إسرائيل تتعرض لهجوم واسع ومزدوج بالمسيرات والصواريخ الإيرانية (فيديو)    هجوم إسرائيلى على منطقة سكنية شرقى طهران    مجدي الجلاد: مصر تعاملت بحكمة شديدة مع قافلة الصمود (فيديو)    حسام غالي يحذر: موقعة إنتر ميامي لن تكون سهلة.. وميسي «خارج التقييم»    شديد الحرارة ورياح.. الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الأيام المقبلة ( بيان مهم)    خلال ساعات.. تفاصيل امتحانات الثانوية العامة 2025 (المواصفات الرسمية)    الموعد المتوقع لإعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025؟.. رابط الاستعلام برقم الجلوس    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    الحوثيون يؤكدون تأييدهم لإيران ويتوعدون إسرائيل بحرب مفتوحة    "رفقة سواريز".. أول ظهور لميسي قبل مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    أعراض السكتة القلبية، علامات صامتة لا يجب تجاهلها    القانون يحظر رفع أو عرض العلم المصرى تالفا أو مستهلكا أو باهت الألوان    تريزيجيه وبن رمضان ووسام فى تشكيل الأهلى أمام إنتر ميامى بكأس العالم للأندية    3481 طالب يؤدون امتحانات نهاية العام بجامعة حلوان التكنولوجية    قفزة قياسية في عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم الأحد 15 يونيو 2025 محليًا وعالميًا    سوريا تغلق مجالها الجوي أمام حركة الطيران    ضبط كوكتيل مخدرات وأسلحة آلية.. سقوط عصابة «الكيف» في قبضة مباحث دراو بأسوان    إغلاق كلي بطريق الواحات لمدة 5 أيام.. تعرف على الطرق البديلة    قبل ساعات من انطلاق ماراثون الامتحانات.. التعليم توجه نصائح هامة لطلاب الثانوية العامة 2025    المهرجان القومي للمسرح يعلن عن برنامج ندوات الدورة 18 بالإسكندرية    "العسل المصري".. يارا السكري تبهر متابعيها في أحدث ظهور    السفارة الأمريكية في البحرين تدعو موظفيها إلى توخي الحذر عقب الهجوم على إيران    هيئة البث الإسرائيلية: اعتقال إسرائيليين للاشتباه فى تجسسهما لصالح إيران    بداية العام الهجري الجديد 1447.. عبارات مميزة لرسائل تهنئة وأجمل الأدعية    الجلاد: الحكومة الحالية تفتقر للرؤية السياسية.. والتعديل الوزاري ضرورة    إصابة سيدتين وطفل في انقلاب ملاكي على طريق "أسيوط – الخارجة" بالوادي الجديد    رسميًا بعد الارتفاع.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 15 يونيو 2025    كهرباء قنا تفتتح مركزًا جديدًا لخدمة العملاء وشحن العدادات بمنطقة الثانوية بنات    بمشاركة 20 ألف.. مستقبل وطن يُطلق مؤتمر شباب الدلتا بالإسكندرية    محافظ قنا يشارك في الاحتفالية الرسمية لاستقبال الأنبا إغناطيوس بالمطرانية    «الإصلاح والنهضة» ينظم صالونًا حول المستهدفات الحزبية في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان    سعر الفراخ البيضاء والساسو وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الأحد 15 يونيو 2025    نتناولها يوميًا وترفع من نسبة الإصابة بأمراض الكلى.. أخطر طعام على الكلى    دون أدوية أو جراحة.. 5 طرق طبيعية لتفتيت وعلاج حصوات الكلى    ضمن مبادرة "100 مليون صحة".. صحة الفيوم تقدم خدمات المبادرات الرئاسية لأكثر من 18 ألف مواطن خلال عيد الأضحى    «السما بتنور كل شوية ليه؟».. عمرو أديب يطالب الجهات المعنية ببيان رسمي    الاتصالات: تأهيل أكثر من 7000 متدرب من شباب شمال سيناء للعمل فى مجالات تكنولوجيا المعلومات    النيابة تدشن المرحلة الأولى من منصتها الإلكترونية "نبت" للتوعية الرقمية    أسرار صراع المحتوى «العربي - العبري» في الفضاء الاصطناعي    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    كأس العالم للأندية| «ريبيرو» يعقد محاضرة فنية للاعبي الأهلي استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي    صعوبات غير متوقعة.. حظ برج الجدي اليوم 15 يونيو    العناد قد يتسبب لك في المشاكل.. حظ برج القوس اليوم 15 يونيو    التسرع قد ينتهي بالتراجع.. حظ برج العقرب اليوم 15 يونيو    رئيس هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السابق: لا تأثيرات لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية على مصر    هانى عادل لبرنامج من إمبارح للنهاردة: أول جيتار جابتهولى أمى ودماغى بتغلى أفكار    سر دموع عبد الفتاح الجرينى على الهواء فى "صندوق الذكريات" ب"آخر الأسبوع"    بث مباشر مباراة الأهلي ضد إنتر ميامي اليوم (0-0) في كأس العالم للأندية    هشام حنفي: بالميراس أقوى فريق في مجموعة الأهلي.. ومواجهة إنتر ميامي ليست سهلة    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    إصابة 10 أشخاص إثر حادث تصادم 3 سيارات في دمنهور (صور)    وزيرة التخطيط تلتقي بمجموعة من طلاب كبرى الجامعات بالمملكة المتحدة    جامعة بدر تفتح باب التقديم المبكر بكافة الكليات لطلاب الثانوية العامة والأزهري والشهادات المعادلة    إذاعة جيش الاحتلال عن مصادر: رصدنا استعدادات إيرانية لإطلاق موجة من الصواريخ    أدعية مستجابة في شهر ذي الحجة    الهلال الأحمر المصرى: تنظيم حملات توعوية لحث المواطنين على التبرع بالدم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من قلب الظلام
نشر في أموال الغد يوم 17 - 08 - 2013

رغم قتامة المشهد وسوداويته، ورغم ظلام أبطاله، إلا أنه يمكن أن يكتشف البعض بسهولة حجم هذا البلد وقدره على كافة المستويات الإقليمية والدولية، فتقريبا يقف العالم على أصابعه متابعا لما يحدث، محاولا الإشارة بالحل حينا، ومعترضا فى أحيان كثيرة، الجميع مشغول بهذا البلد العملاق، الولايات المتحدة الأمريكية، بمؤسساتها الأربع الكبرى، البيت الأبيض ووزارة الخارجية والكونجرس والجيش، يتابعون ما يحدث لحظة بلحظة، ويعلقون عليه قدر المستطاع، معظم الدول الأوروبية، الاتحاد الأوروبى، الأمم المتحدة، سواء عبر تصريحات أمينها العام، أو من خلال انعقاد جلسة عاجلة لمجلس الأمن لمناقشة الاوضاع فى مصر، أنا لا أناقش إذا كان هذا جيدا أم سيئا، بل أرى من خلاله حجم هذه الدولة التى تشهد أحداثا لا تليق بها، أيضا جميع وسائل الإعلام المهمة فى أربعة أنحاء الدنيا، تتعامل مع الحدث المصرى، باعتباره الأول الآن، وهو أصل التغطية، وما دونه مجرد إشارة عابرة، ثم العودة مرة أخرى للحدث المصرى، طبعا هذه الوسائل لا تفعل ذلك لغرض فى نفس يعقوب، كما يعتقد البعض، لكنها متأكدة أن مشاهديها يهتمون بهذا البلد وبأخبار هذا البلد، وبمستقبله.
هذا الاهتمام الدولى، يكشف من جديد، الوزن الثقيل لمصر فى صنع القرارات الدولية، وهو بالتأكيد الخبر السار الذى أتحدث عنه، أو للدقة أؤكده، أما الخبر السىء، فمن الواضح ان كافة أبطال المشهد المصرى وصناع أحداثه، على ما يبدو لا يدركون أهمية وطنهم وقيمة دولتهم، لأنهم لو كانوا يدركون، ما كان حدث الذى يحدث الآن، الجميع، وللأسف الشديد تعامل وكأننا جمهورية من جمهوريات الموز، من الممكن أن نتعارك على طريقة الفتوات فى الحارات، دون أن يظهر فى المشهد كله، من يصوب الوضع أو يعمل على إصلاحه وتصويب مساره، بما يليق بحجمنا ووزننا فى الإقليم وفى العالم. أما المدهش فى القصة كلها، أن كافة الأطراف، لم تتوقف عن إعلان رفضها للتبعية للغرب، أو محاربتها للإمبريالية العالمية كما يقولون، بل إن هذه الأطراف كانت تتهم نظام مبارك بولائه للأمريكان، وأنه عبد للغرب، وعميل للإمبريالية الدولية، وكافة الأطراف لم تفعل غير ذلك طوال الفترة الماضية، بحثا عن موقف يناصرها أو تصريح يدعمها، ولا يتحرج أى طرف من طلب المعونة والمعاضدة، من أصغر المواقف لأكبرها.
هذا لا يعنى أبدا، أن ندير ظهورنا للعالم الخارجى، أو نطالب بالاستهانة بالمجتع الدولى وقراراته ومواقفه، بل نشير فى وسط هذه المحنة العصيبة، إلى ضرورة تفهم حجم دولتنا، وأن تكون قرارات الساسة وأبطال المشهد تليق بدولة كبرى يقدرها العالم، ويخاف عليها، حتى لو كان ذلك من أجل مصالحه فهذا طبيعى ومفهوم، فهو بالتأكيد يرغب فى استقرار الوضع فى هذا البلد صاحب التأثيرات الكبرى على المنطقة، وإلى حد ما على المستوى الدولى، فنتمنى أن يفهم كل صاحب قرار، وكل قائد سياسى، أننا دولة كبرى، لا جمهورية من جمهوريات الموز
أوراق فى يد الإخوان
عماد الدين حسين | نشر فى : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص
خسر الإخوان وأنصارهم معركة اعتصامى رابعة والنهضة لكنهم لم يخسروا الحرب الكاملة كما يعتقد بعض خصومهم.
البعض يقول: «لقد انتهى الإخوان للأبد». لا يعرف التاريخ الحديث وربما القديم أن تنظيما دعويا عقائديا قد انتهى فجأة بمجرد ضربة شديدة، قد يتراجع، وقد ينتهى فعلا لكن خلال فترة زمنية طويلة.
تعرض الإخوان لضربة شديدة يوم الأربعاء الماضى، لكن لا يزال فى أيديهم بعض الأوراق المؤثرة. فى الداخل لديهم سلاح القدرة على التعطيل والتدمير وفى الخارج لديهم القدرة على استدراج عطف الغرب بورقة دم ضحاياهم.
سلاح التعطيل جربه الإخوان منذ أول يوليو الماضى عبر جميع فنون الوسائل الاحتجاجية، ثم تطور الأمر إلى محاولة قطع الطرق والمواصلات.
