأراضيها، وما تم التهرب منه من الضرائب، وما تمت سرقته عن طريق الزواج الحرام بين السلطة والثروة. ثم يفرض بعد ذلك النظام الضرائبى الذى يحقق العدالة ويوزع الأعباء بالعدل، ويرفع الظلم عن الفقراء، ويجبر الأغنياء على الوفاء بالتزاماتهم تجاه الدولة والمجتمع. والمؤسف أن البعض سارع إلى ترديد الحديث الممجوج والساقط الذى يهدد بأن مثل هذه الإجراءات ستجعل المستثمرين ومن يسمونهم ب«رجال الأعمال» يهربون بأموالهم من مصر. يعنى إما أن تتركونا نستمر فى سرقتكم، وإما سنهرب بما سرقناه!! كلام فارغ لا يصدقه إلا البلهاء. فرؤوس الأموال العربية والأجنبية تنهال على أمريكا وأوروبا حيث الضرائب أضعاف ما عندنا!! وحيث التهرب من دولار واحد من هذه الضرائب يعنى السجن!! وحيث لا يوجد من يربح 300٪ كما يحدث من مافيا الأسمنت عندنا!! وحيث لا احتكار كما نرى عندنا فى صناعة منتجات الألبان أو استيراد اللحوم أو غيرها. المستثمر الجاد يبحث عن دولة القانون لا الفساد. ويرضى بالربح الحلال والمشروع الذى يضمن له الاستقرار، ويمنع انفجار الأوضاع ويجعله يدفع الثمن مضاعفًا. من هنا علينا -فى نفس الوقت الذى نستعيد فيه الأموال المنهوبة ونضع قوانين العدالة الاجتماعية- أن نوفر باقى الظروف التى تضمن ازدهار الاستثمار ورواج السياحة ونهضة الصناعة. فمع استعادة الأمن وهو الأولوية الأولى، علينا أن نوفر الدعم المطلوب للصناعة الوطنية، وأن نضع القيود على الاستيراد غير الضرورى، وأن نضرب بيد من حديد على عصابات التهريب، وأن نبدأ على الفور فى برنامج التشغيل الكامل لكل مصانعنا، وأن نعيد الحياة لشعار «صنع فى مصر». تهديد الفاسدين بأن أى إجراءات لفرض العدل الاجتماعى ستجعلهم يمتنعون عن الاستثمار ويهربون بأموالهم «أموالنا» إلى الخارج.. تذكرنا بتهديدات «إخوان الإرهاب» الشهيرة: نحكمكم.. أو نقتلكم!! ولعل الكل يتعظ بما انتهت إليه تهديدات «الإخوان»!!