وبعد فض الاعتصامين رأينا تطورا خطيرا، حيث تحول سلاح التعطيل إلى التدمير، رأينا هجمات على أقسام الشرطة والكنائس ثم مؤسسات الدولة.
الجماعة تنفى مسئوليتها عن هذه الاعتداءات، وتلمح لمسئولية أجهزة الأمن لتشويه صورتها، لكنها لم تبرهن بما فيه الكفاية على فصل مسئوليتها المادية والمعنوية عن أحداث العنف الأخيرة.
إضافة إلى التحريض على الجيش وتهديد الشرطة.
السلاح الثانى هو الرهان على الخارج.. ومنذ عزل محمد مرسى فقد فعلت الجماعة كل ما يمكن فعله لكسب تعاطف الغرب، نجحت إلى حد ما فى كسب «الميديا الغربية»، لكنها كادت تخسر تقريبا كل الحكومات، وكلما سقطت أعداد كبيرة من أنصارها قتلى كما حدث أمام نادى الحرس الجمهورى أو منصة طريق النصر عادت اليها الروح فى الغرب.
فجأة وبعد أن قامت أجهزة الأمن بفض اعتصامى رابعة والنهضة جاءت أكبر هدية للجماعة من الصحافة الغربية ثم من الحكومات الأوروبية وأخيرا البيان الذى تلاه الرئيس الأمريكى باراك أوباما.
مقابل كل الدماء التى أريقت فى فض الاعتصامين، فقد تلقى الإخوان ما يشبه قبلة الحياة بانعقاد مجلس الأمن لبحث المسألة المصرية ليلة الخميس الماضى، واحتمال انعقاد اجتماع لوزراء الخارجية الأوروبية أول هذا الأسبوع، وأخيرا الحديث عن بدء الأوروبيين فى اتخاذ إجراءات عقابية ضد الحكومة المصرية بوقف معونات أو سحب الرعايا وتقليل السائحين ووقف رحلات الطيران.
هذه الإجراءات الدولية هى الضربة الأشد إيلاما التى تلقتها الحكومة المصرية الجديدة منذ تعيينها. والمفارقة أن تهليل الإخوان يتعارض مع انتقاداتهم الواسعة للغرب بأنهم دعموا الانقلاب ضدهم.
الغرب يقول إنه لا يريد أن يرى مزيدا من الدماء فى مصر حتى لا يتخذ إجراءات ضد حكومتها، وبالتالى فربما يكون الإخوان قد فهموا المعادلة على النحو التالى: أنه كلما سقط المزيد من الضحايا من أنصارهم على يد قوات الأمن، زاد الغرب من الابتعاد عن الحكومة المصرية الجديدة واقترب كابوس الإخوان من الانتهاء.
إذن فالمؤكد أن الإخوان قد يتوقفون مؤقتا عن الاعتصامات لكنهم لن يتركوا المسيرات والمظاهرات، ليقولوا للجميع: نحن هنا ولن ننصرف بسهولة.
المؤكد أيضا أن الإخوان سوف يتركون أنصارهم أو المتعاطفين معهم أو «الجن» الأزرق، يستمر فى مهاجمة واستنزاف أجهزة الدولة الجديدة لإسقاطها، وفى كل الأحوال لن يتوقف الإخوان عن استدراج معارك دامية مع الدولة يفضل أن يكون أنصارهم بعيدا عنها قدر الإمكان.. هذه الدماء هى فقط ما قد يجعل بعض الأطراف الغربية تتدخل.. فربما تتغير المعادلة وقتها.
ماذا فعل بنا العصر الأمريكى؟
جلال أمين | نشر فى : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص
حدث منذ نحو سبعين عاما، حادث خطير، أصبح العالم بعده مختلفا جدا عما كان قبله. لم يكن هذا الحدث هو الوحيد فى التاريخ الذى أحدث انقلابا كبيرا فى أحوال العالم.
فهكذا كان أثر الثورة الفرنسية مثلا، وأثر الثورة الصناعية، وقد حدثا منذ أكثر من قرنين، وكذلك أثر الحرب العالمية الأولى، والثورة الروسية، منذ قرن من الزمان، وسقوط حائط برلين منذ ربع قرن. ولكننى لا أظن أن أيا من هذه الأحداث يعادل فى أثره الجزء الأفقر من العالم، أيا ما كان يسمى بالعالم الثالث، بما فى ذلك مصر، ما كان للحرب العالمية الثانية (39 1945) من أثر.
كنت طفلا صغيرا عندما قامت تلك الحرب، ثم شهدت فى مطلع شبابى قيام ثورة 1952، وتأميم قناة السويس فى 1956، ثم إعلان القوانين الاشتراكية فى 1961، والهزيمة العسكرية الفادحة فى 1967، ثم نجاح المصريين فى عبور قناة السويس فى 1973، وإعلان السادات انفتاح مصر على العالمم فى العام التالى، ثم توقيعه لمعاهدة الصلح مع إسرائيل فى 1979، ثم مقتله بعد عامين.
كنت قد تجاوزت الأربعين من عمرى عندما تسلم حسنى مبارك الحكم، فعاصرت يوما بعد يوم الثلاثين عاما الكئيبة التى استمر فيها حاكما لمصر، وحاول فى أواخرها ترتيب توريث الحكم لابنه وفشل. كما عشت يوما بعد يوم أيضا العامين الماضيين اللذين تليا ثورة 25 يناير 2011. وها آنذا أعانى اليوم، مثلما يعانى معظم المصريين، الشعور بالإحباط الناتج عما نسمعه يوميا من أحداث مخيبة لأمل بعد آخر من الآمال التى بعثتها ثورة 25 يناير.
عندما استعدت شريط هذه الأحداث كلها، قفزت إلى ذهنى الحرب العالمية الثانية كحادث فاصل بين عصرين مختلفين أشد الاختلاف، وبدا لى أن إدراك الفوارق الكبيرة والحاسمة بين هذين العصرين قد يلقيان ضوءا مفيدا فى فهم ما نمر به اليوم من أحداث.
من الملائم جدا فى رأيى، أن نصف عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى الآن بأنه «العصر الأمريكى». وأعتقد أن هذا الوصف يمكننا من أن نفهم أهم ما طرأ من تغيرات على أحوال مصر، ومعظم دول العالم الفقيرة، منذ ذلك الوقت.
كان من أهم نتائج تلك الحرب أن ورثت الولايات المتحدة دول أوروبا الاستعمارية، وأهمها بريطانيا وفرنسا، (مع استثناءات قليلة حل فيها الاتحاد السوفيتى محل هذه الدول الاستعمارية القديمة، ولكنه فشل فى الاحتفاظ بها بعد نهاية الثمانينيات). لم تسدل الحرب العالمية الثانية إذن، الستار على ظاهرة الاستعمار بل استبدلت فقط صورة جديدة للاستعمار بصورته القديمة. كيف يمكن أن نتوقع غير ذلك فى عالم اتسم دائما بسيطرة القوى على الضعيف؟ كان لابد بالطبع أن يتغير أسلوب السيطرة، ونوع الخطاب المستخدم لتبريرها. أما واقعة السيطرة والقهر نفسها، فتظل مستمرة حتى يجد المقهورون طريقة للإفلات. لقد كادت كلمة «الاستعمار» أن تختفى اختفاء تاما بعد أن كنا لا نكف عن استخدامها فى صبانا ومطلع شبابنا، ولكن اختفاء كلمة الاستعمار شىء، وانتهاء الاستعمار نفسه شىء آخر.
حدث تغير آخر فيما يتعلق ب«الديمقراطية». فعندما قامت ثورة 1952، كلان أحد أهدافها الستة المعلنة «إقامة حياة ديمقراطية سليمة»، على أساس أن الديمقراطية التى عرفتها مصر فيما بين الحربين لم تكن سليمة بل مزيفة، فإذا بنا نشهد فى الستين عاما التالية (52 2011) عهودا تتراوح بين الدكتاتورية السافرة، والدولة البوليسية، وبين ديمقراطية تثير الرثاء، بما كان فيها من تناقض بين الشعارات المرفوعة وبين تجديد مستمر لقانون الطوارئ، وتزييف للانتخابات واعتقال المعارضين وإغلاق صحفهم.
كان من بين الأهداف المعلنة أيضا لثورة 1952، القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، فإذا بنا نرى أن ما حدث هو مجرد الانتقال من التدخل الخجول جدا من جانب رأسمالى عصامى مثل أحمد عبود باشا فى بعض القرارات السياسية، إلى التزاوج الصريح جدا بين رأسماليين من نوع أحمد عز وبين لجنة السياسات ووزارات الحكومات الأخيرة فى عهد حسنى مبارك.
أما العدالة الاجتماعية التى كانت أيضا من بين أهداف ثورة 1952، فقد كانت بالطبع هدفا مبررا تماما بالنظر إلى الفجوة الرهيبة بين مستوى معيشة الفلاحين فى القرى والإقطاعيين المقيمين فى قصورهم فى المدينة، ولكن ما أقل ما أحرزناه من تقدم فى هذا الأمر أيضا، عندما ننظر إلى الفجوة القائمة بين نمط حياة سكان العشوائيات اليوم فى المدن المصرية، وبين نمط حياة الطبقتين العليا والوسطى فى المدن أيضا كان الحلم الأكبر للفلاح المعدم قبل 1952، أن يتملك قطعة أرض صغيرة، وأن يتعلم ابنه فى المدارس ويصبح موظفا فى الحكومة. أما الآن، فقد أصبح حلمه، سواء كان يملك قطعة أرض صغيرة أو لا يملكها، تعلم فى المدارس أو لم يتعلم، أصبح موظفا فى الحكومة أو لم يصبح، هو أن يقبل أحد مقاولى الأنفار أن يمكنه من السفر عبر البحر المتوسط للدخول خلسة إلى أرض إيطاليا أو اليونان، ليبدأ هناك فى البحث عن عمل يتعذر الحصول عليه فى مصر.
كم كانت آمالنا عالية منذ ستين عاما، عندما قامت ثورة 1952، سواء فيما يتعلق بالتخلص من الاستعمار إلى الأبد، أو تطبيق نظام ديمقراطى حقيقى، أو إنهاء سيطرة رأس المال على الحكم، أو تحقيق (أو على الأقل البدء فى تحقيق) نظام تسوده العدالة الاجتماعية. ولكن كم خابت آمالنا، فى كل هذه المجالات الأربعة، إذ نجد أنفسنا الآن، بعد انقضاء هذه الفترة الطويلة، مازلنا دولة «تابعة»، وإن لم تعد تسمى مستعمرة، وبعيدة كل البعد عن تلبية رغبات الناس وتحقيق مصالحهم، وإن كانت تطبق أسلوب الترشيح والتصويت فى الانتخابات، ولا تبدو أى بادرة تدل على التخلص من سيطرة رأس المال على الحكم، أو السير نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، رغم استمرار رفع هذه الشعارات مرة بخطاب له صبغة «مدنية» ومرة بصبغة «دينية».
هل يمكن حقا أن نرد كل هذا إلى أننا منذ نحو ستين عاما دخلنا فيما يمكن تسميته «بالعصر الأمريكى»، وما زلنا فيه لم نغادره؟ وأنه لا أمل لنا فى تحقيق آمالنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلا بالخروج منه؟ أعتقد أن الإجابة الصحيحة على هذه الأسئلة هى بالإيجاب، وسوف أحاول أن أبين ذلك فى المقال التالى.
محاولات لكتابة مقال يليق!
بلال فضل | نشر فى : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص
«كل الكلام أرخص من الدم الذي سال». إيه رأيك لو بدأت مقالي بالعبارة دي؟
قوية و»مناسبة للأحداث»، لكن أنا فاكر إنك بدأت بيها مقال ليك أيام مذبحة ماسبيرو.
صحيح، طيب إيه رأيك في البداية دي: «يا الله ياولي الصابرين، متى تتوب علينا من حكام لا يهتزون لدماء الشعوب، ولا يبنون قراراتهم على تقارير المخبرين غلاظ الأكباد، ولا يدركون أنهم مع كل قتيل يسقط يدقون مسمارا جديدا في نعشهم هم، ويتفوقون على فرعون نفسه في بطء الفهم، فحتى فرعون عندما أدركه الغرق شهد بأنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل».
حلوة جدا وأقوى طبعا، بس إنت كتبت الكلام ده أيام مذبحة محمد محمود.
تصدق فعلا، وأنا استغربت الكلام طالع مني بسهولة إزاي في ظروف مهببة زي دي. طيب شوف بقى الدخلة دي أعتقد هتعجبك جدا: «لماذا أمرت بالضربات التي سقط فيها أبناء شعبك قتلى وجرحى في شوارع مصر طيلة الأيام الماضية. إذا لم تكن أنت الذي أمرت فمن الذي أمر بذلك إذن؟... ولماذا لم تعتذر لشعبك كما يفعل كل الزعماء في العالم المتقدم الذين يعلمون أنهم ليسوا آلهة ولا أنصاف آلهة، بل بشر يخطئون ويصيبون. إذا كنت تعلم بما حدث فتلك مصيبة لأنك خالفت ما أقسمت عليه بالحفاظ على أمن وسلامة المواطن، وإذا كنت لا تعلم فالمصيبة أعظم لأنك عندها لا تستحق أن تكون رئيسا لنا.... لماذا رضيت بإطلاق الرصاص على مواطنين أقسمت على حمايتهم؟، لماذا لم تفكر ولو من باب المصلحة في أن تقول للناس أنك لست إلها، وأنك بشر يمكن أن يعتذر ويعترف بالخطأ، لماذا لم تتحدث بكلمة عن الذين قتلهم وأصابهم رجالك، لم تعلن حتى عن إحالة القتلة إلى محاكمة عاجلة لكي تبرئ نفسك من دمائهم، للأسف لم تفعل ياسيادة الرئيس ولذلك ستظل دماؤهم في رقبتك إلى أن تعتذر وتحاكم من سفكوا دماء الأبرياء».
لا إنت كده بتستعبط. ده نص أول فقرة في مقال (لماذا قتلت شعبك؟) اللي نشرته يوم 4 فبراير 2011 في (المصري اليوم) بتحمل فيه مبارك مسئوليته السياسية عن القتل في طول البلاد وعرضها، وأعدت نشره بالنص في (التحرير) يوم 22 نوفمبر 2011 وفي آخره كتبت إنه سبق نشره من قبل بس انت بتوجهه المرة دي للمشير طنطاوي بتحمله مسئوليته السياسية عن القتل في محمد محمود، وفي 28 يناير 2013 نشرته هنا في (الشروق) بالنص وقلت في نهايته إنك سبق ونشرته موجها لمبارك وطنطاوي والمرة دي بتعيد توجيهه لمحمد مرسي لتحميله مسئولية دماء المصريين التي سقطت في بور سعيد والإتحادية ومناطق متفرقة في مصر، ده أنا حفظته من كتر ما أعدت نشره.
طيب خلاص، هاعيد نشره موجها لعدلي منصور وتبقى فرصة لتذكير الناس بكل المذابح اللي حصلت في العهود السابقة، وإن الحاكم وحده هو اللي بيتحمل مسئولية قتل معارضيه زي مابيتحمل مسئولية قتل مؤيديه، لإن الدم معناه فشل لسياسته، وإننا كده هنفضل نطلع من نقرة دم نوقع في دحديرة دم.
على أساس إن التذكير ده جاب أي نتيجة قبل كده مع الرؤساء اللي بجد ولا فرق معاهم ببصلة، وعلى أساس إن عدلي منصور بيحترم وعوده، مش الراجل أعلن إنه هيشكل لجنة للتحقيق في مذبحة الحرس الجمهوري ومن ساعتها ماجابش سيرتها ولو بكلمة حتى احتراما لتاريخه القضائي.
عندك حق، طبعا هيبقى استعباط لو جبت سيرة حازم الببلاوي على أساس إنه يملك من أمره شيئا، وعيب برضه أعمل زي الكتاب اللي ماحدش فيهم بيجيب سيرة الفريق أول عبد الفتاح السيسي اللي هو الحاكم الفعلي للبلاد والناس كلها عارفة كده وبتقول على النت، بص أنا هاسمي الأمور بمسمياتها، إيه رأيك لو بدأت المقال كده «عدلي منصور ومحمد بديع والفريق عبد الفتاح السيسي وخيرت الشاطر ومحمد البرادعي وصفوت حجازي واللواء محمد ابراهيم ومحمد البلتاجي وحازم الببلاوي، كل هؤلاء الآن مثلهم مثل حسني مبارك وحبيب العادلي ومحمد مرسي يتحملون المسئولية السياسية عن إراقة دماء المصريين، وعلى من يجلس منهم في مقاعد السلطة أن يستقيل من منصبه أو يتحمل مسئوليته بشجاعة ويحيل المتسبب في مذبحة طريق النصر إلى المحاكمة كائنا من كان، و على كل فرد من هؤلاء أن يعلم أنه إذا تراخى عن فعل ذلك فإنه مهما كانت قوته ونفوذه لن يفلت من العدالة عندما يأتي يوم تتغير فيه موازين السلطة التي انقلبت على كل من ظنوا أنهم محصنون من كل عقاب، تماما مثلما يجب على كل مصري يتخيل أنه يمكن لأحد أن يلغي أحدا في هذا الوطن مهما قل عدده، أن يدرك أنه يعيش في وهم كبير عاش فيه الكثيرون من قبل في أوطان كثيرة وأفاقوا بعد فوات الأوان».
بس دي بداية مقالك يوم 28 يوليو اللي فات ده بعد مذبحة طريق النصر.
واتشتمت بسببه من المتطرفين من كل الأطراف، عشان ناس كتير اليومين دول بيحبوا الكاتب الشبيح اللي يقول اللي هما عايزينه بعد ما يصيغه بأقصى درجات الأفورة، ولازم يحمل مسئولية كل اللي بيجرى لطرف واحد بس ويبرر للي واقف في صفهم أي حاجة يعملوها أيا كانت حتى لو كانت هتولع البلد بعد كده، الناس دي مش عايزة تسمع كلام يفوقهم من الهستيريا زي إن العنف بيجيب عنف والدم بيجيب دم، وإنك لما يبقى عندك ألف معتصم فإنت عندك مشكلة، لكن بعد ما تقتل ميت واحد منهم فانت عندك ميت مشكلة، وإن سلاح السياسة أقوى من سلاح القمع حتى في مواجهة الجماعات المتطرفة، وإن الغشومية هندفع تمنها غالي وساعتها الناس اللي بتشتم الأصوات اللي كانت بتدعو للعقل والنفس الطويل هتتهرب من تحمل المسئولية بس بعد ماندخل في دايرة دم مفرغة لا يعلم نهايتها إلا الله.
جرى إيه ياعم إنت هتسمع لي ملخص لمقالاتك الشهرين اللي فاتوا، تقدر تقولي استفدنا بإيه من كلامك أصلا، ده حتى مافيش حد استقال في البلد دي غير البرادعي يا فالح، بص أنا رأيي إنك تعتذر عن الكتابة أحسن.
يعني مافيش حد في البلد دي اعتذر عن قتله لأي مواطن مصري في أي عصر في أي وقت، عايزني أنا اللي أعتذر عن الكتابة، جت عليا يعني.
هو انت لازم تكتب؟.
لأ، بس أنا قبل عشرة إيام وعدت القارئ إني هارجع أكتب النهارده بعد أجازة قصيرة وعايز أوفي بوعدي.
يعني هو في حد في البلد دي وفى بأي وعد ولو على سبيل الغلط، عايز إنت اللي توفي بوعدك، انت بذمتك شايف الكتابة ليها أي لازمة اليومين دول.
ولا اللي قبلهم ولا ليها أي لازمة من أساسه.
أمال بتكتب ليه؟.
يعني إنت لاقي أي تفسير لأي حاجة بتحصل في مصر، ودي بقى اللي عايز لها تفسير.
في دي عندك حق، أفحمتني، بس أنا مافهمتش في الآخر هتنشر إيه؟.
هانشر الحوار اللي دار ما بيننا ده، لغاية ما ألاقي حاجة أكتبها بعد كده ما تكونش اتكتبت قبلها.
بس دي هرتلة لا تليق.
يعني إذا كان اللي بيحكموا البلد بيهرتلوا ولا بيحكموها بشكل يليق.
في دي برضه عندك حق، بس ياريت والنبي تختم المقال بالدعاء بتاع الجبرتي اللي بتختم بيه كل مرة.
حاضر، يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف.
الأربعاء الأسود
عبد الرحمن يوسف | نشر فى : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص
هل هناك أى دليل جاد على وجود أسلحة ثقيلة فى اعتصام رابعة؟.
الطائرات المروحية التى حلقت فوق الاعتصامين كانت تستطيع تصوير مضادات الطائرات بكل سهولة!
أما الأسلحة الخفيفة فمن الممكن دسها كما تعودت الشرطة دس قطع الحشيش على أى شخص تريد تلفيق التهم له!
لماذا قرر النظام فض الاعتصامين بهذه الطريقة؟
الجواب لأننا أمام فاشية عسكرية جديدة، وبيت العنكبوت الذى يبنونه الآن فى شكل مرحلة انتقالية أو نظام جديد لا يمكن أن يستقر إلا بالعنف (هذا ما يظنه نظام أهوج).
إن ما حدث فى يوم الرابع عشر من أغسطس 2013 كان جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، ومن قام بها سيحاسب، من أكبر رأس إلى أصغر ذنب، ومن يتخيل أن الأمر سيمر عليه أن يقرأ مصير قادة الانقلابات العسكرية فى العالم، وأن ينظر كيف كان مصير «بينوشيه»، و«برويز مشرف»، و«كنعان إيفيرين».
كل هؤلاء وغيرهم حوسبوا، وعاشوا خزيا لا مثيل له وهم على أعتاب الحياة الأخرى.
لقد تأكدنا للمرة الألف أننا نملك جهاز شرطة غير محترف، لا يستطيع أن يقبض على حرامى غسيل، ولا يمكن أن يتخيل أحد أن هذا الجهاز عديم الكفاءة من الممكن أن يفض اعتصاما فيه عشرات الآلاف دون أن يرتكب مذبحة، وبالتالى كل من تحدث عن الفض هو فى حقيقة الأمر قد أعطى الأجهزة الأمنية رخصة بارتكاب مجزرة.
وزير الداخلية يزعم أن أسلحة ثقيلة أطلقت على القوات، وحين حصر الأسلحة التى وجدوها لم يذكر ضمنها سلاحا ثقيلا، بل إنه ذكر عددا هزيلا من الأسلحة، بحيث لو صحت روايته يكون من السفه أن نقتل كل هؤلاء (حتى لو التزمنا بالعدد الرسمى) من أجل عدة بنادق وعدة مسدسات وعبوات خرطوش ومولوتوف!!!
من يظنون أن الاعتصام انفض أقول لهم إن المشكلة أكبر بكثير من ذلك، لقد فتحت بوابات الجحيم!
أما إذا سألتنى «إنت إخوان»، فأنا بدورى أسألك «إنت إنسان؟»، من يتخلى عن إنسانيته دقيقة واحدة يفقدها للأبد.. فلينظر كل إنسان فى ضميره ليرى هل ما زال إنسانا؟ أم تحول إلى وحش.
من اليوم نحن نعيش فى بلد آخر غير الذى عشنا فيه قبل ذلك، وهذه المذبحة بداية فصل أسود فى التاريخ المصرى الحديث، وسوف تعلمون.
كلمتى الأخيرة أوجهها لكل من نظنهم شرفاء داخل النظام مثل المناضل كمال أبوعيطة، د.حسام عيسى، د.مصطفى حجازى، د.هانى محمود، د.زياد بهاء الدين وغيرهم... انسحبوا قبل أن تتحولوا من مناضلين وثوار... إلى مجرمى حرب!
الانقلاب الفاشى وجغرافيا الغضب
سيف الدين عبدالفتاح | نشر فى : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص
فى الثالث من يوليو وبعد انقلاب العسكر كانت هناك خريطة أخرى هى فى حقيقة الأمر قاطعة للطريق وخارقة له، خصوصا وأنها بدأت بما رأته من هدف رئيسى وهو عزل الرئيس مرسى ثم أعقبت ذلك بتعيين رئيس مؤقت وبتشكيل حكومة انتقالية وبإصدار إعلان دستورى وبتشكيل لجنة لتعديل الدستور ولجنة للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وبعد ضغوط عدة أصدرت القوات المسلحة جدولة لخارقة الطريق جعلت فيه انتخابات الرئاسة آخر خارطة الطريق لا أول المطالب التى أخذت على قاعدة منها توقيعات المواطنين.
هذا المشهد يعبر عن وضع خطير بدأ بخرق القواعد الدستورية والقانونية بل وأصول الشرعية لتعبر بذلك عن حالة انقلابية قطعت الطريق على المسار الديمقراطى وحل محله وجود العسكر فى المشهد يحكمون ويتحكمون فى الظاهر وفى الباطن بضمير المتكلم أو بالضمير المستتر، وبدت هذه المحاولات تسكن كل تلك الخطوات فى خريطة انقلابية تجعل كل الانتخابات فى ذيلها بحيث أهدرت هذه الخريطة بتعطيلها للدستور وحلها مجلس الشورى وعزلت الرئيس المدنى المنتخب، إنها بذلك قد خرقت قاعدة قيمة الصوت الانتخابى وعملية التصويت ونتائجها" تحت دعوى إعمال بدعة الإرادة الشعبية بلعبة عد الرؤوس"، وكرست مشهدا إنقلابيا، هذا المشهد وضع الفيتو على كل أمر يعترض عليه الجيش وعاد بنا إلى الوراء لخرق القواعد التأسيسية التى تتعلق بصياغة صفحة جديدة فى العلاقات المدنية العسكرية، ومن أسف أنه قد بارك خارقة الطريق هذه مجموعة لا بأس بها ممن يسمون بالتيارات المدنية وللأسف الشديد فقد اختاروا طريق البيادة على طريق المسار الديمقراطى الذى يحمل أدواته كما يقرر آلياته، وبدت جوقة الليبراليين وبعض اليساريين المزيفين، من عبيد البيادة، يعبرون عن رضائهم لخارقة الطريق وقطع طريق(قاطعة الطريق) مسار التحول الديمقراطى وبرزت ما يمكن تسميته ب"الليبرالية المجنزرة" و"الديمقراطية المدرعة" على حد تعبير الأستاذ "وائل قنديل" ليسهموا فى خارقة الطريق ويدشنوا للانقلاب العسكرى ويقوموا على رأس حكومة جاءت على ظهر الدبابات، أليست هذه خارقة الطريق، وأليس هؤلاء قطاع طريق؟ يا هؤلاء من وجعتم أدمغتنا بالديمقراطية وإرادة الشعوب أتيتم وحكمتم على ظهور الدبابات وصارت ليبراليتكم ليبرالية مجنزرة، جزء من انقلاب عسكرى لا نعرف متى ستكون نهايته؟ آن الأوان ألا تتحدثوا عن ديمقراطية بعد ذلك أو ليبرالية حقيقية.
●●●
ومنذ الانقلاب العسكرى فى الثالث من يونيو تتابعت المجازر سواء فى اعتصام النهضة أو فى اعتصام رابعة العدوية أو فى حادثة نادى الحرس الجمهورى أو فى مجزرة المنصة أو حوادث عدة فى محافظات مختلفة بطول البلاد وعرضها ليقع شهداء وتسال دماء ويقع الآلاف من المصابين ليرسم خريطة تتسع من الغضب الذى ارتبط بهذا الانقلاب الدامى والعسكرية الفاشية وتسقط الأرواح هنا وهناك لتشكل خريطة متسعة من الأحزان والغضب المتصاعد الذى لا يمكن ايقافه بزراعة الموت فى كل بيت.
هذه الخرائط التى تتسع مساحاتها تجعل فى كل محافظة أكثر من شهيد وعشرات المصابين لتعبر بذلك عن تعبئة الغضب فى كل أرجاء مصر لن يولد إلا مزيدا من روح العنف الكامن الذى يتراكم فى كل مكان، إن هؤلاء الذين لا يعرفون درس الجماعة الوطنية بكل تنوعاتها وتوهمهم أنهم قادرون على استئصال قوى سياسية وفصيل بعينه إنما يعبر عن قمة المراهقة السياسية وروح استئصالية وعنصرية وتصدير خطاب الكراهية الذى لن يؤدى فى النهاية إلا إلى تحويل بر مصر كله إلى حقل ألغام يمكن أن يتفجر فى أى لحظة لا نقول ذلك تهويلا أو تهديدا ولكنه الأمر الذى يُزرع فى أرجاء مصر من غير نظر بصير يدرك مآلات الأفعال وما يترتب عليها من نتائج وآثار وعواقب وخيمة، لا يتحملها الوطن فضلا عن أنه يضر ضررا مباشرا بالسلم الأهلى ويؤدى إلى احتراب واقتتال بين فئات المجتمع وقوى هذا الشعب على تنوعاتها.
●●●
ومنذ صدور ذلك البيان عن مجلس الوزراء بتفويض وزارة الداخلية بفض الاعتصامات تحت دعوى أنها تهدد الأمن القومى، ومع تلك التحيزات فى بيان القيادة العامة للقوات المسلحة الأول فإنه يتحدث عن اعتصامات دون اعتصامات، ويحرض على تقديم الشكاوى بعمل أرقام تليفونات تتلقى الشكاوى من الأهالى ضد اعتصامات رابعة العدوية والنهضة ولم يحدد رقما لأهالى التحرير مثلا لتلقى شكاوى الأهالى فى مواجهة ذلك الاعتصام الأمين والمأمون الذى يدخل فى ركابهم ويتلقى توجيهاتهم، ما بالنا أمام اعتصام مدلل ومُهلِل واعتصامات أخرى مُهددَة تُتوعد بالويل والثبور وباستخدام كل الوسائل وكل الأمور التى تفض هذه الاعتصامات والاحتجاجات السلمية لأن هؤلاء الموجودين فى هذه الاعتصامات ليسوا إلا أولاد "البطة السوداء" يتعاملون معهم وكأنهم ضد الوطن ويمثلون عملا إجراميا أو إرهابيا، إن الذى يفعله الانقلاب الدموى ليس سوى عملية ترويع حقيقية، والاحتجاج والاعتصام هى محاولة كسر إرادة الانقلاب والفاشية العسكرية والدولة البوليسية.
●●●
ثم كانت الطامة الكبرى فى جريمة فض الاعتصام فى ميدانى النهضة ورابعة العدوية بهذا الشكل الهمجى البربرى ليسقط شهداء ودماء تعد بالمئات وآلاف المصابين بالرصاص والخرطوش فى جريمة نكراء وممارسة عمليات إبادة حقيقية تتوزع أعدادهم على أنحاء محافظات مصر على طولها وعرضها، فضلا عن سقوط شهداء ومصابين فى مسيرات المحافظات والمدن والقرى، فضلا عن فرض حالة الطوارئ وحظر التجول، التى لن تمنع امتداد مساحات الغضب والمطالبة بالقصاص.
إنها خريطة الغضب الآخذة فى التراكم والاتساع أقول لكم أنكم تزرعون الألغام فى كيان الجماعة الوطنية وأنكم بذلك تهددون الأمن القومى لمصر بأسرها، ليس بذلك التعامل الهمجى يمكن أن تدار الأمور فى مصر الوطن ومصر الثورة، إن مشروع استعادة المسار الديمقراطى والحفاظ على تماسك الجماعة الوطنية لا زراعة الغضب والاحتراب الأهلى هو جوهر الحفاظ على أمن مصر القومى لو كنتم تعقلون؟!
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
لوحة الجحيم
بسمة عبد العزيز | نشر فى : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص
التقيت فى الفترة الماضية أصدقاءً وصديقاتٍ كُثر، وتَلَقَّيت اتصالاتٍ عديدةٍ وبادرت بمثلِها. لم يكن فحوى اللقاءات والأحاديث كما جرت العادة فى هذا الوقت من العام؛ تَبَادُل التهانى بالعيد والسؤال عن الصحة والأحوال، فقد أصبح الشغل الشاغل للناس أكثرهم، تلك التطورات المتتالية على الساحة المأزومة، التى لا تفتر ولو للحظة واحدة.
انقضت المحادثات التى امتد بعضها لساعة أو ما يزيد، فى عرض رؤى سياسية متناقضة تتناول الوضع الحالى، ومِن عَجَبٍ إننا بادرنا جميعاً وبمجرد إلقاء التحية السريعة، إلى إعلان مواقفنا الشخصية قبل أى شيء آخر، وانبرينا نسرد مبرراتها متحفزين، وكأنما نحمل على اختلاف مشاربنا اتهاماتٍ معلقة فوق الرءوس؛ تطاردنا، وتَقُضُّ مضاجعنا.
●●●
كانت الحوارات تتشعب وتستطيل، لكنها أبداً لا تخرج من دائرة البحث عن مبررات وأسانيد، يحاول بعضنا الهرب من النقاش الذى لا يصل إلى مرفأ، لكنه يعود بعد جهد قصير إلى النقطة ذاتها، بلا نتيجة وبغير إرادة واعية. أتملص من الجدل المحتد بين أطراف صارت متعادية؛ إلى أن أحتد بدورى وأكتشف أنا الأخرى إننى اندمجت فى محاولة تبرير رأيى مثلما راح الأصدقاء جميعهم يفعلون.
انكفأ كلٌ على ذاته يحاول حمايتها من الغمز واللمز وهجمات المعسكر المناوئ ومن احتمالات التخوين المشرعة كما السيوف فوق الرقاب وقد صارت المحافل واللقاءات مثلها مثل مواقع التواصل الاجتماعية وعلى رأسها الفيس بوك، ساحة للعراك؛ يلتزم مستخدمها بإعلان موقفه وصَفِّ دفاعاته ومبرراته، ويستفيض فى تسفيه مُخَالِفِيه كلما أُوتِيَ دليلٌ يثبت صحة انحيازه، بل ويحذف من قائمة أصدقائه فى أحيان كثيرة هؤلاء الذين انحازوا إلى الجانب المقابل، واختاروا معسكر «العدو»، وبعد إتمام الحذف ينشر على صفحته إنه قام باستبعاد غير المرغوب فيهم، وتَخَلَّصَ بنجاح من «المُلَوِّثَات»، ثم يُهَدِّد بأنه سوف يفعل المثل بكل من يجرؤ على مخالفته فى المستقبل، فيَتَلَقَّى المباركة والتأييد. كذلك راح الكتاب والمفكرون يدفعون عن أنفسهم تهماً منتظرة من خلال أعمدتهم ومقالاتهم، ويتلمسون الحجج والأسباب حتى وإن لم تبد مقنعة، عسى أن تشفع لهم عند الضرورة وفى ظل تقلبات لا مأمن منها.
●●●
أظن أن عملية التبرير المكثفة تلك، والمتطرفة فى أحيان كثيرة، ما هى إلا وسيلة دفاعية تعكس شعوراً عميقاً بعدم الارتياح، بأن الموقف المُتَبَنَّى أياً كان؛ ليس مقنعاً بالقدر الكافى لصاحبه، يجيء الدفاع عن المواقف وتبريرها عنيفاً متجاوزاُ فى أغلب الأحيان، لكن العنف والتجاوز لا يعنيان دوماً قوة المنطق وسلامته وبقدر ما يُغالى الشخص فى تلويث الآخر وتحقيره، بقدر ما يفضح حجم قلقه وعدم انسجامه يأتى الغضب والصراخ من موضع هشاشة لا قوة كما تأتى المبررات من موقع اعتذار لا ثقة.
ثمة إحساس بوجود خطأ ما؛ فالخيارات المطروحة جميعها محفوفة بالشوائب مليئة بالثغرات وقد اضطر كل منا لانتقاء الثوب الأقرب إليه وارتداه وهو مدرك إن ثوبه هذا يحمل نقاطاً سوداء ثم إننا رحنا مِن بَعد؛ نحاكم بعضنا البعض ونَنْصُبُ الأقفاص والمشانق.
يصف دانتى فى الجزء الأول من الكوميديا الإلهية، كيف يتم تعذيب هؤلاء الذين ترددوا ولم ينضموا إلى أى حزب من الأحزاب المتصارعة، فيُظهِرَهُم عُرَاة يلسعهم النحل عقاباً على ترددهم، تَخَاذُلِهم عن نصرة فريق ضد آخر. لدينا الآن مجموعة موازية من البشر يمكننا أن نطلق عليها فعلياً «طائفة المنبوذين»؛ الذين لم ينضموا إلى أى معسكر أو حزب؛ المترددين مثلما وَصَفَ دانتى، الموصومين بالرومانسية والمثالية الحمقاء، الحالمين بحلول تخلو من المنغصات كلها؛ حيث لا عسكر ولا دولة دينية ولا وجوه خدمت نظام قديم.
●●●
أظن أن أكثر طائفة نالتها اللعنات هى طائفة المنبوذين تلك؛ إذ يَنصَبُّ عليها اللوم والتقريع دون توقف وتَطَالُها اللسعات من الجوانب كافة مع ذلك تظل على إحجامها وترددها ولا تفتأُ تُفصِحُ عن مَخَاوِفٍ متعددة تُحيط بما يجرى على الأرض. برغم سيل الأخبار الذى لا ينقطع صباحاً أو مساء تظل هناك معلومات محجوبة، كَمُّ الزيف أكبر من الحقيقة والتساؤلات كثيرة لمن يرغب فى ترك سلامه النفسى جانباً.
فى وجود معسكرين متصارعين يظن كلاهما أنه يمتلك اليقين وبظهور طائفة المنبوذين التى يحتفظ أعضاؤها بقدرٍ وافرٍ من الشكوك تكتمل اللوحة لوحة الجحيم التى رسمها دانتى ويبقى الجميع فى انتظار الانتقال إلى اللوحة التالية؛ حيث التطهر من الذنوب.
إعلامنا والتنوع المفقود
محمد سعيد محفوظ | نشر فى : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص
كل ما لدينا الآن إما قنوات حكومية خاسرة أو قنوات خاصة تهدف للربح دون ضوابط أخلاقية وتحريرية بالضرورة.. وهذا مشهد إعلامى لا يعكس حقيقة المجتمع ولا يخدمه.
ماذا تفعل الحكومات الواعية لتحمل مسئوليتها فى هذا الصدد؟ خذ مثلا الولايات المتحدة فلديها ما يسمى ب«خدمة البث العام»، وهو قطاع عمره 43 عاما ويضم ما يزيد على 380 قناة غير تجارية، تملكها مؤسسات حكومية ودينية أو جامعات ومدارس وكان يطلق على هذا القطاع قبل ذلك «خدمة التليفزيون التعليمى الوطنى».
تقدم هذه الخدمة إنتاجا برامجيا لنحو 170 جهة مرخصا لها بإطلاق القنوات، يشمل كل الفروع المهملة فى الإعلام والضرورية لتثقيف الجمهور فى مجالات أكثر تخصصا وأقل جذبا للمعلنين وتنفذ هذا الإنتاج قناة أو أكثر من أكبر القنوات المنضوية تحت مظلة «خدمة البث العام»، هى التى تقرر ماذا تنتج دون ضغط من أحد. يسعى هذا القطاع إذن لتمويل نفسه بنفسه بنظام «التكافل البرامجى» إن جاز التعبير.
يشاهد قنوات «خدمة البث العام» كل أسبوع نحو 90 مليون مواطن فى الولايات المتحدة وحدها، معظمهم من الصفوة وقادة الرأى العام. وهى لا يعنيها أن تنافس القنوات التجارية على نسب المشاهدة، صحيح أن نسبة مشاهدتها لا تتعدى 2% من جمهور التليفزيون الأمريكى لكنها تقنع بجذب عشرات الملايين إلى أعمالها التربوية والعلمية. الفيلم الوثائقى (الحرب الأهلية) الذى أخرجه كين بيرنس عام 1990 وتم توزيعه من خلال «خدمة البث العام» شاهده أكثر من 10 ملايين مواطن.
كل ما سبق جعل لهذه القنوات مصداقية، كما شجع جمهورها على التبرع لها كل عام بمبلغ 500 مليون دولار، وهو ما يزيد بكثير على نصف دخلها السنوى.
قد نتوقع أن تكون هذه القنوات ذات طابع تقليدى، لكن الواقع أنها كانت أول من شجع على التحول للتليفزيون الرقمى كما سبقت القنوات التجارية فى خدمة البث بجودة عالية (إتش دى) والبث الحى عبر الإنترنت.
السويد مثال آخر، وهى من أكثر الدول التى يتمتع إعلامها بالحرية نظرا لنجاحها فى القضاء على الاحتكار فى سوق الصحافة، بعد أن دفع أكثر من مائة صحيفة فى الستينيات إلى إغلاق أبوابها أو الاندماج مع صحف أخرى مما أشعر الحكومة فى ذلك الوقت المبكر بالقلق على التدفق الحر للمعلومات فى المجتمع، فبادر البرلمان عام 1963 بتشكيل لجنة لبحث أسباب وسبل علاج تلك الظاهرة، أوصت فى نهاية عملها بتقديم معونات مالية مباشرة للأحزاب العشرة الممثلة آنذاك فى البرلمان لتوجيهها إلى الصحف الموالية لها غير أن بعض هذه الأحزاب أنفق المعونات على أنشطة حزبية أخرى والبعض الآخر مارس تأثيرا على الصحف الموالية له والمملوكة ملكية فردية مقابل هذا التمويل.
رأى البرلمان السويدى أن هذه المعونات قللت من إغلاق واندماج الصحف، ولكن ليس بالقدر المأمول، فشكل لجنة جديدة بعد أربع سنوات أوصت هذه المرة بتقديم معونات غير مباشرة تمثلت فى قروض ذات فوائد مخفضة لتمويل التطور التكنولوجى للصحف، وتخفيض كلفة نقل الصحف بالقطارات العامة.. ولم يقض هذا الدعم كذلك على الظاهرة، فلم ييئس البرلمان. شكل لجنة ثالثة أكثر جرأة عام 1972 أطلقت لأول مرة مشروعا لضمان التنوع الإعلامى تمثل فى تقديم إعانات مباشرة لصحف الأقليات وللصحف اليومية ذات التوزيع المحدود ولإصدار صحف جديدة غير يومية، وإعانات إنتاج لتوفير مواد الطباعة.
من أين أتت السويد بهذه الميزانية؟ فرضت ضريبة على الإعلانات، بالإضافة إلى ما قرره البرلمان من ميزانية الدولة المخصصة لما يسمى بمجلس دعم الصحافة.. وأرجوك لا تقارن هذا المجلس بصندوق دعم الصحف الذى أنشأه المجلس الأعلى للصحافة فى مصر عام 1983، هذا الصندوق الذى لم يهتم سوى بالصحف المسماة بالقومية، فوفر لها ورق الصحف بنصف الأسعار العالمية تقريبا، بينما ترك الصحف الحزبية فريسة للجنة شئون الأحزاب الخاضعة لسيطرة الحزب الحاكم بمجلس الشورى، وبعض هذه الصحف (مثل صحيفة الوفد) ظل لفترة طويلة لا يحصل على دعم على الإطلاق.
السويد لم تشهد منذ عام 1976 إغلاقا لأى صحيفة، والولايات المتحدة نجحت فى إشباع احتياجات معظم شرائح جمهورها وتسعى الآن للكمال بزيادة حظوظ النساء وذوى الأصول الأفريقية فى ملكية القنوات فالنساء يشكلن 51% من المجتمع ولا يملكن سوى 6% فقط من القنوات، وذوو الأصول الأفريقية يمثلون 13% ويملكون أقل من 1% (8 محطات فقط).
السويد والولايات المتحدة ما هما إلا مثالان من عشرات الأمثلة. هناك أيضا فرنسا التى تخفض أسعار الاتصالات السلكية واللاسلكية لصحافتها منذ عام 1880 وألمانيا التى خفضت ضرائب الصحف على الورق والأحبار وآلات الطباعة بنسبة 50% والنرويج التى دعمت التعاون بين الصحف الخاسرة فى مشروعات مشتركة للطباعة أو التوزيع حتى لو تعارضت سياستها التحريرية.
●●●
إن التنوع فى وسائل الإعلام لا يقاس بالعدد ولا بالقوالب البرامجية ولا بمحتوى الصحف ولكن بالتعبير عن الاتجاهات الثقافية والسياسية وأنماط الملكية وأصحاب رأس المال. إذا تركنا السوق يخطط لنفسه فسيهيمن عليه قطعا صوت واحد. الدولة هى الوحيدة القادرة على ضبط الإيقاع من خلال تقديم الامتيازات والتسهيلات والتراخيص المشروطة. هنا فقط لن يشكو أحد من طغيان تيار واحد على الإعلام وسيعرف الجمهور قيمة وأهمية «الريموت كونترول».
إعلامى وأكاديمى مصرى
التنمية الرثة: رأسمالية ليبرالية أم رأسمالية المحاسيب «1-2»
سمير أمين | نشر فى : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 17 أغسطس 2013 - 1:08 م
أولا: رأسمالية ليبرالية أم رأسمالية المحاسيب؟
يعتمد نمط الرأسمالية الليبرالية المطروح بل المفروض بناء على الادعاء بأنه «لا بديل له» على سبعة مبادئ تعتبر صائبة لجميع مجتمعات الكوكب.
-1 ضرورة لا حياد عنها لإدارة الاقتصاد على قاعدة الملكية الخاصة. وذلك لأن المؤسسات الخاصة هى الوحيدة التى تعمل طبقا لمقتضيات المنافسة الشفافة، ولأن هذه الممارسات تئول إلى نتائج صالحة للمجتمع ككل؛ إذ إنها تضمن معدل نمو ملحوظ بالتزامن مع استخدام رشيد للموارد وصرف العائد المناسب لكل عامل من عوامل الإنتاج (العمل ورأس المال والطبيعة).
وبالتالى، ففى فرضية أن الدولة تملك موجودات ورثتها من النمط «الاشتراكى المنحوس» سواء كانت ممتلكات إنتاجية أم مؤسسات مالية أم أراضى زراعية أو صحراوية فلا بد من خصخصة هذه الموجودات فورا.
2 - ضرورة لبرلة سوق العمل، والتخلى عن تحديد حد أدنى للأجور. أما قوانين تنظيم العمل فلا بد من اختزالها إلى تلك القواعد التى تضمن احترام مبادئ الأخلاق فى العلاقات بين صاحب العمل والعامل ولا غير. وبالتالى فلا بد من احترام سلم الأجور الناتج عن التفاوض الحر بين الطرفين، وكذلك قبول تقسيم الدخل القومى بين عوائد العمل ورأس المال الملازم لحرية سوق العمل.
3 - لابد أيضا من خصخصة إدارة الخدمات الاجتماعية (التعليم والصحة وتوفير المياه والكهرباء والاسكان والنقل والمواصلات). فإذا كانت الدولة والهيئات المحلية قد وفرت هذه الخدمات فى الماضى، فلا بد من التخلى عن هذا المبدأ العام. بحيث يصبح المستفيد من الخدمة هو الذى يتحمل ثمنها وليس المواطن المجهول من خلال الضرائب.
4 - لا بد من تخفيف العبء الضريبى إلى الحد الأدنى المطلوب لتغطية مسئوليات السيادة (الدفاع والأمن الداخلى) وأن تظل نسب الضرائب معتدلة بحيث لا تصبح عائقا فى سبيل المبادرات الخاصة، وأن يُضمن لها عائد عادل تستحقه.
5 - لا بد من تسليم إدارة الائتمان للمصالح الخاصة؛ وضمان التحرك الحر للعرض والطلب، ومن ثم تلاقيهما «الطبيعى» فى سوق نقدى ومالى رشيد.
●●●
6 - لا بد من ضمان التوازن فى الموازنة العامة بحيث لا يحدث عجز عالٍ فى ظروف عارضة ومؤقتة. فإذا كانت الدولة تعانى من عجز هيكلى موروث من ممارسات الماضى غير الصائبة فلا بد من القيام بالإصلاح المطلوب الذى من شأنه أن يخفف فورا عبء العجز. وإلى أن يتحقق هدف الإصلاح فلا مناص من أن تلجأ الدولة إلى الاقتراض بشرط أن تتوجه الدولة إلى الأسواق المالية الخاصة الوطنية والخارجية.
ويُنظر إلى هذه المبادئ الستة على أنها تنطبق ليس فقط على المستوى الوطنى بل أيضا على مستوى العلاقات الدولية والإقليمية (على سبيل المثال فى إطار الوحدة الأوروبية). فلا بد أن يتمتع رأس المال الخاص بالحرية فى تعاملاته الدولية، وأن يُعامل المال الأجنبى على قدم المساواة مع المال الوطنى.
وتشكل هذه المبادئ معا جوهر مذهب الليبرالية (الأصولية). بيد أننى سوف أشير هنا إلى التناقض بين هذه المبادئ وواقع الأمور، وذلك باختصار لأن حرية الأسواق المعمَّمة لا تحقق توازنا بين العرض والطلب، وذلك حتى فى الفرضية المتطرفة الخيالية بأن تسود الشفافية فى معاملات السوق. يُضاف إلى ذلك أن النظرية الاقتصادية الليبرالية لم تبرهن بالدليل العلمى على أن مثل هذا التوازن المتوقع حدوثه من شأنه أن يحقق أيضا الحل الأمثل اجتماعيا. وعلى خلاف كل هذه الأقوال فإن حرية الأسواق تئول فقط إلى انتقال النظام من وضع اختلالى إلى وضع اختلالى آخر دون أن تميل الحركة إلى انجاز التوازن المزعوم. ويرجع السبب فى اتجاه هذه الحركة من اختلال إلى اختلال آخر إلى فعل صراع المصالح الاجتماعية والوطنية؛ وذلك هو العامل الذى يتجاهله المذهب الليبرالى.
وبالمثل، فإن الفرضيات التى تقوم على أساسها الطروحات الليبرالية تصف عالما خياليا لا علاقة له بالواقع القائم، وهو رأسمالية الاحتكارات المعممة.
وقد توصلت، بناء على هذه الملاحظة، إلى الاستنتاج بأن الليبرالية نظام غير قابل للاستقرار، وأن انفجاره الذى يتجلى فى أزمة متفاقمة كان متوقعا.
وبالتالى فإن تطبيق مبادئ الليبرالية على مجتمعات التخوم التى ترضى بالخضوع لها لن ينتج سوى قيام رأسمالية المحاسيب التى تلازم تكريس دولة كومبرادورية فى خدمتها، ولن يُسمح بإقامة دولة وطنية تعمل من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية قابلة للدوام. فلا بديل هنا لهذا النمط من رأسمالية المحاسيب التى يصاحبها نمطٌ من التنمية الرثة، ولا غير.
وتجربة مصر شاهد، وعلى ذلك.
ثانيا: رأسمالية المحاسيب ونمط التنمية الرثة فى مصر (1970 2013)
سارت جميع الحكومات منذ تولى السادات زمام الحكم إلى يومنا هذا أى فى ظل رئاسة مرسى، وأيضا حكومة حازم الببلاوى فى تطبيق مبادئ الليبرالية، وذلك دون أدنى تردد أو تشكيك فى صوابها. والنتائج التى ترتبت على ذلك واضحة فى واقعنا المصرى، وهى التالية:
1 قام السادات بتفكيك المشروع الناصرى لإقامة دولة وطنية تنموية. وأعلن ذلك منذ بداية توليه السلطة، فصرح للمحاور الأمريكى أنه يسعى إلى رمى الناصرية والاشتراكية وكل الكلام الفارغ هذا فى سلة المهملات، وطلب معونة أمريكا من أجل تحقيق هذا الهدف. وبالطبع وفرت الولايات المتحدة هذه المساعدة المطلوبة. وفى هذا الإطار تم «بيع» كثير من ممتلكات الدولة من مؤسسات صناعية ومالية وتجارية وأراض زراعية وصحراوية.
ولكن، لصالح مَنْ تم هذا «البيع»؟ لقد كان لصالح «رجال أعمال» قريبين من السلطة: مثل كبار الضباط، وكبار الموظفين، وتجار أغنياء ولاسيما هؤلاء التجار المنحازين للإخوان المسلمين الذين فتح السادات باب عودتهم من المنفى فى الخليج (وقد عاد هؤلاء حاملين ثروات هائلة). كما تم جزء من هذا «البيع» لصالح عرب الخليج وشركات أجنبية أوروبية وأمريكية.
ويُلاحظ أن الصفقات تمت بأسعار تافهة لا علاقة لها بالقيمة الحقيقية للأصول المعنية.
وهكذا تكونت طبقة جديدة من «الأغنياء» المصريين والعرب. وهذا النوع من التكوين الاجتماعى يستحق تماما ان يُطلق عليه اسم «رأسمالية المحاسيب».
ويلى ذلك عدد من الملاحظات:
(أ) غيَّرت الملكيات المحوَّلة للقوات المسلحة تماما طابع المسئولية التى كانت تمارسها هذه القوات سابقا فى إدارة بعض قطاعات المنظومة الانتاجية. فبينما كان الجيش الوطنى فى الماضى يدعم هذه المؤسسات (المصانع الحربية) بصفته مؤسسة تابعة للدولة، أصبحت الحقوق فى الإدارة شيئا آخر تماما قائما على تكريس حقوق الملكية الخاصة. كما أن بعض الضباط من ذوى المناصب العليا قد «اشتروا» ممتلكات أخرى، ولاسيما تجمعات تجارية وأراضٍ حضرية وتجمعات سكنية فخمة وقرى سياحية.
(ب) يُلقى الرأى العام المصرى على هذه الممارسات صفة «الفساد»؛ الذى يمكن أن يُحل على أرضية الأخلاق؛ مفترضا أن وجود نظام قضائى صالح هو الأداة القادرة على التخفيف من الفساد. بل إن هناك أجنحة من اليسار تميِّز بين الرأسمالية المنتجة-المُرحَّب بها-والرأسمالية الطُفيلية المرفوضة. وهؤلاء جميعا لا يدركون أن رأسمالية التخوم فى إطار سيادة الليبرالية لا يمكن أن تكون مختلفة عن نمط رأسمالية المحاسيب-فليست هذه الطبقة برجوازية فى سبيل التكوين كما يزعم البنك الدولي؛ اذ إن ظهور هذه الطبقة يفترض وجود عامل دولة كومبرادورية فى خدمتها.
●●●
(ج) تشكلت الثروات المصرية والعربية والأجنبية المذكورة من خلال تملك موجودات قائمة دون إضافة تُذكر لقدرة الاقتصاد الانتاجية. فالعملية انتهت إلى تكريس وضع مؤسسات احتكارية خاصة أصبحت تسيطر على الاقتصاد المصرى بعيدا عن خطاب المنافسة الشفافة!
ثم إن النصيب الأكبر من هذه الثروات يخص موجودات عقارية: (قرى سياحية «مارينات»، مجمعات سكنية فاخرة محصنة وراء أسوار مغلقة على نمط أمريكا اللاتينية، أراضٍ صحراوية مخصصة مبدئيا للتوسع الزراعى). بيد أن ملاك هذه الأراضى ينتظرون أن تقوم الدولة بالاستثمارات الضخمة المطلوبة لجعلها صالحة للمزارعة كى يبيعونها؛ دون أن تُخصم تكاليف الاستثمار من أرباحهم الخيالية المقبلة. فهى عملية مضاربة سهلة ليس إلا.
2 - سعت الدولة إلى تدعيم الوضع الاحتكارى لرأسمالية المحاسيب من خلال إمدادها بالقروض المصرفية السهلة، حتى صارت هذه القروض-ومنها تلك التى استُخدمت لتوفير مال الشراء-تمتص معظم أموال البنوك، وذلك على حساب تمويل صغار ومتوسطى المنتجين الحقيقيين.
3-تم تدعيم هذه المواقع الاحتكارية أيضا من خلال دعم مولته موازنة الدولة، وذلك بمبالغ ضخمة. ومن ذلك، على سبيل المثال، الدعم المخصص لاستهلاك بعض الصناعات الكبرى (الصلب، الكيماويات، الأسمنت، الألومنيوم، الغزل والنسيج) من البترول والغاز والكهرباء. بيد أن «حرية الأسواق» أتاحت لهذه الصناعات أن ترفع أسعارها حتى تكون قريبة من أسعار المواد المستوردة البديلة. وبالتالى صار الدعم مصدرا لمزيد من الأرباح الخيالية. ويُلاحظ إذن أن منطق هذا الدعم لا علاقة له بما كانت عليه وظيفة الدعم سابقا، والذى استفاد منه القطاع العام فى مقابل قبوله أسعارا منخفضة لصالح المستهلك.
4 - عانت الأجور الحقيقية بالنسبة إلى أغلبية العمال والموظفين أصحاب الكفاءات المتوسطة من تدهور متواصل نتيجة حرية سوق العمل وقمع نشاط النقابات والعمل الجماعى، حتى أصبح مستوى هذه الأجور فى مصر أدنى مما هو عليه فى بلاد ذات متوسط مماثل فى الدخل القومى للفرد. وبمعنى آخر فهناك تلازم بين ارتفاع الأرباح الاحتكارية من جانب وتواصل تفاقم الفقر من الجانب الآخر.
5 - أدى النظام الضرائبى إلى تكريس التفاوت الاجتماعى، وذلك من خلال رفض مبدأ الضريبة التصاعدية. وظل العبء الضرائبى خفيفا بالنسبة إلى الاغنياء، حسبما يطالب البنك الدولى، دون اعتبار إلى أن التفاوت المعنى تجلى فى صعود الأرباح الاحتكارية لا غير.
6 - لم تنتج مجموعة الممارسات الليبرالية المذكورة سوى معدل نمو معتدل-حوالى 3 بالمائة سنويا، وصاحبه بالتالى صعود البطالة. وإذا كان معدل النمو قد ارتفع عن هذا الحد الأدنى فى بعض السنوات، فإن ذلك لم ينتج إلا عن التوسع فى بعض الصناعات الاستخراجية (النفط)، أو نتيجة ظروف أتاحت رفع أسعار منتجات هذه الصناعات، أو ارتفاع إيرادات قناة السويس، أو توسع أنشطة السياحة، أو زيادة تحويلات العاملين فى الخارج. أى أن ارتفاع معدل النمو أحيانا لم يكن ناتجا عن تقدم فى القدرة الإنتاجية للاقتصاد.
7 -كذلك لم تتح هذه السياسات تخفيف عجز الموازنة العامة وخفض عجز ميزان التجارة الخارجية، بل أدت إلى تدهور متواصل لقيمة الجنيه المصرى، وفرضت استدانة صاعدة؛ وهو الأمر الذى أتاح لصندوق النقد الدولى فرصة فرض شروط قاسية لتنفيذ مبادئ الليبرالية.
خبير اقتصادى ورئيس المنتدى العالمى للبدائل بداكار
أزمة مصر اقتصادية وليست مالية
عمر الشنيطى | نشر فى : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص
بعد عامين ونصف من المخاض السياسى، يعانى الاقتصاد المصرى من أزمة تزداد حدتها مع تعقد الأوضاع السياسية والتى وصلت إلى وضع متأزم. و على الرغم من تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية التى يعانى منها الاقتصاد الحقيقى إلا أن القطاع المالى مازال حتى الآن فى مأمن من هذا التدهور المتسارع.
يطلق مصطلح الأزمة الاقتصادية على إصابة الاقتصاد الحقيقى بالتباطؤ فى النمو والذى قد يؤدى فى بعض الأحوال إلى إنكماش الاقتصاد. وينعكس ذلك عادة على ارتفاع معدلات البطالة ليدخل الاقتصاد فى حالة من الركود. وقد يتزامن ذلك مع ارتفاع فى الأسعار لأسباب مختلفة قد يكون منها تدهور العملة والذى يؤدى إلى ركود تضخمى.
على الصعيد الآخر، يطلق مصطلح الأزمة المالية على إصابة القطاع المالى بأزمة تؤدى إلى انخفاض حاد فى قيمة الأصول المالية مثل العقارات أو الأسهم أو القروض المصرفية. عادة ما يأتى هذا الانخفاض نتيجة وجود فقاعة فى السوق تشهد خلالها أسعار الأصول المالية ارتفاعات غير منطقية ثم تنهار بعد ذلك. وقد تنخفض قيمة الأصول المالية أيضا نتيجة الركود الاقتصادى وانخفاض الطلب بشكل عام.
دائما ما يخلط الناس بين الأزمة الاقتصادية والأزمة المالية لكنهما فى الواقع مختلفتان، حيث تضرب الأزمة الاقتصادية الاقتصاد الحقيقى من زراعة وصناعة وتجارة بينما تضرب الأزمة المالية الأصول المالية المختلفة. وقد يعانى الاقتصاد من وقت لآخر من إحدى الأزمتين لكنهما قلما تتزامنا. وفى حالة تزامنهما، فإن الاقتصاد يمر بوضع حرج قد يحتاج لإجراءات استثنائية.
●●●
إذا نظرنا إلى حال مصر، نجد أن الاقتصاد يواجه أزمة اقتصادية منذ ثورة يناير 2011 تزداد بمرور الوقت بسبب عدم الاستقرار السياسى والاعتصامات المستمرة التى عرقلت عملية الإنتاج ورفعت من خطورة الاستثمار ودفعت السياحة للركود، مما أدى إلى تباطؤ النمو وارتفاع البطالة خلال العامين ونصف المنصرمين.
وقد أدى ذلك إلى زيادة كبيرة فى عجز الموازنة والتى اعتمدت الحكومة فى تمويله على الاقتراض المحلى مما أثقل كاهل البنوك المحلية التى توجه جزءا كبيرا من مواردها لتمويل عجز الموازنة على حساب تمويل المشرعات و هو ما يزيد بدوره من حدة الركود. وقد صاحب ذلك الركود تضخما كبيرا بسبب انخفاض قيمة الجنيه.
لكن على الرغم من الأزمة الاقتصادية المتصاعدة إلا أن القطاع المالى ما زال بحالة جيدة حيث إن الأصول المالية من عقارات وأسهم فى البورصة وقروض مصرفية يتم تداولها بأسعار منطقية، بل فى كثير من الأحوال بأسعار منخفضة مما يجعل وجود فقاعة على وشك الانهيار احتمالا ضعيفا.
●●●
وإذا نظرنا إلى القطاع المصرفى باعتباره أحد المصادر المحتملة للأزمة المالية، نجد أن المؤشرات الكلية للقطاع طبقا لبيانات البنك المركزى فى الربع الثانى من 2013 ما زالت فى نطاق مطمئن حيث تبلغ القروض المتعثرة 10٪ من إجمالى القروض ومخصصات القروض 97٪ من إجمالى القروض المتعثرة، مما يعنى أن القروض المتعثرة مغطاة بالكامل عن طريق المخصصات ولا يوجد قلق حقيقى من مخاطرها.
بشكل كلى، نجد أن إجمالى أصول القطاع المصرفى بلغت حوالى 1٬550 مليار جنيه يتم تمويلها عن طريق ودائع بنسبة 74٪ ورأس مال ومخصصات للبنوك بنسبة 26٪. ويتم استخدام هذه الأصول فى تمويل عجز الموازنة من خلال السندات والأذونات الحكومية بنسبة 42٪ وتمويل الشركات والأفراد من خلال القروض بنسبة 35٪ (و هو ما يجعل القروض تمثل 48٪ من إجمالى الودائع، بينما يتم استثمار النسبة المتبقية البالغة 23٪ فى أصول أخرى أغلبها ذات طبيعة سائلة).
من ناحية أخرى، بلغت مجمل الودائع فى القطاع المصرفى حوالى 1٬150 مليار جنيه (74٪ من إجمالى الأصول) و هى موزعة بين ودائع حكومية بنسبة 11٪ وودائع لقطاعى الأعمال العام والخاص بنسبة 20٪ وودائع للأفراد بنسبة 69٪، وبالتالى فإن ودائع الأفراد تمثل 51٪ من إجمالى أصول القطاع المصرفى والجزء الأكبر من هذه الودائع مربوط فى حسابات توفير وودائع آجلة.
●●●
بناء على ذلك، يمكن القول بأن القطاع المصرفى فى وضع آمن مما يجعل دخول الاقتصاد فى أزمة مالية فى المستقبل القريب احتمالا ضعيفا. ولعل السبب فى ذلك هو التوجه المتحفظ الذى ينتهجه القطاع المصرفى وعملية إعادة الهيكلة التى حدثت فى العديد من البنوك قبل 2011 مما أوصل القطاع المصرفى إلى وضع جيد جعله قادرا على تحمل العبء الأكبر من تمويل عجز الموازنة.
وعلى الرغم من التدهور الاقتصادى المتوقع فى الفترة القادمة إلا أن القطاع المصرفى ما زال لديه القدرة على تمويل عجز الموازنة على المدى القصير وحتى المتوسط. لذلك فما يتم إثارته مؤخرا عن إفلاس البنوك وضياع حقوق المودعين لا أساس له من الصحة، حيث يضمن البنك المركزى ودائع البنوك كاملة ومن غير المنطقى أن يقف عاجزا أمام أزمة سيولة فى الجنيه وهو الجهة المصدرة له ولديه العديد من الأدوات للتدخل والتحكم فى الكمية المعروضة منه فى السوق.
●●●
الخلاصة أن الاقتصاد يعانى من أزمة اقتصادية بسبب عدم الاستقرار السياسى مما دفع الاقتصاد للدخول فى حالة من الركود التضخمى والتى تزداد حدته بمرور الوقت وتعقد الوضع السياسى خاصة بعد 30 يونيو. لكن هذا التدهور لم يصب القطاع المالى الذى ما زال متماسكا بسبب السياسية المتحفظة للقطاع المصرفى لسنوات ما قبل 2011 مما أعطاه القدرة على تحمل أعباء تمويل عجز الموازنة وأعفى الاقتصاد من مشقة مواجهة أزمة مالية فى المستقبل القريب.
المدير التنفيذى لمجموعة مالتيبلز للاستثمار
الأحزان المؤجلة وكرب ما بعد الصدمة
ليلى إبراهيم شلبي | نشر فى : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص
تمنيت دائما أن تملأ تلك الصفحة صباحكم يوم صدورها بما يبشر بالصحة ويدعو للسعادة. لكن إذا ما جاءت الريح بما لا تشتهى السفن كان علينا أن ننحنى للعاصفة فى حكمة ساق البامبو اللينة التى سرعان ما تتحين الفرصة لتعاود الانتصاب رافعة الرأس سامقة.
أعزائى: ليس لدى اليوم لكم ما يبعث على السعادة لكن ربما كان لدى حديث آخر يدلكم على طريق السلامة. حديث عن الأحزان المؤجلة أو تلك الضغوط النفسية التى ستترسب ذراتها الداكنة فى نسيج المخ كبؤر صدئة تعلن عن دمار لحق بخلاياه الحية. ما أعنيه هو تلك الظاهرة التى يطلق عليها العلم تسمية كرب ما بعد الصدمة:
Post - rsoumatic stress disorder
نحن جميعا وبلا استثناء فى مرمى نيران هذا الخلل النفسى الذى يهاجم الإنسان إذا ما تعرض لصدمة نفسية وعصبية أطاحت بتوازنه. ظاهرة يتعرض لها ويعانى منها الجنود بعد أهوال الحرب أو المرأة بعد اغتصابها أو الإنسان بعد فقد عزيز له غال على نفسه وما أرانا نمر الآن بأحداث أقل قسوة.
تبدأ أعراض تلك الظاهرة بعد أن ينقضى الحدث وتهدأ النيران المستعرة فتظل منها حجرات متقدة تحت الرماد. تبدأ بأعراض قلق متزايد مستمر يضرب نهايات الأعصاب فى دأب واستمرار وإصرار ليقضى الإنسان أياما طويلة ضيق الصدر شتت الذهن يطارد النوم فإذا غفا أيقظته الأحلام المفزعة والكوابيس حتى ينفصل عن عالمه ليدخل زنزانة من زجاج تفصله عن كل من حوله بينما هو بينهم. يظل الإنسان فى محبسه يستعيد بلا انقطاع تفاصيل تلك الأحداث التى سلبته أمان نفسه وبددت صفاء ذهنه لتحل محلها هواجس وهلاوس قاتمة تستعديه على أقرب الناس إليه.
يفقد الإنسان توازن النفس فيبدو سريع الغضب قاسيا فى ردود أفعاله أكثر سبلا للعنف وإيذاء الآخرين. إذا لم يتم التدخل بحسم فى البدايات فسرعان ما يتطور الأمر إلى ما هو أخطر من مشاكل التركيز والذاكرة إلى انحسار الإدراك والقدرة على استيعاب الأحداث وانهيار علاقات الإنسان بما حوله ومن حوله.
أردت فقط أن أنبهكم لخطورة تلك الساعات الطويلة التى تقضونها فى متابعة تفاصيل تلك المحنة أو المشاركة فيها كل بقناعاته. ستتسلل تلك المشاهد البشعة المخيفة إلى صندوق ذكرياتكم لتبعثر محتوياته وتمزق صور الزمن الجميل وتحتل مكانها بجسارة. تنبهوا جيدا لتوازنكم النفسى فهو سلاحكم الوحيد فى مواجهة كرب ما بعد الصدمة. اعتذار مسبق لمن آذته كلماتى لكن ما قصدت إلا الاجتهاد فى أداء واجب أظننى عنه مسئولة.
الطائفية فى سوريا أصبحت علانية
العالم يفكر | نشر فى : السبت 17 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 17 أغسطس 2013 - 1:10 م
إعداد/أيمن طارق أبو العلا
كتبت رنا أبوعمرة باحثة الدكتوراه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة تحليلًا للإطار الطائفى الذى يحيط بالأزمة السورية وتداعيات بروز العامل الطائفى على أطراف الصراع. نشر التحليل بعنوان «تعادل القوى: تأثير التحالفات الطائفية فى موازين الصراع السورى» على الموقع الإلكترونى للمركز الإقليمى للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة.
تقول الكاتبة إن الطابع الطائفى للأزمة السورية كان أمرًا موجودًا ولكن مسكوتًا عنه إلى أن أصبح أمرًا صريحًا من الصعب اخفاؤه، وذلك حين تدخل حزب الله مؤخرًا إلى جانب قوات الأسد فى معركة القصير. وليس حزب الله فقط هو من اعتمد عليه النظام السورى لقمع المعارضة وإنما كان الحلف الشيعى المساند للنظام السورى العلوى يتكون بالإضافة إلى حزب الله من إيران وشيعة العراق. وهكذا سيكون من غير المتصور أن ينتهى الصراع فى سوريا حتى فى حالة رحيل الأسد، فالصراع أصبح صراعًا طائفيًا بامتياز. بعكس الطائفة العلوية فى سوريا التى يمكن أن يبرر قتالها مع المعارضة على أساس مصلحى فانخراط المتطوعين فى ميليشيات عراقية وإيرانية لا يمكن تبريره إلا على أساس عقائدى طائفى، وهو الأمر الذى يهدد برفع سقف التضحيات وهو الأمر الذى سيؤدى إلى استمرار الصراع.
●●●
والمتابع لمسار القتال فى سوريا سيجد أن النظام السورى بجيشه النظامى وعدته وعتاده أصبح دوره ثانويًا فى الحرب، فهو فقط يوفر الغطاء الجوى أو يقوم ببعض الأعمال التكتيكية التى تهدف إلى فتح الثغرات ثم بعد ذلك تتدخل الميليشيات الشيعية المدربة من قبل حزب الله وإيران بالإضافة إلى بعض الفصائل العراقية التى ظهرت على الساحة فى الفترة الأخيرة. بل إن فى بعض الأحيان يقتصر القتال على الميليشيات الأجنبية التى تحسم بعض المعارك حتى بدون مساعدة النظام السوري. وتضيف الكاتبة أن هناك معلومات عن وجود غرف عمليات مشتركة بين العلويين فى سوريا وإيران وحزب الله فى لبنان. وهذا يعنى بإختصار أن القوى الأجنبية لم تعد فقط مساندة أو تابعة لقوات نظام الأسد بل أصبحت طرفًا رئيسيًا فى الصراع العسكرى وهو الأمر الذى يفقد النظام الأسدى سلطته الفعلية.
ومن وجهة نظر الباحثة فإن التقدم الذى أحدثته قوات التحالف الشيعى لا يعنى انهيار المعارضة السورية ولا انهزامها كليًا، فذلك التقدم إنما نتج عن المساهمة الخارجية سواء بالمليشيات أو بالدعم المادى وبالأسلحة. فميزان القوى قد يتعادل من جديد إذا تم تسليح المعارضة السورية تسليحًا مناسبًا يساعدها على التصدى لقوات الأسد وللقوات الأخرى بالحلف الشيعى.
●●●
وفيما يخص تداعيات المعارك الدائرة على الأطراف الإقليمية المنخرطة فى الصراع السورى، سنجد أن سقوط النظام الأسدى ستكون نتيجته كارثية على الحزب الله وسيطال الأمر مكاسبه فى الداخل اللبنانى. وفى العراق سيؤدى سقوط النظام السورى إلى إضعاف موقف نورى المالكى فى مواجهة السنة البعثيين.
أما على المستوى الشعبى فنجد رجال الدين فى حوزة قم «المرجعية الشيعية الأكبر فى إيران» اصدروا العديد من الفتاوى التى تحث على المجاهدة مع النظام السورى ضد الحرب السنية ضد العلويين. وهو ما يؤكد الطابع الطائفى للحرب الدائرة الآن حتى على مستوى الأفراد وليس فقط الحكومات والقيادات. لكن ينبغى الإشارة هنا إلى حقيقة ظهور خلاف مؤخرًا بين المرجعيات الشيعية فى نجف العراق «المرجعية الشيعية الأكبر فى العراق» وقم إيران حول الفتاوى التى تدعوا اتباعهم إلى الذهاب إلى سوريا للمجاهدة وحماية المزارات الشيعية فى سوريا. فنجد أن آية الله السيستانى فى نجف العراق وهو شخصية قيادية دينية تتمتع بتأثير كبير على معظم شيعة العراق والكثير من الشيعة حول العالم، حرم اشتراك الشيعة فى الحرب السورية معتبرًا أن تلك الحرب هى حرب سياسية وليست دينية لا ينبغى إقحام الشيعة بها. ولكن لم تمنع هذه الفتوى بعض الميليشيات الشيعية فى العراق من أن تتمسك بدعوة إيران وترسل رجالها إلى سوريا. وعلى أية حال يمكن تفسير هذا الخلاف الشيعى الداخلى فى إطار الخلاف التاريخى بين الطائفتين على زعامة المذهب الشيعى وكذلك الخلاف المذهبى حول حدود الزعامة الدينية التى نجدها فى مذهب نجف بعكس مرجعية قم تتوقف عند المجال الدينى والروحانى ولا تمتد إلى المجال السياسى.
●●●
وفى الختام نجد أنه وبعد الحديث صراحة عن الحلف الشيعى فإن إيران ستكون القوة الإقليمية صاحبة أكبر مكاسب وستضمن مكانًا خاصًا فى خريطة التسوية وستضمن كذلك نفوذا إيرانيًا فى سوريا ما بعد رحيل الأسد، وهو الأمر الذى لن تقبل باستمراره تركيا كغريم إقليمى يبحث عن مساحة نفوذ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.